ياسر عرفات : عندما تتحجر الدموع في عينيه

ياسر عرفات : عندما تتحجر الدموع في عينيه
اللواء د . مازن عز الدين

عاصر الرئيس " ابو عمار " في مراحل نضاله الطويل الكثير من العمالقة الذين احبهم واحبوة ، من قادة حركة التحرر الوطني في اطارها الاقليمي والدولي وتفاعل معهم وتفاعلوا معه ، وإانعكست بشكل مباشر على قضية شعبه ، الى الدرجة التي بات تعرف من حطته المميزة ونقشها في ذاكرة العالم برصاص البنادق وحجارة الوطن المقدس ، وسلموه بحق واقتدار راية حركة التحرر العالمية في مهرجان برلين الشرقية في ذلك التاريخ وتحجرت الدموع في عينيه ، فكانت تلك اللحظات تحلق فيها ارواح الشهداء من فلسطين ، وفيتنام والجزائر وجنوب افريقيا وكافة ساحات النضال وتتشابك فيها الايادي القابضة على الجمر، وتتماسك الارادة ، وتشتد قوة الثورة ليعلن ابو عمار شعاره التاريخي من على منبر الامم المتحدة " جئتكم بغصن الزيتون في يد ، والبندقية في اليد الاخرى ، فلا تسقطوا الغصن الاخضر من يدي " ليقف العالم ، مع الشعب والقضية التي عادت رغم انف الاحتلال ولتتحجر الدموع في عيون كل الشرفاء في القارات على امتداد مساحاتها . 

وعاصر من الملوك والزعماء والامراء العديد ، منهم العمالقة ، ومنهم غير ذلك ، منهم من كان قريبا منه الى حدود عشق الروح للجسد ، ومنهم من كان يكره ان يراه ، او يسمع صوته ، لكنهم جميعا كانوا يصابون بالكآبة ، اذا لم يقم بزيارته اليهم ، ليقدموا انفسهم لشعوبهم انهم مع عرفات ، ومع القضية ، والبعص الآخر كان يدعي ذلك ، وكانوا يعدون الدقائق التي تستغرقها الزيارة ، وكان يعي ذلك فيطيل من زيارته فيزيد من حب الشعب الذي يعرف الواقع ويدرك كل التفاصيل . 

ومن اشقائه كان يختلف مع الرئيس الاسد الاب ، وكان يمارس معه لعبة شد الحبل بكل التحدي الذي يضغط به كل طرف لإدامة قوة الجذب الشخصية ، لكنه كان يعترف لنا وللجميع ان الريئس الاسد الاب كان مخلصا لشعبه وامته وكانا يتواصلان معا في القضايا الاستراتيجية ويختلفان في التفاصيل اليومية التي كثيراً ما كانت متعارضة ، وعندما جاءه خبر وفاته بكاه بدموعه المكابرة وقال لقد كان محاربا صلباً وبقي مصراً ان تعود القوارب العربية الى مياه طبرية . 

اما عن العلاقة مع الملوك ، كان يرى العزة ، والانفة ، والكرامة ، والكبرياء ، والكرم العربي ، في الملك فيصل كنموذج بينهم . اما عن العلاقة مع الرئيس صدام فكان يرى فيه الاقدام والشجاعة والفروسية ، وشيء من التهور، وتابع محاكمته ووصفه بالصنديد لحظة مواجهته لقدره ، وتمتم كثيرا وترك الجميع ، وابتعد ليخلوا مع نفسه ، ومع احتجاجه على التوقيت والاسلوب الذي ارتكبوه مع الرئيس صدام ، الذي لم يبخل على أسر شهداء الانتفاضة 

اما عن الجزائر فكان يرى فيها انها النموذج العربي الاصيل الذي يعشق فلسطين ، وكم تمنى لوكانت دولة من دول الطوق العربي ، وكان يؤكد على صدق المشاعر التي اطلقها الرئيس " هواري بو مدين" حين قال نحن مع فلسطين ، ظالمة أو مظلومة.

اما مصر فهو يعلن ويكرر دائما انه" مصريّ الهوى" يصحوا حيث تصحوا ويطمئن حيث تطمئن ، ولم يغفوا يوما الاّ بعد ان يعود منها ويلقي باثقاله وهمومه اليها رئيسا وحكومةً وشعباً ويبكي حيث تبكي ويؤكد انها امننا القومي العربي بمجمله ، وعن الامة كلها كان يرى اننا مهما تعاظمت قدرتنا فنحن دائما جزء من همومها من آلامها من افراحها لقد كان مجموع انتمائنا لها من المحيط الى الخليج ..

ومع شعبه فكان متصالحا مع نفسه ، فكانت محبته ، وحنانه ، وكرمه ، و شجاعته وحكمته تتجلى في كلمة واحدة انه " الاب " بكل معنى الكلمة ، جامل الجميع من ابناء شعبه ان كان فرد ، اوعائلة ، اوحركة ، اوحزب ، ولهذا تسقط كثير من الصور عن الجدار ، الاّ صورة الرئيس ابو عمار لن تسقط ابدا ، لانها رفعت على جدران القلوب قبل البيوت ، ودموعه المكابرة تتساقط كالمطر من عيون الشعب الفلسطيني الذي يعشقه و لا تغيب ذكراه ، فهو رمز وحدتنا الوطنية التي هي قوتنا في كل المواجهات .، الى روحه الطاهرة جنة الخلد والسلام .

رام اللة 10/11/2017م 


التعليقات