حرب أميركا على اليونيسكو

حرب أميركا على اليونيسكو
نبض الحياة 

حرب أميركا على اليونيسكو

عمر حلمي الغول 

أعلنت الولايات المتحدة الأميركية إنسحابها من منظمة التربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) يوم الخميس الماضي الموافق ال12 من إكتوبر الحالي، متذرعة بأن المنظمة الأممية "تدار بطريقة منحازة ضد إسرائيل." وقالت هيذر ناورت، المتحدثة بإسم الخارجية الأميركية إن "القرار لم يتخذ بسهولة، ويسلط الضوء على مخاوف الولايات المتحدة من تزايد ديون اليونسكو، وضرورة إجراء إصلاحات جذرية في المنظمة من إستمرار الإنحياز ضد إسرائيل." ولحقت بها حكومة نتنياهو، وأعلنت إنسحابها من المنظمة الأممية، حيث يلاحظ أن أميركا تزاود على إسرائيل في دفاعها عن سياساتها الإستعمارية، وتبادر لإتخاذ قرارات متناقضة جذريا مع دستور وقيم الولايات المتحدة نفسها. وهي ليست المرة الأولى التي تنسحب فيها أميركا من المنظمة، حيث إنسحبت عام 1984 وتلتها بريطانيا 1985 بذريعة أنها آنذاك كانت منحازة للشيوعية. ولكن كلا البلدين عادا لليونسكو بريطانيا عام 1997 وأميركا 2003. 

كما ان أميركا جمدت دعم موازنة منظمة التربية والعلوم والثقافة منذ عام 2011. ويقدر إسهامها ب80 مليون دولار أميركي سنويا، وهو ما يعادل خمس الموازنة العامة لليونسكو. ومع ذلك تابعت المنظمة الدولية مهامها دون توقف، رغم تأثرها السلبي من الإنسحاب الأميركي في كل مرة تغادر فيه موقعها كعضو فاعل. لاسيما وان اليونسكو تقوم بمهامها التربوية والثقافية بعيدا عن السياسة من خلال 50 مكتبا وعدد من المعاهد التدريسية، بالإضافة لخمسة برامج أساسية تعمل عليها في مختلف دول العالم، وهي" التربية والتعليم، العلوم الطبيعية، العلوم الإجتماعية والإنسانية والثقافية، والإتصالات والإعلام." وتساهم في العديد من البرامج والأنشطة، منها: محو الأمية، التدريب التقني، تدريب وتأهيل المعلمين، المشاريع الثقافية والتاريخية، إتفاقيات التعاون العالمي للحفاظ على الحضارة العالمية، التراث الطبيعي وحماية حقوق الإنسان. أضف إلى ذلك إعتمدت اليونسكو في نوفمبر عام 1972 الإعلان عن لائحة مواقع التراث العالمي، التي تعتبر ذات أهمية خاصة للشعوب التي تختزن أوطانها إرثا حضاريا، وهو ما يعزز ويعمق مكانتها وهويتها القومية على أوطانها، ويضيف بعدا هاما لإنجازات الحضارة العالمية، وتعمل اليونسكو على دعم وحماية تلك المواقع من خلال تبنيها في اللائحة.

الإنسحاب الجديد يكشف بؤس وعقم سياسة الإدارة الأميركية القائمة، لإنها كشفت عن عدم توازن في سياساتها العدوانية على منظمة التربية والعلوم والثقافة، ومقرها باريس. لاسيما وان إنسحابها الآن يأتي بذريعة ان المنظمة "منحازة" للشعب العربي الفلسطيني، وتعمل ضد إسرائيل الإستعمارية. وهذا بحد ذاته يميط اللثام عن عجز الولايات المتحدة في رعاية عملية سلام حقيقية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وما الحديث عن صفقة القرن التي يتحدث عنها الرئيس دونالد ترامب إلآ خدعة العصر الجديدة، خاصة وان إدارته تدعم بشكل واضح الإستيطان الإستعماري على الأرض الفلسطينية، وهو ما يؤثر على الكشف عن الإرث الحضاري الذي تختزنه الأرض الفلسطينية المحتلة، فضلا عن تدمير ما هو موجود، او نسبه لدولة الإستعمار الإسرائيلية. فكيف يمكن لواشنطن أن تكون راعيا نزيها وموضوعيا في ظل ملاحقتها للمنظمات الأممية التي تدعم الحقوق الوطنية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام؟ وكيف يمكن للشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية الوثوق بإمكانية تبني إدارة ترامب صفقة سلام عادلة في ظل إنحيازها غير المشروع لدولة الإستعمار الإسرائيلية؟ وهل مطلوب من دول العالم أن تضبط تصويتها وقراراتها وفق الأجندة والرؤية الأميركية الإسرائيلية كي تكون المنظمات الأممية غير منحازة؟ وكيف لدولة تدعي أنها راعية حقوق الإنسان والديمقراطية، تطارد الدول والمنظمات الدولية والشعوب في حقها بالتعبير عن قناعاتها وفق مواثيق وقوانين الشرعية الدولية؟ ومن الخاسر من خروج أميركا من اليونسكو؟ أليست الولايات المتحدة نفسها والتعددية والديمقراطية؟ 

حرب الولايات المتحدة على اليونسكو، حربا باطلة ومعادية للسلام، وحقوق الإنسان، وللعدالة الإنسانية، وقبل كل ذلك للامم المتحدة وقوانينها ومواثيقها وأعرافها، التي اسهمت في وضعها وصياغتها المؤسسات وممثلي الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ تشكلت منظمة اليونسكو في العام 1945، وايضا هي حرب مكشوفة ومفضوحة على الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه العادلة. وعلى إدارة ترامب إعادة نظر في سياساتها إن شاءت أن تكون فعلا لا قولا راعيا للسلام وصانعة لصفقة العصر التاريخية لبناء ركائز تسوية سياسية تستجيب للحد الأدنى من الحقوق السياسية الفلسطينية. وان تكف عن مهاجمة منظمات الأمم المتحدة ومنها اليونسكو ولجنة حقوق الإنسان وغيرها من المنابر الأممية. 

[email protected]

[email protected]   

التعليقات