فرصة تاريخية أمام العرب .. الدولة الفلسطينية على مرمى النظر .. بشروط

فرصة تاريخية أمام العرب .. الدولة الفلسطينية على مرمى النظر .. بشروط
اللواء محمد إبراهيم 

أعتقد أنه من الإجحاف أن نحكم على الموقف العربى بشأن جهوده لحل القضية الفلسطينية بالفشل التام، سواء لاستمرار عدم حل القضية حتى الآن أو استناداً إلى طبيعة الوضع العربى الراهن، الذى من المؤكد أنه يعانى من ضعف واضح فى ضوء المشكلات التى تعرضت لها المنطقة سواء كانت مرتبطة بتصاعد العمليات الإرهابية أو المشكلات المثارة حالياً فى كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن، وهى فى مجملها أوضاع لا بد أن تؤثر سلباً على قوة وتماسك الموقف العربى، ليس فقط تجاه القضية الفلسطينية، وإنما فى مختلف القضايا والمجالات .

ومن الإنصاف أن نقوم بعملية مراجعة سريعة لأهم ما قدمته الدول العربية لصالح القضية الفلسطينية فى كل مراحلها، ليس بغرض الاستعراض التاريخى لهذه الجهود، لكن حتى نصل إلى تقييم موضوعى حول مدى إمكانية إحياء الدور العربى تجاه هذه القضية المركزية وفرص دفعها إلى الأمام بصورة حقيقية، وصولاً إلى أن تكون لدينا القدرة على التحرك فى الاتجاه الصحيح من أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، باعتبار أن هذه ليست مسئولية فلسطينية فقط، بل مسئولية عربية جماعية فى الأساس.
 
وقبل أن أتطرق لمعالجة هذا الموضوع هناك سؤال منطقى يفرض نفسه، وهو مامدى إمكانية تطبيق النموذج الذى شاهدناه أخيراً، وهو نموذج الكتلة الرباعية العربية الناجحة فى مواجهة قطر ليكون نموذجاً فعالاً داعماُ للقضية الفلسطينية، وحتى لا أكون مبالغاً فمن المؤكد أن الأمر يختلف فى الحالتين، ففى الحالة القطرية هناك توافق عربى دولى أمريكى على محاربة الإرهاب، والعمل على وأد الدور القطرى الداعم له، وهى فى النهاية مسألة مؤقتة سوف تنتصر فيها الإرادة العربية الجماعية خلال وقت لن يطول، أما فى الحالة الفلسطينية فالمسألة ترتبط بصراع عربى - إسرائيلى أكثر تعقيداً وتشابكاً وممتداً منذ نحو سبعة عقود، ناهيك عن الموقف الأمريكى الداعم بشكل مطلق لإسرائيل ولا يسمح بالمساس بها تحت أية ظروف، إلا أن ذلك لا يجب أن يحول دون ضرورة التفكير فى تحرك عربى أقوى وأعمق تأثيراً.
 
فى البداية يجب الإشارة إلى أربعة عوامل مهمة ومؤثرة مرتبطة بالمواقف العربية والفلسطينية والإسرائيلية : -
 
** اختلاف مفهوم الأمن القومى العربى من منطقة أو مجموعة عربية عن أخرى، فلا يمكن أن يكون هذا المفهوم موحداً على المستوى العربى الجماعى، فمهددات الأمن القومى العربى لدول الخليج على سبيل المثال تختلف عن مثيلاتها لدول المشرق أو المغرب العربى .
 
إن هناك معاهدات سلام واتفاقات عربية تمت مع إسرائيل منذ فترات طويلة ( معاهدة السلام مع مصر 1979 – اتفاقات أوسلو 1993 – معاهدة السلام وادى عربة مع الأردن 1994)، وإذا كان البعض يرى أن ذلك قد يمثل نوعاً من العقبات أمام تحرك بعض هذه الدول، فإننى أرى أن هذا الأمر يمثل عنصر قوة للدول الموقعة على معاهدات سلام وتمتعها بحرية حركة أكبر مع كل الأطراف.
** المشكلات المحيطة بالموقف الفلسطينى الداخلى وعدم قدرته حتى الآن على إعادة ترتيب البيت من الداخل بفعل الخلافات والانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة وهى كلها عوامل سلبية معوقة للتحرك العربى ومحاولاته تقديم الدعم المطلوب للقضية الفلسطينية.
 
استثمار إسرائيل للوضع العربى الراهن ومحاولاتها النفاذ إلى كل الدول العربية، من خلال البحث عن إطار جديد للمصالح المشتركة مع العرب، مثل موضوع الإرهاب بعيداً عن القضية الفلسطينية وتعقيداتها، بحيث تبنى أسس جديدة للعلاقة ليس من بينها حل القضية أولاً، ومن الواضح أن هناك توجهاً أمريكياً قوياً داعماً للموقف الإسرائيلى فى هذا المجال.
 
 وإذا استعرضنا بشكل سريع الدور العربى تجاه القضية الفلسطينية، فهناك بعض المحطات شديدة الأهمية يمكن الإشارة إليها بإيجاز دون الدخول فى تفصيلاتها، سواء تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 بناء على قرار مؤتمر القمة العربى فى القاهرة فى نفس العام، والقرار التاريخى فى قمة الرباط عام 1974، باعتبار منظمة التحرير هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى واستضافة تونس لمقر المنظمة بعد خروجها من لبنان عام 1982، حيث استمرت هناك لمدة عشر سنوات، وكذا إعلان قمة الجزائر عام 1988 قيام دولة فلسطين الذى يعد أول تحرك عربى - فلسطينى حقيقى نحو تقنين مبدأ حل الدولتين، بالإضافة إلى الدعم العربى المتواصل للقضية فى كل المحافل الدولية، بما حافظ على الأقل على حيوية القضية فى كثير من الأحيان.
كما حظيت قضية القدس بأهمية عربية خاصة تراوحت بين تقديم ملايين الدولارات فى مؤتمرات القمم العربية المختلفة لدعم صمود أبناء القدس فى مواجهة محاولات إسرائيل تهويد المدينة والسيطرة على المقدسات الدينية خصوصا المسجد الأقصى، وكذا تشكيل لجنة القدس برئاسة العاهل المغربى بناء على توصية المؤتمر السادس لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامى المنعقد فى جدة عام 1975، بالإضافة إلى تقديم أوجه الدعم المادى للسلطة الفلسطينية بعد تأسيسها من خلال منحها مخصصات مادية وكذا فتح سفارات عربية فى مدينة رام الله ومن قبلها فى قطاع غزة .
 إلا أن الأمر الأكثر أهمية وفاعلية، والذى أراه نقطة التحول الرئيسية فى فكر السلام العربى ليس فقط تجاه حل القضية الفلسطينية، وإنما إزاء حل الصراع العربى - الإسرائيلى يتمثل فى المبادرة العربية للسلام المطروحة من جانب العاهل السعودى الراحل الملك عبد الله فى قمة بيروت عام 2002 وحظيت بموافقة بالإجماع، وهى أكثر الرؤى العربية المتطورة والواقعية والشاملة التى استندت إلى المبدأ الواضح الذى وافق عليه المجتمع الدولى، وهو مبدأ الأرض مقابل السلام، وكذا منح إسرائيل التطبيع والعلاقات الكاملة مع الدول العربية فى مقابل انسحابها الكامل من الأراضى العربية المحتلة، وفى رأيى أن هذه المبادرة ما زالت صالحة لتكون أساس الحل، بشرط أن نحسن تسويقها.
 
ورغم هذا الجهد العربى المتواصل منذ عقود طويلة، فإنه لم ينجح فى أن يحصد النتائج المرجوة لأسباب متعددة، حيث إن قطار الاستيطان الإسرائيلى قارب على تهويد مدينة القدس، كما أن مبادرة السلام العربية لم يتم تفعيلها بالشكل المناسب الذى يتلاءم مع موضوعيتها وتكاملها، ووصل الأمر إلى تراجع واضح فى القضية الفلسطينية بالشكل الذى نراه حالياً، وبالتالى يثار التساؤل المنطقى: هل يمكن إحياء الدور العربى لدعم القضية الفلسطينية من جديد، أم أن الأمر لن يتعدى بعض التصريحات والدعم المادى والمعنوى، فى وقت تتزايد فيه المخططات الإسرائيلية حتى أصبحت مسألة قيام دولة فلسطينية أمراً شديد الصعوبة، بل الاستحالة إذا ما استمر الوضع على نسقه الحالى؟
 
 وباعتبارى أنتمى إلى مدرسة العمل، والحركة وعدم فقدان الأمل، ما زلت أرى أن هناك إمكانية لإحياء الدور العربى تجاه القضية الفلسطينية بإرادة جديدة قوية، ومن خلال  مجموعة من التحركات العربية الضرورية خلال المرحلة القريبة القادمة أهمها ما يلى : -
 
التحرك المكثف من أجل تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية / الفلسطينية وتوحيد الموقف الفلسطينى، باعتبار أنه يعد الأساس لأى تحرك ناجح فى عملية السلام، ولا شك أن النتائج الإيجابية التى تحققت أخيراً فى القاهرة فى أعقاب الاجتماعات المكثفة التى تمت بين المسئولين المصريين وقيادات فتح وحماس يمكن أن تكون نقطة انطلاق لتحقيق هذا الإنجاز لاسيما أن هناك تفويضا من الجامعة العربية لمصر بأن تتولى مسئولية هذا الملف الحساس.
 
التوافق بين الدول العربية (ليس بالضرورة الإجماع) على مبادرة السلام العربية ووضع خطة تحرك على المستويات الإقليمية والدولية، على أن تشمل هذه الخطة آليات تنفيذ عملية وجدول زمنى واضح حتى يتم إقناع المجتمع الدولى بأن العرب يمتلكون رؤية واقعية متقدمة للسلام فى المنطقة تسمح ببدء مفاوضات جادة تقود إلى سلام حقيقى شامل بين إسرائيل والعرب، وما زلت أتساءل كيف يمكن للعرب وهم يمتلكون هذه الرؤية العميقة ألا يحسنوا على الأقل تسويقها؟!
 
** الانتقال إلى خطوات أكثر عملية فى دعم صمود الفلسطينيين فى مدينة القدس وعدم الاكتفاء بالدعم المادى والمعنوى محدود التأثير، وفى هذا المجال يبدو من الضرورة أن يتم رفع القيود أمام زيارة المسلمين  للمسجد الأقصى .
 
التصدى بقوة لأية محاولات إسرائيلية للاندماج فى المنظومة العربية الأمنية أو غيرها إلا فى حالة القبول بإقامة دولة فلسطينية مستقلة .
 
الخلاصة أن الدعم العربى للقضية الفلسطينية، مهما يكن جماعياً أو رباعياً (على غرار الرباعية العربية التى تشكلت أخيراً من أجل تحقيق المصالحة الفلسطينية، وتتكون من مصر والسعودية والإمارات والأردن) أصبح ضرورة حتمية، إذا ما أرادت الدول العربية أن يحسب لها الإنجاز التاريخى بإقامة الدولة الفلسطينية، وهو الأمر الذى يجب أن يبدأ العمل فيه، خلال أقرب فرصة ممكنة من خلال خطة تحرك وآليات وأسس تواصل وتنسيق مستمر، حتى إذا ما بدأنا التحرك الإقليمى والدولى مع كل الأطراف، تكون هناك وحدة فى الموقفين العربى والفلسطينى، سواء فى مواجهة إسرائيل التى أسقطت من أجندتها مبدأ حل الدولتين، أو فى مواجهة مجتمع دولى أصبح يتعامل مع القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية إنسانية غير ملحة، ولم يعد يعنيه كثيراً أن ينخرط فى أزمة جديدة تكون إسرائيل أحد أطرافها .

التعليقات