معادلة السلام الإسرائيلية الجديدة

معادلة السلام الإسرائيلية الجديدة
رهام عودة 

بدأت تتشكل في الآونة الأخيرة،  ملامح أكثر وضوحا لخطة السلام الإسرائيلية الجديدة مع العرب التي تخطط لها الحكومة الإسرائيلية منذ فترة طويلة.

 فبعد فشل عدة جولات من مفاوضات السلام بين السلطة الفلسطينية و الحكومة الإسرائيلية منذ توقيع اتفاقية أوسلو الشهيرة ، و بعد أن سادت أجواء من اليأس و الإحباط في صفوف الفلسطينيين،  بسبب  خيبة أمالهم من عدم قدرتهم  على إقناع إسرائيل بالاعتراف بالحدود النهائية للدولة الفلسطينية  على حدود عام 1967 ، و عدم النجاح في حسم  قضايا الوضع النهائي المتمثلة : بعودة اللاجئين الفلسطينيين،  و الاعتراف  بالقدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية ، و إخلاء جميع المستوطنات الإسرائيلية من أراضي الضفة الغربية.

  جعل كل ذلك الفلسطينيين،  يشعرون بأن مفاوضات السلام تحولت إلي  طريق مسدود ملئ بالألغام السياسية، و أن هذا الطريق  لن يحقق لهم حلم الدولة المستقلة.

ومع إصرار إسرائيل المستمر،  بتأجيل كل شيء يتعلق بالسلام النهائي مع الفلسطينيين،  و تقديمها  في كل مرة لشروط جديدة للتفاوض مع الفلسطينيين،  مثل ضرورة  اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة تارة ، أو أن تتوقف السلطة الفلسطينية عن دفع رواتب الأسرى و أهالي الشهداء تارة أخرى الأمر الذي يرفضه الفلسطينيون بشكل مستمر.

 بات الأمر جلياً،  بأن هناك قرار إسرائيلي سياسي رفيع المستوى  ،  بعدم التفاوض مع القيادة الفلسطينية الحالية،  التي يرأسها الرئيس محمود عباس ، وذلك على الرغم من  المحاولات الدولية الكثيفة لإقناع الحكومة الإسرائيلية ، بأن الرئيس  عباس  هو الشريك الفلسطيني الوحيد و الحالي للسلام مع إسرائيل،  في ظل رفض قيادات  الفصائل الفلسطينية الأخرى الاعتراف بدولة إسرائيل.

ومن الذرائع التي تستخدمها إسرائيل للتهرب  من  المفاوضات   بشكل مباشر مع السلطة الفلسطينية ،  هو أن السلطة الفلسطينية لا تُمثل كل الفلسطينيين،  خاصة في قطاع غزة ، بسبب سيطرة حركة حماس على القطاع ، الأمر الذي يُضعف موقف السلطة الفلسطينية ، عندما تُطالب دول العالم بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود 1967.  

لكنني أعتقد هنا، أن لدى إسرائيل معادلة سلام جديدة،  و أسباب إستراتيجية أخرى،  تجعلها لا تقتنع بضرورة العودة للتفاوض مع السلطة الفلسطينية الحالية، و تلك الأسباب هي ما يلي:

أولاً) إدارة الصراع و ليس حله

من يراقب السياسة الإسرائيلية الحالية تجاه الملف الفلسطيني، قد يلاحظ أن إسرائيل تتجه أكثر فأكثر، نحو إدارة الصراع بينها و بين الفلسطينيين، بدلا من حل الصراع بشكل نهائي.

 ففي الوقت الذي تتمسك به إسرائيل  بسياستها الاستيطانية في أراضي الضفة الغربية،  و عدم اعترافها بأية حقوق للشعب الفلسطيني لاسترداد أراضيه  الشرعية  ، تحاول إسرائيل أن تُمسك العصا من المنتصف،  للحفاظ على علاقة متوازنة مع الطرف الفلسطيني.

 وذلك عن طريق تقديم بعض التسهيلات الإسرائيلية للفلسطينيين،  مثل تصاريح العمل داخل إسرائيل، و دعمها لبعض مشاريع البنية التحتية مثل مشاريع المياه و الكهرباء وشق الطرق التي تنفذها  بعض المؤسسات الدولية العاملة بالضفة الغربية و قطاع غزة  ،  من أجل محاولة الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الهدوء، و الاستقرار الأمني،  و الحيلولة من ازدياد وتيرة العنف ضد المستوطنين، وقوات الجيش الإسرائيلي المتواجدين في كل من الضفة الغربية و القدس. 

و تهدف إسرائيل من إداراتها للصراع مع الفلسطينيين ، هو نيل أكبر وقت ممكن،  لاستكشاف ما ستؤول إليه تطورات الأوضاع السياسية في كل من الضفة الغربية و قطاع غزة .

 حيث حسب تصريحات بعض القادة الأمنيين الإسرائيليين، أن لدى إسرائيل قلق كبير من أن تنهار السلطة الفلسطينية في أي وقت،  أو أن تسيطر حركة حماس في المستقبل على الضفة الغربية، مثلما سيطرت بالسابق على قطاع غزة.

 لذا على أبعد تقدير ، أعتقد أن إسرائيل ، لا تريد التعامل مع قيادة فلسطينية،  لا يوجد لها مستقبل مضمون ، في ظل التغيرات الإقليمية العاصفة بالشرق الأوسط ، التي جعلت مهمة التخطيط للمستقبل عملية معقدة و غير مؤكدة .

و ربما يعتقد الإسرائيليون أنه من الأفضل لهم الانتظار لحقبة زمنية أخرى،  حتى تستقر الأمور، و تتضح لهم أكثر رؤية الشعب الفلسطيني، وتوجهاته نحو قيادة فلسطينية جديدة ، يُمكنها أن تُمثلهم جميعا  في المستقبل، و  باستطاعتها أن تُقنع الشعب الفلسطيني بأهمية السلام مع إسرائيل ، وذلك بدلا من إهدار الوقت في التفاوض مع قيادة فلسطينية تقليدية ، مازال مستقبلها غامض،  ومجهول في ظل استمرار الانقسام الفلسطيني.

ثانياً) السلام العربي ثم السلام الفلسطيني 

من يتابع تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي ، بنيامين نتاياهو،  حينما قال أثناء مشاركته في احتفال سنوي ، جاء بمناسبة قرب بدء السنة العبرية  الجديدة خلال شهر سبتمبر  2017  ، سيشعر من تلك التصريحات ، مدى فخر نتاياهو  عندما صرح أثناء الحفل،  بأن هناك تطور كبير في العلاقات العربية – الإسرائيلية ، لم تشهده أية حقبة تاريخية سابقة .

 الأمر الذي يدل على أن وجهة السلام الإسرائيلية الحالية، هي الدول العربية السنية ، و بالأخص الدول الخليجية و ليس الفلسطينيين.  

و قد تطورت العلاقات العربية – الإسرائيلية في الآونة الأخيرة،  لدرجة أن الصحافة الإسرائيلية ، سربت  خلال شهر سبتمبر 2017  ، خبرا حول زيارة سرية لأمير سعودي رفيع المستوي إلي تل أبيب ، و أن هناك  علاقات تعاون  إسرائيلية   مع دول عربية ، لم تُوقع بعد اتفاقيات سلام مع إسرائيل ، حيث على أغلب الظن ، يتعلق هذا التعاون بمسألة محاولة إفشال المشروع النووي الإيراني.

لذا وجدت إسرائيل بوابتها للعرب في هذه المرة،  ليس عن طريق القضية الفلسطينية ، بل عن طريق إقناعها للعرب ، بمبدأ أن "عدو عدوي هو صديقي" ، أي أن هناك مصلحة عربية إسرائيلية مشتركة،  تتمثل بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي متطور،  قد يهدد أمن و استقرار الدول العربية في الشرق الأوسط.

و على ما يبدو أن إسرائيل قد نجحت بالفعل،  في إقناع العرب أنها ليست المشكلة في الشرق الأوسط ،  و أنها  ليست عدوة للعرب ، محاولة بذلك نسج علاقات تعاون مع تلك الدول العربية ، ومتبعة في نفس الوقت  معادلة سلام جديدة،  تتمثل :  بالسلام مع العرب أولا ، ثم النتيجة  من ذلك السلام مع الفلسطينيين،  كتحصيل حاصل و ليس كعامل رئيسي.

وهنا أصبحت القضية الفلسطينية بالنسبة لإسرائيل ليست مفتاحا رئيسيا لها،  للدخول إلي قلوب العرب ، بل أصبح أمن الدول العربية ،  هو كلمة السر لاحتمال توقيع اتفاقيات سلام مستقبلية بين العرب و إسرائيل.

 ثالثاً) السلام  مع الشعوب قبل الحكومات 

و هنا جاء دور القوة الناعمة الإسرائيلية، التي بدأت تستخدمها إسرائيل بكثافة، من أجل تحسين صورتها عند الشعوب العربية، و الشعب الفلسطيني أيضاً.

 حيث باتت إسرائيل تستخدم بغزارة وسائل الإعلام الاجتماعي مثل الفيسبوك و التويتر ، من أجل الترويج لدولتها بأنها دولة ديمقراطية  متحضرة ، تراعي حقوق الإنسان،  عن طريق تقديمها لبعض الخدمات الإنسانية المشروطة للفلسطينيين و الجرحى السوريين ، مثل العلاج في المستشفيات الإسرائيلية، أو تسهيل المرور و التنقل للفلسطينيين من الحالات الإنسانية الطارئة أو دعمها لمشاريع إنسانية في الضفة و غزة تتم بتمويل من قبل مؤسسات أجنبية. 

و تأتي تلك الجهود الإعلامية الإسرائيلية ،  كمحاولات إسرائيلية حثيثة ، تنمُ عن حرص الحكومة الإسرائيلية  الشديد  لتغيير الصورة الذهنية السلبية لإسرائيل في عقول الشعوب العربية ، و محاولة إقناع الشعوب العربية  بأن إسرائيل ليست مجرد جيش احتلال ،  يشن حروب ضارية على قطاع غزة وجنوب لبنان ، تؤدي  إلي تدمير بيوت ومباني، و قتل نساء و أطفال، بل تحاول إسرائيل أن تُرسل رسالة للعرب ، بأنها  شعب  إنساني  يقدم المساعدة لمن يقبل السلام و التعايش معه.

 فمن يتابع الصفحات الالكترونية ، التي يُديرها كل من المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي،  أفيخاي أدرعي،  و منسق الإدارة المدنية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية،  يؤاف مردخاي ، يلاحظ أن تلك الصفحات تحاول ليس فقط تحسين صورة إسرائيل عند العرب ، بل أيضاً ، تحاول أن تجد اهتمامات و عوامل مشتركة بين العرب و  الإسرائيليين  ، مثل الاستماع للموسيقى العربية، أو تهنئة العرب بأعيادهم الدينية .

 و كأننا نشعر من تلك المجاملات الإسرائيلية للعرب، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أن هناك خطة إسرائيلية جدية،  تسعى لتطبيع العلاقات مع الشعوب العربية بشكل مباشر،  بدلا من انتظار التطبيع بشكل رسمي مع الحكومات العربية.

مما يدل ذلك على أن إسرائيل تُهيئ منذ زمن طويل ، الأجواء و الأرضية المناسبة،  لزرع بذور السلام مع الشعوب العربية، قبل البدء بعقد سلام نهائي ورسمي مع حكومات تلك الشعوب.

التعليقات