"عضل ولي".. فتيات يتزوجن رغماً عن آبائهن قانونياً

"عضل ولي".. فتيات يتزوجن رغماً عن آبائهن قانونياً
صورة تعبيرية
خاص دنيا الوطن
"اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك".. مثل لا يحبذه بعض الآباء في قطاع غزة، خاصةً إن كانت هذه البنت موظفة أو لديها ميراث، وبالتالي يفوت هؤلاء الآباء الكثير من فرص الزواج على بناتهم، فالبعض لديه مبرره الخاص المقنع، لكن الأغلب منهم ليس لديه من الحجة ما يكفي لوقف حال ابنته، وهنا يتدخل القانون لصالح المرأة.

فالبنت التي يعترض والدها أو إخوتها أو ربما جدها على زواجها والتي تخشى قطار العمر أن يبتعد مسرعاً، فإنها تلجأ إلى القضاء وتقدم دعوى "عضل ولي" والتي بموجبها يتم تقديم دعوى ضد الوالد، الأمر الذي يستدعي القاضي في محكمة غزة الشرعية إلى استدعاء الوالد المقامة ضده الدعوى، وبعد لقاء القاضي بوالد الفتاة يتقرر مصيرها إما أن يقتنع القاضي بأسباب الوالد، وبالتالي ترد الدعوى أو لا يقتنع القاضي بمبرر الأب، وبالتالي يصبح القاضي هو ولي أمر الفتاة، ويتم تزويجها رغم أنف والدها.

حالات

تقول إحدى الفتيات (26 عاماً) حول زواجها بقرار من المحكمة الشرعية بغزة: "والدي رجل صعب المراس ووالدتي مطلقة منذ زمن، ولي ثلاث أخوات من أبي، كلما تقدم لي أحد لخطبتي كان يرفض الأمر بلا وجه حق، وذلك كنوع من الانتقام من والدتي، وهنا قررت اللجوء إلى إحدى المحاميات لأرفع هذا الظلم الموجه ضدي".

وتضيف: "المحامية وقفت إلى جانبي، واستدعت أخي الأكبر الذي بدوره سأل على العريس المتقدم لي، وهو الذي قام بتزويجي في المحكمة الشرعية دون علم والدي".

أما الحالة الثانية (33 عاماً) والتي رفضت ذكر اسمها فتقول لمراسلة "دنيا الوطن": "أعمل في محل كوافير، وأقوم برسم الحناء للعرائس وأحصل يومياً على مبلغ 400 شيقل، وهذا الأمر هو الذي شكل كابوس حياتي، فوالدي لا يريد تزويجي بحجة أنني المعيلة الوحيدة للعائلة، مما اضطرني إلى اللجوء للقضاء، فقدمت دعوة للمحكمة ضد والدي لكن عمي وقف إلى جانبي حين تفهم أنني لم أعد صغيرة، وأن من هن في جيلي أصبحن أمهات منذ زمن".

"تم إجبار والدي على هذا الزواج، وتم زواجي دون موافقته، وبعد مرور فترة من الزمن تقبل والدي الأمر، بعدما أصبح أمراً واقعاً لا محالة، فأنا من حقي أن أتزوج ولم أعد صغيرة"، على حد قولها.

تم تهديدها بالقتل

أما الحالة الثالثة والأشد إيلاماً فقد تعرضت إلى التهديد بالقتل لمنعها من الزواج، لكنها أصرت وتحدت كل العقبات لتفوز بحقها الشرعي في الزواج، طالما أنه ليس هناك من عذر يمنع هذا الارتباط.

تقول (ن.م 27 عاماً): "أنا مطلقة وبعد طلاقي بخمس سنوات تقدم لخطبتي شخص أحبه لكن عائلتي رفضته رفضاً مطلقاً، بحجة أنه غير كفؤ، وأنه لا يناسبنا كعائلة، وأصبحوا يكيلون له الاتهام بعد الآخر بأنه سيئ الأخلاق فما كان مني إلا أن تمسكت وبشدة بهذا الشخص وحين واجهتهم بإصراري على الزواج منه قاموا بتهديدي بالقتل عدة مرات في محاولة منهم لجعلي أصرف نظر عن هذا الشخص".

وتضيف: "زادني إصرارهم إصراراً وحين ازداد تهديدهم لي قمت بالهرب من المنزل إلى مكان آخر أكثر أماناً (بيت أحد أقربائي) وتوجهت إلى المحكمة عبر محامي وقامت المحكمة باستدعاء والدي الذي بدوره رفض الحضور لأنه يريد تزويجي من أحد أبناء عمي كزوجة ثانية، فما كان من المحكمة إلا أن زوجتني بكون القاضي جهة الولاية بدل الوالد".

رأي القانون

حنان مطر المحامية بوحدة المرأة في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان تعلق على الأمر بقولها: "أعطى القانون المرأة الحق في الزواج فإذا كان وليها معارض للزواج تتوجه للمحكمة وترفع دعوى "عضل ولي" وهنا تقوم المحكمة بشكل ودي بطلب حضور الوالد المعارض للزواج لأننا كقانونيين ليس من مصلحتنا أن تتزوج الفتاة دون رضى أهلها، فالمحكمة ممثلة بالقاضي تستمع لحجة الوالد فإن ثبت أن الوالد حجته مقنعة فإن الدعوة ترد ولا تتزوج الفتاة، أما إن اكتشفت المحكمة أن حجة الوالد ليست مقنعة، فإن القاضي يزوج الفتاة كجهة ولاية بدل والدها".

"القرار النهائي والكلمة الفصل في البت في هذه الدعاوى، تعود فقط للمحكمة والتي تستند في حكمها إلى الشهود والبينات فإن تبينت المحكمة، أن أسباب الوالد في منع الزواج ليست مقنعة يكون القاضي هو ولي الزوجة وليس أبيها"، على حد قولها.

المحكمة الشرعية توضح

الدكتور عمر نوفل رئيس محكمة استئناف غزة، يعلق على الأمر بقوله: "أحياناً يستخدم الأب حقه في الولاية لأسباب سليمة وصحيحة وأحياناً أخرى لا، حين يكون الزوج المتقدم غير مناسب فإننا نحترم رفض الوالد للزواج، ويكون رفضه طبيعياً ومنطقياً لكن ما يحدث بالغالب أن رفض الأب يكون غير مبرر وبدون سبب مقنع، فإما أن يكون السبب في عدم رغبة الوالد تزويج ابنته أنها موظفة أو أنه يرغب بتزويجها داخل العائلة لأسباب تعود للميراث أوغيرها من الأسباب".

ويسترسل بالقول: "في هذه الحالات تتوجه الفتاة إلى المحكمة وترفع دعوى "عضل ولي" للقاضي الذي يقوم بدوره باستدعاء الأب فإن كانت أسبابه منطقية ترد الدعوى أما إن كانت أسبابه واهية فإن القاضي يزوج الفتاة، ويكون القاضي هو جهة الولاية في هذه الحالة في ظل سقوط ولاية والدها عنها في هذه الحالة وبعد أن يتم الزواج لا يحق للوالد أن يعترض على حكم المحكمة القاضي بتزويج ابنته".

ويوجه نوفل حديثه للفتيات بالقول: "المشكلة لا تكمن في أعداد الحالات المقدمة والمنظور فيها في المحاكم بل تكمن المشكلة في الحالات الموجودة فعلاً في المجتمع وليس لديهن الجرأة للتوجه إلى المحكمة من أجل رفع هذا الظلم الاجتماعي الواقع عليهن فهن منزوعات الشخصية إن كن يصمتن إزاء هذا الظلم، فلماذا هن مترددات بينما هن لا يطلبن سوى الحلال؟".

اجتماعياً.. لماذا قد تترد الفتاة في تقديم الدعوى؟

نيبال حلس أخصائية اجتماعية نفسية تجيب عن هذا التساؤل بالقول: "هذه القصص لا تزال نادرة وليس لها ركن كبير في حياتنا الواقعية إلا أن بعض الفتيات قد يقدمن على هذه الخطوة خوفاً من شبح العمر، وقد تكون أيضاً هذه المعضلات بسبب الميراث، والتي قد تضطر بعضهن إلى التنازل عنه من أجل الزواج".

وتضيف: "لكن بالنسبة للفتيات التي تقوم برفع قضية ضد أهلها خاصة والدها فقد تتردد في الإقدام على هذه الخطوة خوفاً على علاقتها بأهلها إذ قد تجبرها هذه الخطوة إما إلى خسران الأهل وإما خسران فرصة الزواج كما أنه ومن الناحية الاجتماعية يراود الفتاة قلق كبير من نظرة المجتمع لها وتخشى ما يسمى بوصمة العار لها على المدى البعيد جراء هذه الخطوة".

هذا وقد عرف الفقهاء عضل الولي بأنه: "امتناع الولي عن تزويج التي في ولايته من كفء بمهر المثل بلا مسوغ، وأعطي في هذا السبيل كامل الحق لمن تعرضت لإجحاف أو إهدار لهذا الحق المقرر لها شرعاً وقانوناً من الولي الطبيعي، أن ترفع دعواها إلى القاضي بطلب تزويجها".

يذكر، أن الفتاة تحتاج عند زواجها إلى ولي شرعي، والذي يمثله الأب في الأساس، وفي حالة عدم وجود الأب يكون الجد وفي حالة عدم وجود الجد يكون الأخ وهكذا.

التعليقات