لماذا تتردد القيادة الفلسطينية في عقد المجلس الوطني ؟

لماذا تتردد القيادة الفلسطينية في عقد المجلس الوطني ؟
بقلم ساجي خليل

تبدو القيادة الفلسطينية مترددة ومرتبكة إزاء عقد المجلس الوطني، وترسل إشارات متعارضة لا تتعلق فقط بمكان وزمان عقده، ولا بنصاب إنعقاده : ( نصاب سياسي يشترط مشاركة فصائل منظمة التحرير الرئيسة، أو نصاب قانوني يقوم على أغلبية الثلثين حسب النظام الأساسي لمنظمة التحرير )؛ بل يتعدى ذلك إلى تحوطها وتوجسها من ردود فعل مختلف الأطراف المحلية والإقليمية  والدولية ذات العلاقة، على عقد المجلس وما يمكن أن يصدر عنه من قرارات أو مواقف. 

فهي تتحسب من ردود فعل حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى، وإحتمال إقدامها على إجراءات يمكن أن تفاقم وتعمق حالة الإنقسام في الساحة الفلسطينية؛ كما تتحسب من مواقف بعض الدول العربية التي ربما تجد في إصرار القيادة الفلسطينية على عقد المجلس ما يشبه التحدي لإرادتها والتنكر لدورها التاريخي وعلاقتها بالقضية الفلسطينية، ما قد يدفعها إلى تكثيف تدخلها في الأوضاع الداخلية الفلسطينية؛ وهذا من شأنه زيادة التناقضات والإستقطابات المتناحرة داخل الساحة الفلسطينية.

كما تأخذ القيادة الفلسطينية بالحسبان أيضاً الموقف الأمريكي، وتحرص أن لا تفسر الإدارة الأمريكية خطوة عقد المجلس بإعتبارها خطوة إستفزازية ؛ ومؤشر على إرتداد القيادة الفلسطينية عن عملية التسوية السلمية ، وتخلّيها عن خطها المعتدل، على إعتيار أن المجلس قد يخرج بسياسات ومواقف أقل إعتدالاً من السياسات الرسمية الراهنة.  وهذا من شأنه أن يمنح الحكومة الإسرائيلية أيضاً السلاح الدعاوي الملائم لمواصلة سياساتها الإستيطانية، والمضي في التحريض ضد منظمة التحرير، وتصعيد محاولاتها  فرض العزلة على القيادة الفلسطينية في الأوساط الدولية. 

فهل حقاً يمكن أن يؤدي عقد المجلس الوطني إلى تعميق الإنقسام الداخلي وتكريس إنفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، وإلى إستعداء المحيط العربي من حولنا، وإلى إستفزاز الأمريكان  وزيادة إنحيازهم للموقف الإسرائيلي، وإلى تزويد الحكومة الإسرائيلية بمبررات وذرائع إضافية تمكنها من تشديد هجمتها على منظمة التحرير وعلى القيادة الفلسطينية، وتبرير ممارساتها القمعية  والإستعمارية  في الأراضي الفلسطينية  ؟؟  

وهل يتوجب على القيادة الفلسطينية إذاً أن تجمد آليات عملها الداخلية، وأن تسلم بإستمرار شل عمل مؤسساتها الوطنية، بما في ذلك تعطيل تفعيل المجلس الوطني والمجلس المركزي الفلسطيني بإنتظار تبدل مواقف وسياسات الأطراف المحلية  والإقليمية والدولية ؟؟  

لقد بلغ الإحباط والجمود في مجتمعنا الفلسطيني ذروةً شاهقة شملت معظم المجالات، وإذا لم نتدارك أمورنا ونعيد مراجعة وتقييم سياساتنا الراهنة، فلا مجال أمامنا سوى السقوط والإنهيار الشامل . فأية إجراءات يمكننا اللجوء لها بعد أن وصلت إلأمور إلى هذا الحد من الإنسداد المحكم في الأفق السياسي ؟؟

وعندما تواصل أمريكا ترامب سياسة التغطية على الصلف الاسرائيلي، وتمضي في تبني المواقف المتطرفة للحكومة الإسرائيلية وتتجاهل الانتهاكات التي تقوم بها، ولا تعارض أو حتى تدين الإستيطان بإعتباره نشاطاً غير شرعي، في نفس الوقت الذي تدير فيه جولات فارغة من المباحثات الشكلية والإتصالات التي لا طائل من ورائها، وتواصل ممارسة ضغوطها على الفلسطينيين بشتى السبل، ومن ضمنها  التهديد بوقف المساعدات المالية بدعوى ممارسة التحريض، أو بدعوى مساعدة  أسر المعتقلين والشهداء ؛ وعندما تشهر في وجوهنا طروحاتها الضبابية المبهمة  حول الحلول المحتملة للصراع  الفلسطيني الإسرائيلي (دولتان أو دولة واحدة أو أية خيارات أخرى يتفق عليها طرفي الصراع ، حسب تعبير الرئيس الأمريكي ترامب ) ؛

وعندما تواصل إسرئيل بقيادة نتنياهو سياستها التدميرية القائمة على الاستيطان بدون أية كوابح ، والإصرار على تدمير أية فرصة محتملة للتسوية من خلال سياستها اليمينية والعنصرية المجنونة ؛ وتصعيد إجراءاتها لسرقة الأراضي والتهويد وتكثيف المداهمات والإقتحامات وعمليات نسف البيوت. ..إلخ ؛

وعندما تنأى أوروبا بنفسها عن ممارسة أي دور سياسي مؤثر، بإمكانها القيام به،  وتواصل الاكتفاء بتمويل حالة الجمود التي تسود المنطقة، بما يعني عملياً الإستنكاف عن تحمل مسؤوليتها وغض النظر عن الممارسات الإسرائيلية ، وعن عموم أزمات ومشكلات المنطقة ؛ 

وعندما لا يكتفي المحيط العربي الإقليمي من حولنا بإدارة الظهر لآلامنا، والإنشغال عن معاناتنا بمشكلاته وحروبه ، بل يحاول أحياناً التدخل والعبث بأوضاعنا الداخلية ؛

وعندما يكون وضعنا الداخلي في الحضيض: إنقسام مدمر يشق الوطن والمجتمع ويهدد وحدته التاريخية والطبيعية، وخلافات وشكوك وإتهامات متبادلة في كل الاتجاهات والمستويات، وإحباط عميق يسود كافة القطاعات الشعبية،  ناهيك عن مسلسلات الفوضى والفساد؛ والتآكل المتسارع  في شرعية ومصداقية السلطة والمنظمة على المستوى الشعبي، وتراجع مقلق لمكانتها على المستوى الدولي والإقليمي ؛

فهل من طريق أمامنا وقد إلتصق ظهرنا بالحائط، سوى إستنهاض قوتنا الداخلية المقهورة، والإعتماد على أنفسنا، والسعي بشتى السبل لإننتشال مستقبل شعبنا وقضيتنا الوطنية من الضياع والتلاشي !!  وهل يساهم عقد المجلس الوطني ، ولو في حدود متواضعة، في تصليب موقفنا وزيادة قدرتنا على الصمود ومجابهة ما يحيط بنا من مكائد ومخططات ؟ 

 مع الأسف، تبدو مسألة إنعقاد المجلس الوطني حتى الآن بالنسبة للقيادة الفلسطينية وكأنها مسألة تكتيكية تستخدم للتوظيف السياسي كورقة يتم التلويح بها في وجه الوسيط الأمريكي لتحسين عروضه ومقترحاته، وليست مسألة إستحقاق وطني ونظامي، من المفترض القيام به بغض النظر عن التجاذبات التفاوضية. وعلى الأغلب فأن القيادة الفلسطينية تحتفظ بمسألة عقد المجلس الوطني معلقة  ومبهمة بهدف تقطيع الوقت بإنتظار تبلور موقف واضح للوسيط الأمريكي من عملية السلام وآفاقها ومآلاتها ، في حين ترفع راية (مواصلة التشاور) بخصوص عقد المجلس، حسب ما جاء في بيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير في الأسبوع الماضي، كمبرر واهي لا قيمة ولا مصداقية له.

التردد في عقد المجلس الوطني ومواصلة تأجيل إلتئامه ، لن يؤدي لا إلى توحيد الصفوف ولا إلى وقف الإنقسام والتمزق الداخلي.  فكل ما سيفعله التأجيل هو إدخالنا في مزيد من العزلة والتفرد وإستمرار العمل بآليات مرتبكة، ما يفاقم حالة الإحباط والتخبط  التي تفتك بمؤسسات المنظمة  والسلطة الوطنية  بما في ذلك آلية صنع القرار الوطني.  

 المطلوب  إذاً هو عقد المجلس الوطني بدون مزيد من التأخير، اليوم  قبل الغد . وإذا ما صدقت النوايا وإذا ما أحسنا إدارة الأمور فإن إنعقاد المجلس الوطني ، سواء بالنصاب السياسي إن أمكن،  أو بالنصاب القانوني فقط  إذا تعذر ذلك ؛ وسواء عقد داخل الوطن،  إذا أمكن  وهذا هو الأفضل، أو فِي مكان آخر إذا ما تعذر ذلك، من شأنه أن يضئ  بارقة أمل لدى شعبنا ويخلق حالة يمكن البناء عليها لإستعادة مكانة ومصداقية منظمة التحرير الفلسطينية كأطار قيادي يوحد الجمهور الفلسطيني في الوطن ، ويوحد عموم الشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده؛ ومن شأنه كذلك تحسين وضع ومكانة المنظمة والقيادة الفلسطينية على الصعيد الإقليمي وعلى الصعيد الدولي.

[email protected]

التعليقات