كوريا على صفيح ساخن

كوريا على صفيح ساخن
نبض الحياة

كوريا على صفيح ساخن

عمر حلمي الغول

شبة الجزيرة الكورية تعيش حالة ترقب وإنتظار لما قد تحمله الأيام والساعات القادمة. لاسيما وان قرع طبول الحرب بدأ مع إرتفاع وتيرة التصريحات النارية من قبل قادة الدول ذات الصلة بالصراع. حيث تبدو كوريا بدولتيها الشمالية والجنوبية، كأنها تستحضر حرب 1950/1953 مع الفارق الكبير والعميق في شروط اللحظة والأسلحة المستخدمة، وتداعياتها الأقليمية والدولية.

ووفق تقديرات القوى الدولية والمراقبون، فإن ضباب الحرب الرمادي الكثيف المائل إلى السواد، بات ينذر بهطول القنابل والصواريخ من الجانبين الأميركي والكوري الشمالي، وهذا ما عبرت عنه الناطقة بإسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا يوم الأحد الماضي لقناة "روسيا 1" بالقول: "إن الوضع وصل في شبه الجزيرة الكورية إلى إحتمال نشوب صراع عنيف." وليس احد غير الولايات المتحدة يقف وراء ذلك. وتأكيدا لذلك، كان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب صرح في الثامن من آب الحالي، بإستعداد اميركا للرد على "إستفزازات" محتملة لكوريا الشمالية ب"النار والغضب". وتناغم رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، جوزيف وانفورد بوتيرة اعلى مع رئيسه، بالقول وفق ما ذكرالموقع الأليكتروني للقناة الإسرائيلية الثانية يوم الأثنين (15/8) الماضي: نحن "نجهز ونعد للخيار العسكري لإستخدامه في حال فشلت المحاولات الديبلوماسية والعقوبات الإقتصادية، لإن صواريخ بيونغ يانغ تشكل تهديدا للعالم اجمع."؟! وأضاف الجنرال الأميركي " الجيش الأميركي جاهز وحاضر لإستخدام كامل قوته وعظمته للدفاع عن الولايات المتحدة." وتناسى وانفورد، التهدييد النووي الأميركي لدول وشعوب العالم قاطبة، وليس لشبه الجزيرة الكورية. ولولا الغطرسة والعدوانية الأميركية ضد شعوب جنوب شرق أسيا عموما وكوريا الشمالية خصوصا لما وصلت الأمور إلى شفا الهاوية.  

وما يؤكد تحمل اميركا المسؤولية التاريخية والحالية عن الصراع في شبه الجزيرة الكورية خاصة وعموم اقليم الشرق الأقصى، هو التدخل المباشر في شؤون الدول، ونشر اساطيلها وقواعدها العسكرية في كوريا الجنوبية واليابان والفلبين واندونيسيا وغيرها من دول المنطقة. ومازالت الذاكرة العالمية حاضرة، كونها لم تنس الحرب الأميركية الوحشية في فيتنام، التي إنتهت بهزيمة الولايات المتحدة اواسط السبعينيات من القرن الماضي. ولم يكن التصعيد لنيران الحرب على كوريا الشمالية وليد اللحظة، بل سابق على إدارة ترامب، حيث كانت إدارة اوباما السابقة تعمل بخطى حثيثة لمفاقمة وتوتير الأوضاع في منطقة بحر الصين لتحقيق أكثر من هدف، منها اولا ضرب الترسانة النووية الكورية الشمالية، التي تهدد الولايات المتحدة وحليفاتها كوريا الجنوبية واليابان وغيرهما؛ ثانيا توريط الصين الشعبية في الحرب من خلال وقوفها إلى جانب بيونغ يانغ. وخلق هزة قوية في الإقتصاد الصيني، الذي يسير بخط بياني صاعد لبلوغ المكانة الأولى عالميا؛ ثالثا إعادة ترتيب جنوب شرق اسيا وفق الإستراتيجية الأميركية، وبما يحول دون تطور وتنامي القدرات الصينية او الروسية، وتمددهما في الشرق الأقصى ؛ رابعا حماية مكانة الإمبرطورية الأميركية الدولية، لا سيما وانها بدأت بالتراجع والإنكفاء منذ عام أيلول/ سبتمبر  2008 مع دخول الأزمة الإقتصادية الكارثية للبيت الأميركي؛ خامسا إعادة صياغة خارطة العالم من اقاصي آسيا، كما فعلت في الحرب العالمية الثانية، حين إستخدمت القنبلة النووية ضد مدينتي هيروشيما ونكازاكي اليبانيتين... إلخ

لكن على ما يبدو ان حسابات أميركا تجانب الصواب، رغم انها تملك اعظم ترسانة نووية عالمية. لكن ليست دائما القوة العسكرية سببا في الإنتصار، بل يمكن ان تكون العكس تماما، وعبئا على اميركا نفسها. لإن الحرب في حال بدأت فلن تقتصر على الكوريتين وأميركا، انما ستطال دولا عظمى اخرى، تدفع نحو حرب عالمية غير مسبوقة.

لذا على إدارة ترامب المربكة والمتعثرة داخليا وخارجيا، إن كانت معنية بحماية ذاتها بمعايير ما هو قائم، وحماية شعوب العالم من ويلات حرب نووية فتاكة ومدمرة، فإن الضرورة تحتم وقف حملات التصعيد والتوتير، ومنح خيار الحل السياسي والديبلوماسي الأولوية والفترة الزمنية المناسبة لبلوغ القواسم المشتركة بين الشعوب والدول ونزع فتيل الحرب، وخلق مناخ التعاون والتعايش بين الدول والشعوب وفقا لمبادىء الأمم المتحدة. الحرب والسلام بيد إدارة ترامب، وليس أحد غيره.

[email protected]

[email protected]      

التعليقات