عطا الله حنا:"المحبة مرتبطة بالتضحية"

رام الله - دنيا الوطن
بمناسبة صوم السيدة العذراء استقبل سيادة المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس اليوم وفدا من اعضاء الشبيبات الارثوذكسية في الاراضي الفلسطينية وذلك في لقاء روحي اقيم في كاتدرائية مار يعقوب ابتدأ بالصلاة والدعاء ومن ثم استمع اعضاء الوفد الى كلمة روحية من سيادة المطران .

تحدث سيادة المطران في كلمته عن صوم السيدة وما يحمله من مضامين روحية واخلاقية وانسانية وتربوية استعدادا للاحتفال بعيد رقاد السيدة يوم 28 اب غربي الموافق 15 اب شرقي.

تحدث سيادته عن مكانة السيدة العذراء في الكنيسة باعتبارها قدوة لكل انسان مؤمن ورمزا من رموز المحبة والاتضاع والرحمة وغيرها من القيم الانسانية والروحية النبيلة .

قال سيادته في كلمته بأننا سعداء ان نستقبلكم في فترة الصوم التي هي فترة رياضة روحية وتوبة وعودة الى الاحضان الالهية ، استعدوا لاستقبال عيد السيدة بالصوم والصلاة الحارة والتوبة والاعتراف وتصحيح الاخطاء والاعوجاجات التي من الممكن ان يرتكبها كل انسان في هذا العالم .

الخطيئة منتشرة في كل مكان ولكن الكنيسة لم تتركنا تائهين ضائعين في هذا العالم فقد قدمت لنا سر التوبة والاعتراف لكي يعود الانسان الى رشده والى استقامة الايمان والسلوك والفكر التي نتمنى ان يعيشها كافة ابناءنا وشبابنا .

تمسكوا بانتماءكم لكنيستكم ، والارثوذكسية التي ننادي بها ونتشبث بانتماءنا اليها هي ليست طائفة بل هي رسالة محبة واخوة وسلام في هذا المجتمع الذي نعيش فيه .

ان ممارستنا للارثوذكسية التي هي استقامة ايمان وفكر وسلوك ليست مقصورة بين جدران كنائسنا وفي طقوس وعبادات نقيمها ، فالمسيحية هي حضور في المجتمع وهي مصدر خير ومحبة وسلام لكل الذين يحيطون بنا ونعيش معهم .

احبوا كنيستكم وانتموا اليها بكافة جوارحكم ودافعوا عن ايمانكم وانتماءكم وحضوركم وتراثكم وجذوركم العميقة في هذه الارض المقدسة .

افتخروا بانتماءكم للكنيسة الام وكونوا دوما ملحا وخميرة لهذه الارض ومصدر خير وتضحية وخدمة وعطاء في مجتمعنا الفلسطيني الذي نحن مكون اساسي من مكوناته .

لا نريد لشبيبتنا ولابناء كنيستنا وللحضور المسيحي في هذه الديار ان يكون حضورا متقوقعا ومنعزلا عن هموم وهواجس شعبنا .

نفتخر بانتماءنا للامة العربية وللشعب الفلسطيني المناضل من اجل الحرية وانطلاقا من قيمنا الايمانية والروحية يجب ان يكون لنا حضور فاعل كما كان دوما في الحياة الوطنية والثقافية والفكرية والانسانية والاجتماعية ، لا تتقوقعوا في مجتمعكم ولا تعيشوا في عزلة عن المحيطين بكم فالمسيحيون في هذه الديار ليسوا اقلية وليسوا طائفة او جالية بل هم فلسطينيون اصيلون في انتماءهم لهذه الارض ويجب ان يكونوا ضميرا لهذا الشعب وان ينادوا دوما بتحقيق العدالة والحرية لشعبنا الفلسطيني في هذه الارض المقدسة .

نعيش في ظروف عصيبة حيث هنالك تحديات كثيرة تحيط بنا وهنالك مؤامرات تستهدفنا وتستهدف وجودنا وحضورنا وبقاءنا وثباتنا في هذه الارض المقدسة .

كثيرة هي التحديات التي نعيشها وكلكم تعرفون وتشاهدون جسامة وخطورة ما نمر به من استهداف يطال شعبنا الفلسطيني ويطالنا كمسيحيين باعتبارنا مكون اساسي من مكونات هذا الشعب ، انه استهداف لانتماءنا وتاريخنا وتراثنا واوقافنا وعقاراتنا التي هي جزء من تراثنا الارثوذكسي وتعبير عن عراقة وجودنا في هذه الارض المقدسة .

ان التفريط بالعقارات والاوقاف الارثوذكسية امر لا يقبله اي انسان عاقل وخاصة عندما نتحدث عن القدس وعن باب الخليل بنوع خاص حيث ان ابتلاع الاوقاف الارثوذكسية في باب الخليل انما يشكل انتكاسة غير مسبوقة للحضور المسيحي في هذه المدينة المقدسة كما انه استهداف للقدس بكافة مكوناتها ، ولذلك وجب علينا جميعا ان نتحلى بالحكمة والمسؤولية والوعي لكي نعالج هذه المسألة الخطيرة التي تستهدفنا وجوديا ونتيجتها ستكون مزيدا من الهجرة ومزيدا من تهميش واضعاف الحضور المسيحي في هذه الارض المقدسة .

فلتكن معنوياتكم عالية ولا تستسلموا لليأس والاحباط والقنوط ، لقد سمعت بعضا من الشباب المسيحي يقولون لي لم يبقى لنا شيء في هذا البلد يا سيدنا وما هو مطلوب منا هو ان نحزم امتعتنا وان نغادر بلدنا وانا اختلف مع اولئك الذين يقولون هذا القول لان ما بقي لنا هو الشيء الكثير ، نحن ابناء هذه الارض ولا يجوز لنا ان نتخلى عن انتماءنا لهذه الارض المقدسة مهما تخلى عنا البعض ومهما تآمر علينا البعض الاخر ، المتآمرون على الحضور المسيحي في هذه البقعة المقدسة من العالم يتمنون لكل واحد منكم ان تستسلموا وان تشعروا بالضعف واليأس والاحباط والقنوط وان تحزموا امتعتكم وان تغادروا الى بلاد الاغتراب ، وانا لا اتمنى لكم بان تقوموا بذلك ، علينا ان نصمد في بلدنا بالرغم من كل الظروف ، من احب كنيسته واحب وطنه عليه ان يضحي في سبيل من يحب ، فالمحبة مرتبطة بالتضحية ولا يمكننا ان نتغنى بكلمة المحبة دون التضحية في سبيل من نحب ، نحب كنيستنا ويجب ان نبقى فيها وان ندافع عن حضورها ورسالتها بالرغم من كل التحديات وبالرغم من كل الظروف المأساوية التي نعيشها ، ومن احب وطنه بقي فيه ودافع عنه وضحى في سبيله فلا تستسلموا يا ايها الشباب الاعزاء لاولئك الذين يريدونكم ان تعيشوا حالة تراجع وقلق وخوف وتردد ويأس وقنوط ، ان انتماءنا الايماني يحثنا على التمسك بالايمان والرجاء والمحبة ، فكونوا متمسكين بإيمانكم وتمسكوا بالامل والرجاء ولتكن ثقافتكم هي ثقافة المحبة ، المحبة بلا حدود محبتنا لكنيستنا ولوطننا ولشعبنا ومحبتنا لكل ذرة تراب من ثرى فلسطين المجبولة بدماء الشهداء والتي تباركت وتقدست بحضور السيد وامه البتول ورسله وقديسيه .

رغما عن كل الالام والاحزان التي نعيشها يجب ان نبقى متمسكين بالامل والرجاء وان ننظر الى الامام والا نستسلم لاولئك الذين يريدوننا ان نكون في حالة الاستسلام والا نيأس ونحبط كما يريد لنا اولئك الذين يتمنون ان نكون في حالة يأس واحباط وقنوط .

لا ننكر ولا نتجاهل خطورة الاوضاع التي نمر بها ككنيسة ارثوذكسية وكحضور مسيحي في هذه الارض المقدسة ، الاخطار المحدقة بنا هي ذاتها المحدقة بكل الشعب الفلسطيني فكلنا مستهدفون لاننا ننتمي لهذا الشعب الذي قضيته هي قضيتنا جميعا ونضاله من اجل الحرية هو نضالنا جميعا .

احبوا كنيستكم ومن احب كنيسته احب وطنه وانتمى لشعبه ودافع عن وجوده وتاريخه وعراقة انتماءه لهذه الارض المقدسة .المسيحيون الفلسطينيون اصيلون في انتماءهم لهذه الارض مهما كثر المتآمرون والمخططون لتصفية الحضور المسيحي في بلادنا ومهما سعوا لتهميشنا واضعافنا والنيل من مكانتنا وانتماءنا الوطني فسيبقى صليبنا شامخا في سماء بلادنا ومشرقنا العربي وصليبنا هو صليب الفداء والمحبة والتضحية ، هو صليب مغروس في قلوبنا ومنه نتعلم التضحية والتفاني في الخدمة والعطاء.

مهما باعوا من اوقافنا وفرطوا بعقاراتنا فإن انتماءنا سيبقى انتماء اصيلا لهذا الحضور المسيحي الاصيل والعريق في هذه البقعة المقدسة من العالم .

اجاب سيادته على عدد من الاسئلة والاستفسارات كما قدم رؤيته وبعض التوضيحات الضرورية عن الواقع الارثوذكسي الذي نعيشه في هذه الايام وضرورة ان نكون موحدين لكي نكون اقوياء في دفاعنا عن وجودنا وعن انتماءنا وعن هويتنا العربية الفلسطينية وعن اوقافنا وعقاراتنا المستباحة بأبخس الاثمان .كما اختتم اللقاء بالصلاة والدعاء .