ماذا يحدث لو اختفت اللجنة الإدارية العُليا من غزة ؟!

ماذا يحدث لو اختفت اللجنة الإدارية العُليا من غزة ؟!
 د. وليد القططي

أضافت اللجنة الإدارية العُليا التي شكلتها حركة حماس لإدارة شئون قطاع غزة وقوداً إلى نار الانقسام الموجود قبل تشكيلها في مارس الماضي، وأصبحت لُغزاً جديداً أشبه بلغز البيضة والدجاجة من منهما الأول؟! حل اللجنة كشرط لعودة حكومة الوفاق الوطني، أم عودة حكومة الوفاق الوطني كشرط لحل اللجنة، في عملية استهبال واستخفاف بعقول ومشاعر الناس الذين كُتب عليهم أن يعيشوا في هذه البقعة البائسة من الكرة الأرضية المُسمّاه قطاع غزة، وأصبحوا قيد الإقامة الجبرية ورهن المحبسين- الاحتلال والانقسام – وأصبحت اللجنة الإدارية سبباً حقيقياً أو وهمياً لمزيدٍ من المعاناة للبؤساء أمثالي الذين يقطنون هذه المنطقة المنكوبة من فلسطين والتي ضربتها الأزمات من كل حدب وصوب لدرجة فقدنا فيها الإحساس بالألم؛ لأننا نعيشه يومياً في كل تفاصيل حياتنا ونحياه واقعاً لا يفارقنا حتى في كوابيس النوم، وإذا كانت المعاناة قد ازدادت بعد تشكيل اللجنة الإدارية العليا،فماذا يحدث لو اختفت اللجنة الإدارية العُليا من غزة؟!

على فرضية أن سبب الإجراءات العقابية التي تلت إعلان تشكيل اللجنة الإدارية العُليا لإدارة شئون قطاع غزة حسب ما يقوله مسؤولو السلطة في رام الله وعلى رأسهم السيد محمود عباس الذي هدد مؤخراً يوقف المخصصات المالية لغزة تدريجياً ما لم تلتزم حماس باستحقاقات المصالحة وفي مقدمتها حل اللجنة، فحسب هذه الفرضية فإن حكومة الوفاق الوطني ستعود لممارسة عملها في قطاع غزة، وهذا يعني عملياً إنهاء الانقسام بين الضفة وغزة. وهذا تبسيط غير منطقي للمأزق العميق الموجود قبل تشكيل اللجنة الإدارية، والذي سيستمر وجوده حتى بعد إلغاء اللجنة؛ لأن اللجنة الإدارية هي إحدى إفرازات الانقسام العديدة وليست سبباً له فالانقسام كان موجوداً قبلها. والاحتمال الأقرب وإن كان مشكوكاً فيه هو وقف الإجراءات العقابية غير الأخلاقية التي تخالف القيم الإنسانية والوطنية، المفترض أنها تريد أن تصل إلى غاية نبيلة هي إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية، فالغاية النبيلة لا تبرر الوسيلة غير النبيلة هذا لو كانت هذه الإجراءات فعلاً تستهدف الضغط على حركة حماس للرضوخ إلى شروط المصالحة من وجهة نظر السلطة في رام الله، ولم تكن لها أهداف سياسية أخرى أعمق من ذلك ترتبط بفرض البرنامج السياسي للسلطة على غزة.

ولو اختفت اللجنة الإدارية العُليا بإعلان حركة حماس حلها فهذا لا يعني فقدان حركة حماس سيطرتها على غزة، أو قدوم حركة فتح التي تُهمين على السلطة في رام الله لتسيطر على غزة، فالكل يعرف أن السيطرة الفعلية على غزة قبل إعلان تشكيل اللجنة الإدارية العليا ومنذ أحداث الانقسام في صيف 2007 كانت ولا زالت لحركة حماس، وسيظل الأمر كذلك حتى بعد حل اللجنة الإدارية ما لم يحدث اتفاق جديد بين الحركتين يُنهي الانقسام ويحقق الوحدة الوطنية ويُعيد بناء النظام السياسي في إطار سقف أوسلو، مع أن الأصل هو إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني خارج إطار أوسلو ليخدم المشروع الوطني الفلسطيني التحرري وهذا يقودنا إلى التساؤل حول قيمة التمسك باللجنة الإدارية العليا طالما أن وجودها أو عدم وجودها لن يُغيّر من واقع الأمر شيئاً بدون اتفاق مصالحة ترضى عنه حركة حماس، وهذه مدعاة للسؤال لماذا لا يتم سحب الذرائع والمبررات التي تتخذها السلطة حجة لاتخاذ الإجراءات العقابية تجاه غزة وتؤدي إلى تعميق المعاناة وتكريس البؤس وتوسيع قاعدة الفقر بين سكانه، أم أن هناك أسباباً أخرى لا نعرفها للتمسك بوجود اللجنة ترتبط بأهداف سياسية أعمق لا يدركها إلاّ الراسخون في السياسة ! .

وبناء على ما سبق، وطالما بأن حركة حماس قد أعلنت أن تشكيل اللجنة الإدارية العليا لإدارة شئون قطاع غزة هو إجراء مؤقت حتى تعود حكومة الوفاق الوطني لممارسة مهامها في غزة، وطالما أن رام الله تربط إلغاء ووقف إجراءاتها العقابية ضد غزة بحل اللجنة الإدارية، وعلى فرض صدق كل ذلك، فلماذا لا يتم حل اللجنة الإدارية؟! مع وجود القناعة بأن حلها لا يعني إنهاء الانقسام فورياً وقد لا ينهيه أبداً، ولكن قد يوقف استمرار السلطة في إجراءاتها العقابية تجاه غزة وقد لا يوقفها أبداً، مما يخفف المعاناة – ولن ينهيها- عن الكثير من البشر المنسيين في غزة الذين لا يريدهم أحد.... فإن كانت اللجنة الإدارية العليا مهمة لهذه الدرجة التي يصبح مجرد وجودها أهم من كل هذه المعاناة المُضافة إلى طبقات المعاناة المتراكمة، وأهم من كل هذا البؤس المُحّمل فوق جبل البؤس الراسخ، وتتقدم على كل الأحلام العادية للناس العاديين المختزلة في أن يعيشوا حياة شبه عادية على أرض أشبه بالوطن إلى جانب بحر لوثه العجز والفساد واللامبالاة والجمود والحزبية...  فإذن فلنغيّر اسم اللجنة من (اللجنة الإدارية العُليا) إلى (اللجنة الإدارية المُقدّسة) لتُضاف إلى أحد الثوابت الوطنية الفلسطينية التي لا يجوز التنازل عنها.

التعليقات