هآرتس تكشف... هكذا اغتلنا المهندس عياش

هآرتس تكشف... هكذا اغتلنا المهندس عياش
يحيى عياش
رام الله - دنيا الوطن
كشفت صحيفة (هآرتس) العبرية، في عددها الصادر أمس الثلاثاء، عن تفاصيل من كتاب الاغتيال للكاتبين الإسرائيليين ميخائيل بار زوهر ونيسم مشعل، والذي يحمل عنوان "أشهر وأخطر عمليات الاغتيال التي نفذها الشاباك الإسرائيلي"، والذي يروي تفاصيل عملية اغتيال القيادي في كتائب القسام المهندس يحيى عياش.


وفيما يلي تفاصيل عملية الاغتيال وفق ما وردت في الصحيفة العبرية:

كان خال أسامة الثري يعيش حياة مرفّهة هو وزوجاته الثلاث وأبناؤه الـ 18، وقد اعتاد أن يبيت في فندق في تل أبيب بين الفينة والأخرى، والسفر إلى الخارج بشكل حرّ، وقد قدر الشاباك أنّ الضغط المالي على الخال، هو ما يمكن أن يوصلهم إلى أسامة وتقصير الطريق للوصول إلى عياش.

معلومة ذهبية جديدة وصلت إلى أذن الشاباك قرّبته أكثر من أيِّ وقت مضى من عياش، وهي أنّ رجلاً ملتحيًا شبيهًا بعياش يقيم في غرفة جانبية في بيت أسامة، هذا الشخص الغامض يطلق عليه اسم حسن أبو محمد، ولم يشاهده أحد يغادر غرفته على الإطلاق منذ اللحظة التي دخلها فيها، لا في النهار ولا في الليل من البوابة الرئيسة.

الشاباك أراد أن يرسل وحدة مختارة من الجيش لتصفية من يعتقد أنه عياش وجهًا لوجه، ولكن تعقيدات العملية وحساسية وضع السلطة جعلته يتراجع.

خبر آخر، لا يقل إثارة، وصل أيضًا للشاباك، أفاد أن عياش يشتاق للحديث مع والده الذي تركه خلفه في قرية رافات في الضفة، وأنه لم يستخدم مطلقًا الهاتف الخليوي للتواصل معه، واكتفى بالخط الأرضي الذي بدأ الشاباك يشوش مكالماته عليه وأحاطها بالضوضاء، الأمر الذي جعل عملية التواصل وفهم الحديث مستحيلة.

رابين الذي كان يطلب كلَّ فترة أن يسمع خبر إعدام عياش، مستغربًا من عدم قدرة الشاباك في الوصول إليه، جاء مستوطن يهودي يطلق عليه يغال عمير وقتله، دون أن يمكنه من مشاهدة المشهد الختامي الذي انتظره أكثر من أي شيء آخر في تلك الفترة في مسلسل مطاردة عياش.

جهاز الشاباك الذي عاش الأزمة الأعقد في تاريخه، بسبب فشله في تأمين وحماية حياة رئيس الوزراء، لم يغفل في ذروة الأزمة عن عياش لحظة واحدة، كما أن رئيس الجهاز الذي يفترض أن يستقيل بسبب الفشل الذي حدث، قرر أنه سيكمل المهمة التي بدأها، وأن يقدم رأس عياش كهدية وداع لرابين.

حرب التخفي بين عياش والشاباك تواصلت:

المقاول (ك. ح) دُعي إلى لقاء عمل في أحد فنادق تل أبيب، وعندما نزل إلى اللوبي وجد في انتظاره ضباط من جهاز الشاباك، الذين قبل أن يقوم بأيِّ رد فعل قالوا له: إن مثل هذه اللقاءات روتينية ويجريها الجهاز مع رجال الأعمال الفلسطينيين بشكل دوري، وأن لديهم طلبًا صغيرًا منه.

أنت تعرف، قال له الضابط، أن هناك شخصًا يعدُّ "صوفة حمراء" في عائلتك، وأن لديه خططًا وأفكارًا سوف تؤثّر عليك وعلى أعمالك، ونحن نريد منك أن تدخله إلى عالمك، وأن تبعده عن أفكاره المتطرفة.

المقاول خشي على أعماله الكثيرة في إسرائيل، وإنّ معارضة الشاباك ستعني نهايته؛ لذا أبدى موافقته، ولكن قبل أن ينهض ليغادر قال له الضابط: إن عليه أن يقتني جهاز اتصال خليويًّا، وأن يعطيه لابن أخته.

المقاول استغرب من الطلب، فقال له الضابط: إنهم يريدون أن يتأكدوا بأنفسهم أنه ترك أفكاره الضّارة، وأن هذا يعني أن يحضر إليهم الخليوي كلَّ فترة لفحصه.

أيام قليلة بعد اللقاء ذهب الخال إلى مكان بيع أجهزة اتصال، واقتنى جهازًا برقم إسرائيلي، وقدمه لابن أخته، الذي تمَّ تعيينه بشكل مفاجئ مديراً لأعمال خاله في القطاع.

أسامة كان واثقًا أن خاله اشترى له الخليوي من أحد محلات البيع في القطاع، لذا لم يتَّخذ أيَّ إجراء احتياطي، أو اشتبه بشيء وهو ذات السلوك الذي سيقوم به المهندس بعد فترة قصيرة.

قام ضابط الشاباك بالاتصال بالمقاول بين الفينة والأخرى؛ ليطمئنه على ابن أخته، وأنه ترك فعلاً الأفكار الضارة، وتخلّى عن حركة حماس، وفي كلِّ مرة كان يتصل به فيها كان يطلب منه أن يحضر معه الخليوي من أجل تفقده وإعادته بعد وقت قصير دون أن يعي أنّه جزء من مخطط معقّد وكبير.

كانت لقاءات الشاباك المهمة التي خُصصت لملاحقة عياش، تعقد في مكتب رئيس الجهاز كرمي ايلون، بحضور رؤساء الأقسام وبمشاركة رئيس وحدة العمليات نداف ارجمان الذي أصبح رئيس الجهاز بعدها، وفي أحدها الذي عقد قبل ميلاد ابن عياش الجديد، طُلِب الخليوي من المقاول.

50 غرامًا متفجرات قرب الرأس

أُعيد الخليوي لأسامة، ولكن هذه المرة بعد أن وضع داخله 50غرامًا من المواد المتفجّرة، وهي كمية صغيرة جدًّا قادرة على قتل الشخص فقط في حالة واحدة، إذا كانت لحظة انفجارها قريبة جدًّا من رأسه.

العبوة الصغيرة التي وضعت في الخليوي يتمُّ التحكم بها عن بعد بواسطة طائرة من فوق المنزل.

انتظرت قيادة الشاباك بأكملها يوم 25/12/1995 موعد ولادة زوجة عياش في مستشفى الشفاء بغزة، وهي فرصة لن تتكرر، وطال انتظارها تسعة أشهر كاملة عاشوها بقلق وترقب مشوب بالخوف.

أراد الشاباك أن يتأكد أن المهندس هو من سيتحدث في الخليوي، وليس أيّ شخص آخر، لذا طلب تقريرًا مفصّلًا عن المولود في غزة، وساد شعور أن العملية شارفت على النهاية.

في الليلة نفسها اتصل عياش وهو في غاية الانفعال والتأثر من الهاتف الأرضي بوالده؛ ليبشره بولادة حفيده الجديد، بينما على الخطّ بين بيت أسامة ومنزل الوالد في رافات كان ضباط الشاباك يتنصتون، واستطاعوا تسجيل المكالمة والتشويش عليها وحولوها إلى تعذيب ومعاناة للاثنين، لدرجة طلب فيها الأب المحبط من ابنه أن يتحدث إليه من مكان آخر.

يحيى الفَرِح بولادة ابنه الجديد لذلك تصرّف بحذرٍ أقلَّ على غير عادته، فقام بإعطاء والده رقم الخليوي الخاص بأسامة واتفقا أن يتحدثا يوم الجمعة القادم.

جلس رئيس الشاباك في غرفة العمليات التي وُضعت في منطقة قريبة من الحدود مع قطاع غزة في يوم الجمعة المُنتظَر، وفكّر في شخص واحد تمنّى لو أنه موجود، وهو رابين الذي أراد أكثر من أيِّ شخص آخر موت عياش.

حوالي الساعة التاسعة اتصل الأب بابنه من الهاتف الأرضي في بيت أسامة، كما اتفق مع ابنه، أسامة ردَّ على الهاتف هذه المرة، وتلقّى طلبًا في الحديث مع ابنه، لكنه لم يستطع أن يكمل الجملة بسبب التشويش والضوضاء، عندها طلب منه ابنه أن يعاود الاتصال على الرقم الذي أعطاه إياه في الأسبوع الماضي.

اتصل الأب فرد عليه عياش: أبي، هذا أنت؟

الضابط الذي كان يستمع للمكالمة ميّز صوت عياش بشكل قطعي، وقام بإبلاغ غرفة العمليات التي أعطت الأمر بالضغط على زر التفجير.

لم يُسمع صوت انفجار، ولم ينفجر الجهاز؛ لأن خللاً تقنيًّا أصاب الخليوي، وكل ما خُطط له على مدى شهور ذهب أدراج الرياح.

"لقد كانت لحظة عصيبة" وفق ما رواه افي ديختر الذي كان رئيس الجبهة الجنوبية في الشاباك": نظرت حولي ورأيت أن كلّ من كان في غرفة العمليات، وكأنه في حداد، وساد شعور بخيبة الأمل".

بعد زوال الصدمة الأولية بسبب فشل العملية عقدت قيادة الشاباك اجتماعًا مطولًا لم يتوقف إلا بسبب دخول السبت، في محاولة لمعرفة لماذا وكيف حدث هذا الخلل، وفي الخلفية كان يضغط عامل الزمن.

في المكالمة التي فشلت فيها محاولة الاغتيال اتفق عياش ووالده على إجراء مكالمة أخرى الأسبوع التالي بالموعد نفسه.

الشاباك أحضر الخليوي رغم دخول السبت من غزة، وقام خبراء المتفجرات بفحصه، واكتشفوا الخلل، وتمَّ إصلاحه، وأُعيد إلى غزة بواسطة المقاول، الذي سلمه لأسامة دون أن يلاحظ أحد أو يشكَّ بشيء.

"لقد قتلناه يا غبي"

يوم الجمعة، استنفرت قيادة الشاباك من جديد، وكأنها تستعد لمعركة جديدة، ولكن هذه المرة قرر جيلون ألا يجلس في غرفة العمليات على الحدود مع غزة؛ لأنه اعتقد أنه سبب النحس الذي حدث في الأسبوع الذي سبق، كونها المرة الأولى التي يشارك فيها، ويحضر شخصيًّا لغرفة العمليات رغم محاولات افي ديختر إقناعه أن لا علاقة له بالخلل الذي حدث.

في صبيحة الجمعة15-6-1996 اتصل والد عياش مرة أخرى من الخطّ الأرضي، ولكنه لم يتمكن من الحديث بسبب التشويش القوي؛ ما اضطره للاتصال على الرقم الآخر.

أسامة فتح الخطّ، وأعطى الخليوي ليحيى، وفي اللحظة صدر فيها صوت يحيى، وتأكدوا أنه هو، ضغط الشاباك على زر التفجير.

في البيت سُمِع اهتزاز بسيط، مثل طرق الباب، ولم ينتبه أحد حتى ابنه وزوجته اللذان جلسا في الطابق السفلي، وأحد ضباط الشاباك توجه إلى ديختر، وهو محبط قائلاً: إنه نجا مرة أخرى.

ديختر صرخ به قائلاً: لقد قتلناه يا غبي؛ بالفعل فقد انفجرت العبوة قرب أذن يحيى عياش مباشرة.

انتظر الشاباك بتوتر إلى أن أعلنت حماس بشكل رسمي عن استشهاد المهندس، لتتأكد أنه مات ولم يصب فقط؛ لأن الشاباك علم أن الخليوي انفجر، ولكن كلَّ قيادة الشاباك جلست وانتظرت معلومة مؤكدة حول مصيره.

ساعات بعد الاغتيال توجه رئيس الشاباك كرمي جيلون إلى مكتب وزير الجيش شمعون بيرس الذي شغل منصب رئيس الوزراء ووزير الجيش مكان رابين، وقال له: "يحيى عياش مات".

التعليقات