عملية القدس وفلسطينيو الداخل المُحتل.. الوُجود مُقاومة

عملية القدس وفلسطينيو الداخل المُحتل.. الوُجود مُقاومة
د.وليد القططي

 بعد عملية القدس الأخيرة التي نفذها ثلاثة شبان من مدينة أم الفحم الواقعة في فلسطين المحتلة عام 1948، برز إلى السطح دور فلسطيني الداخل في النضال الفلسطيني والحركة الوطنية. ورغم أهمية العمل الفدائي المُسلّح والأهمية الخاصة لمشاركة فلسطيني الداخل فيه، ورغم أهمية دورهم في الدفاع عن المسجد الأقصى والرباط فيه وحمايته من هجمات المستوطنين وجيش الاحتلال، إلا أن دورهم الأهم هو في وجودهم وصمودهم فوق أرضهم المحتلة كشكل من أشكال المقاومة، فمجرد وجودهم كعرب فلسطينيين داخل الكيان الصهيوني هو صمود ومقاومة لا تقل أهمية عن وسائل المقاومة الأخرى ولأهمية هذا الموضوع من المفيد تسليط الضوء عليه في إطار بعده التاريخي.

في الرابع عشر من مايو عام 1948 قبل انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين بثمانِ ساعات أُعلن رسمياً عن قيام دولة إسرائيل بدون ترسيم لحدودها على مساحة ما يُقرب من 78% من أراضي فلسطين زمن الانتداب البريطاني، وسيطرت إلى جانب الأرض على أكثر من مائة وخمسين ألف فلسطيني، هم الذين ظلوا داخل خط الهدنة بعد الحرب ولم يهاجروا من بلداتهم الأصلية، أو من الذين تم تهجيرهم ولكن بقوا داخل حدود خط الهدنة التي عُرفت فيما بعد باسم دولة (إسرائيل). وعُرفوا إسرائيلياً باسم (عرب إسرائيل)، وسعى الكيان الصهيوني لعزلهم وسلخهم عن شعبهم الفلسطيني ومحيطهم العربي وامتدادهم الإسلامي، وعمد إلى سحق هويتهم الوطنية وقوميتهم العربية وإبعادهم عن أمتهم الإسلامية، وتعاملت الدولة العبرية معهم كفئات متفرقة وليس ككتلة سكانية واحدة فصنفتهم إلى مسلمين ومسيحيين وعرب وبدو ودروز وشركس... 

ولقد تعرّض فلسطينيو الداخل في مراحل زمنية سابقة لعملية تشويه ممنهجة ساهمت في عزلهم عن بقية شعبهم الفلسطيني وأمتهم العربية والإسلامية، وهذا العزل جزء من السياسة الإسرائيلية ضدهم ساهم في ترسيخها الفهم الخاطئ لموضوع الجنسية الإسرائيلية المفروضة عليهم والتي تعطيهم جزء من حقوقهم المدنية الطبيعية فوق أرضهم التي صمدوا عليها ولم يغادروها أثناء الحرب والمجازر المصاحبة لها. وكذلك التعميم المغلوط لموضوع التجنيد الإلزامي في جيش الاحتلال الإسرائيلي المفروض على بعض الفئات التي انسلخت قيادتها عن شعبها الفلسطيني في الداخل واندمجت في خدمة أهداف الدولة العبرية. ورغم أن الجنسية الإسرائيلية من المفترض أن تحميهم من سياسة التمييز العنصري والقمع السلطوي إلا أن ذلك لم يحدث طوال مسيرة كفاحهم ضد التمييز والقمع وأهمها مرحلة الحكم العسكري بين عامي 48 – 1966 التي تخللها مذبحة كفر قاسم، وانتفاضة يوم الأرض عام 1976، والمشاركة في الانتفاضتين الأولى والثانية عامي 1987-2000 ... وسقوط عشرات الشهداء والجرحى والمعتقلين طوال هذه المسيرة النضالية للشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 1948 . 

ومن خلال الاستعراض السريع لتطور نضال الشعب الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948 حتى الآن. من الملاحظ أنها تسير في حركة تصاعدية بدأت بمحاولة المحافظة على مجرد الوجود على أرضهم والمُهدد من قبل السلطة الإسرائيلية والصمود فوقها ومنع ترحيلهم منها ومصادرتها، ومحاولة العودة إلى بلدانهم وأراضيهم المسلوبة، ثم المطالبة بالمساواة وعدم التمييز وحقوق المواطنة الكاملة، والمشاركة السياسية الفاعلة في المؤسسات الإسرائيلية خدمة لمصالح الفلسطينيين في الداخل... ولم تنتهِ بإعادة صياغة الهوية الوطنية الخاصة لفلسطيني الداخل في إطار الهوية الجامعة للكل الفلسطيني، وإعادة تشكيل الوعي بالذات (الفلسطينية) والآخر (الصهيوني والإسرائيلي)، ورفض القراءة الصهيونية للنكبة والرواية الإسرائيلية لحرب 1948، وتبني القراءة العربية للنكبة والرواية الفلسطينية لحرب 1948، وإعادة بناء المفاهيم السياسية والوطنية بالاستناد إلى المرجعية الوطنية الفلسطينية. 

وفي عود على بدء يُمكن القول أن وجود الشعب الفلسطيني فوق أرضهم الفلسطينية في فلسطين المحتلة وصمودهم عليها وعدم مغادرتها خاصة في الأرض المحتلة عام 1948، وكذلك في الضفة والقطاع، واحتفاظهم بهويتهم العربية والفلسطينية- مسلمين ومسيحيين- هو عمل مقاوم من الطراز الأول، وأن تكريس الوجود العربي الفلسطيني داخل حدود ما يُعرف بدولة (إسرائيل) ينقض المقولة الصهيونية التي تُعتبر من أعمدة الدعاية الصهيونية لإقامة دولتهم اللقيطة وهي أن فلسطين (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض) هم اليهود فوجود الشعب الفلسطيني ما بين البحر والنهر.صامداً فوق أرضه وبتحوّل ديموغرافي أصبح لصالح الفلسطينيين بعد تساوي عددهم بالمستوطنين اليهود إضافة لكافة أشكال المقاومة بمفهومها الشامل وعلى رأسها المقاومة المسلحة من شأنه أن يشكل تهديداً استراتيجياً للكيان الصهيوني. والخُلاصة المفيدة في مثل هذه الحالة أن الوجود ليس مجرد صمود فقط بل مقاومة أيضاً. 

التعليقات