كلما كبرنا .. صغر العيد !

كلما كبرنا .. صغر العيد !
خالد عيسى 

من زمان تركتُ العيد طفلا ، يغفو على فرح الثياب الجديدة المعلقة فوق السرير ، ونفاذ صبر الحذاء اللماع قرب الوسادة بانتظار صباح العيد !

كبرتُ ؛ وتركت العيد طفلا لا يكبر ، يصحو مدهوشا على تكبيرات العيد ! يبدو كلما كبرنا صَغُر العيد !

العيد فرح طفولي ، كان وما يزال له طعم " الهبل " الطفولي اللذيذ ، الذي يتطفل على جيوب الكبار من اجل الحصول على عيدية مجزية ، ينطلق بها الى أقرب ارجوحة ، او أقرب قاعة سينما ، يتفرج على فيلم " هرقل " او فيلم كاوبوي لجوليانو جيما ، ليخرج من فيلم هرقل ، وفي يده سيف من بلاستيك ، ومن فيلم " الكاوبوي " وفي يده مسدس يرش الماء .. ليعود الى البيت وقد أنفق كل العيدية ليمارس من جديد " تهذيبه " قرب جيوب الكبار ، طالما ان عبارة " كل عام وانت وبخير" لقريب من العائلة كافية ان يمد يده الى جيبه .. لترن النقود المعدنية في عيدية جيدة ! 

لا أدري لماذا هذا الصباح ؟ صباح العيد أعود طفلا ، وأنا في عمر الستين .. أستعرض ذكريات العيد كألبوم صور بالأبيض والأسود ، وأضحك على حادثة طريفة حصلت لي يوم العيد في حمص سأرويها لكم :

لم يكن على أيامنا كاميرات تصوير بألوان الديجتال مثل هذه الأيام ، ولا تلفونات ذكية تلتقط الصور بلحظة .. جرت العادة في العيد ان نلتقط الصور عند مصور أرمني متجول يملك كاميرا ضخمة ، هي عبارة عن صندوق كبير لها مثل كُم أسود اللون، يُدخل به المصور رأسه لتحميض الصورة !

راق لي ان يلتقط لي صورة ! تأكدت ان نصف الليرة المعدنية " ثمن الصورة " في جيبي ، وجلست على الكرسي الخشبي أمام الكاميرا الضخمة ، ومشط المصور شعري بمشط من عنده ، وبذل جهدا في "تزبيط " البوز المناسب ! والتقط الصورة ، وبعدها أدخل رأسه في الكم الاسود لتحميض الصورة ، في هذه الأثناء مددت يدي الى جيبي لأتأكد من النصف ليرة ثمن الصورة ، وكانت الكارثة.. لم اجدها في جيبي ! يا الهي ماذا افعل ؟ !والمصور المسكين رأسه داخل الكم الاسود يحمض الصورة ، وأنا بلا نقود واتخذت قراري .. و هربت راكضا ، وتركت المصور ورأسه في الكم الاسود !

المهم أنا هربت ، وبقي المصور المسكين طيلة أيام العيد يعلّق صورتي على صندوقه الخشبي ، يتفرّس في وجوه الاطفال بحثا عني !

لا أدري لماذا أروي لكم هذه القصة اليوم ؟ ربما السبب هو حفيدي الذي يملك تلفون "الاي فون " بكاميرا ذكية يلتقط الصور سلفي وغير سلفي بألوان الديجتال كما يشاء ، ووقت ما يشاء !!

وانا من زمان تركت العيد طفلا .. لا يكبر أبدا !!

التعليقات