رسائل السلم و الحرب بين إسرائيل و حماس !

رسائل السلم و الحرب بين إسرائيل و حماس !
رهام عودة 

مازال ليبرمان يتوعد ، و الجيش  الإسرائيلي يُهدد ، و المحللون  الاسرائيليون  يحذرون من حرب أخرى  قادمة على غزة ، و كأن جميع الإسرائيليون يستنفرون من أجل تحذير حماس من مغبة  شن  أي عملية عسكرية لها ضد إسرائيل. 

و من يراقب  ما ينشر بكثافة  عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية ، حول أزمة كهرباء غزة و علاقتها بالحرب ، يكاد يلمح  بشدة أن هناك  رسائل مباشرة  توجها إسرائيل لحماس عبر وسائل إعلامها الإسرائيلي .

 و يلاحظ أن هناك  توقع  إسرائيلي بأن  تبدأ حماس الحرب للتخلص من أزمتها ،  مما سيوفر  حجة قوية للجيش الاسرائيلي لمهاجمة غزة و محاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية بالقطاع ، خاصة في ظل تقلص الدعم المادي و السياسي لحماس ، بسبب المقاطعة الخليجية لقطر ، و بسبب رفض السلطة الفلسطينية الاستمرار بدفع فواتير كهرباء غزة ، و تقليصها لرواتب  موظفي القطاع ، مما يجعل تلك المتغيرات السياسية  توفر  مناخ مناسب لإسرائيل لشن حرب على حماس ، قد تكون حرب نهائية وحاسمة. 

و هنا  ستبرر اسرائيل حربها على حماس ، بأنها مجرد حرب دفاعية،  و مجرد رد عسكري على حماس  نتيجة  تنفيذ حماس عمليات عسكرية ضد المواطنين الإسرائيليين. 

أما بالنسبة لحركة حماس ، فهي تراقب بصمت  ودهاء ، ما ينشر من تصريحات إسرائيلية حول تخوف إسرائيل  من حرب على غزة ، و على ما يبدو فإن الحركة بدأت تعي جيدا قواعد اللعبة الحربية الإسرائيلية ، و بدأت تعلم أنه ليس من مصلحتها و ليس من الحكمه ، في ظل التغيرات الإقليمية  و المحلية ، و بدون استعداد نهائي ، أن تتهور الحركة،  و تورط نفسها بحرب عشوائية قد تقضي على مستقبلها بقطاع غزة. 

لذا كل طرف سواء كان فلسطيني أو إسرائيلي ،  يعلم مايريده جيدا ، و يفهم لغة الأخر من رسائل تهديد ووعيد ، و من رسائل طمئنة ،  تشير إلي رغبة الطرفين في  التهدئة  و القبول بأوقات  سلم مشروطة. 

فاسرائيل من جهتها ، تريد أن تشن حرب على  حماس،  لكنها لا تريد أن تبادر بتلك الحرب ، لأنها تريد أن  توفر غطاء دولي لحربها ، و تريد أن تكون حربها المقبلة حرب نهائية ، فحسب تصريحات وزير جيشها الإسرائيلي ليبرمان ، أنه  ليس من المعقول أن تتورط إسرائيل بحرب كل عامين.

أما  من ناحية حماس ، فهي تريد أن تشن حرب مقدسه على إسرائيل تهدف إلي تحرير القدس ، تتزامن  مع تنبؤات مفكرها الإسلامي ،  بسام جرار،  الذي تنبأ بنهاية دولة اسرائيل خلال عام 2022 بناءً  على حسابات قرآنية.

 لذا لماذا تبدأ حماس حربها ضد إسرائيل  في عام 2017 ، كرد فعل على الحصار ضدها ، في الوقت الذي يوجد لديها تاريخ مبارك  ومدة زمنية  أطول  لتطوير  قدراتها العسكرية،  من أجل شن حرب التحرير المقدسة حسب اعتقاد قادتها.

و بالنسبة   لحماس  أيضاً ، فإن كل ما اختبرته الحركة  من حروب سابقة ،  وكل ما تمر به الآن  ، من مناورات عسكرية ، هو مجرد  عمليات عسكرية تجريبية،  و  مرحلة استعداد كبري لما هو أعظم و أهول من ذلك ، يكمن بحرب كبرى و نوعية،  قد تحدد مصير الحركة ودورها في القضية الفلسطينية بالمستقبل.

و يستمر ليبرمان بإرسال رسائل  تحريضية  للغزين ضد حماس، أنها هي السبب في مأساتهم ، و أن حماس ستحول غزة كمدينتي الموصل و الرقة،   و في نفس الوقت يرسل رسائل تحفيزية لحماس ، تكمن بأن إسرائيل يمكنها أن تحول قطاع غزة لسنغافورة  في حال تنازلت حماس عن المقاومة.

لكن بالطبع، ترفض حماس بشدة تلك الإغراءات الإسرائيلية ، و تعلن بقوة عن دعمها للمقاومة،  و رفضها التخلي عن مشروع التحرير الكبير ، وفي نفس الوقت ترسل حماس رسالة مباشرة للإسرائيليين عبر تصريح  سياسي لقائدها ، خليل الحية ،  الذي أعلن خلال مؤتمر صحفي موجه للإعلام الفلسطيني ،  بأن حماس في الفترة الحالية لا تريد أن تتورط بأي حرب جديدة ، و أنها ترغب بالحفاظ على فترة هدوء و سلم مع إسرائيل. 

إذن رسائل هنا وهناك ، رسائل  سلم وحرب، رسائل مباشرة وغير مباشرة و متبادلة بين الطرفين ، و الوسيط هنا ليس شخصيات  دولية أو عربية ،  كما كان بالسابق ، بل الوسطاء هنا ، هم وسائل إعلامية فلسطينية و إسرائيلية  التي  تركت ساحاتها مفتوحة لبث و نشر التصريحات  السياسية و العسكرية المتبادلة بين حماس و إسرائيل ، بحيث تشير تلك  التصريحات إلى رغبة كلا الطرفين بعدم التورط في أي حرب جديدة  خلال عام 2017، و أيضا  تحمل تلك التصريحات تهديدات كلا الطرفين في حال خرق أي طرف فترة الهدوء المؤقتة. 

ومع تبادل الرسائل بين الطرفين ، أصبح شعب غزة  كأنه  جمهور متفرج يشاهد حلبة مصارعه بين الطرفين ، حيث يحاول كل طرف أن يفوز على الطرف الاخر ،  و  أن يجذب الجمهور  المتحمس  لصفه ، لكن  في واقع الأمر ،  شعب  غزة لا يرغب بالضرورة ،  أن يتحول قطاعه إلي سنغافوره،  و هو يرفض بالطبع أن يتحول القطاع الي الموصل أو الرقة .

شعب غزة ،  يريد أن يعيش حياه بسيطه آمنة تخلو من العنف و الفقر و البطالة و الحصار،  و يريد أن  ينعم شبابه بمستقبل مشرق و يلهو أطفاله بمنتزهات خضراء و شواطئ نظيفة ، إنه بكل بساطه يريد حياة هادئة  قد  تتوفر في أبسط قرية عربية متواجدة في الصعيد المصري.

لذا شعب غزة لا يحتاج من إسرائيل أن  تحول قطاعه لسنغافورة  ، لأن الشعب ببساطه هو من يبني وطنه،  و هو من يمتلك القدرة لأن يحوله إلي منجما للذهب أو قبرا  للموت !

فغزة  تحتاج  لأبنائها    لكي يقررورا  مصيرهم  بأيديهم ، و يختاروا قدرهم بعقولهم ،  و أن يعرفوا  ما هي  مصلحتهم ، عن طريق صمودهم ، و صبرهم ،  و تسلحهم بالعلم ، وتبنيهم  لثقافة التسامح و السلم الأهلي ، و الاخلاص للوطن ، و التعايش مع روح الحضارة العصرية.

لذلك  كشعب فلسطيني ، علينا أن نعرف ماذا نريد،  و  أن نبدأ ببناء نموذجا  لدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 ،  قبل أن نطالب العالم بالاعتراف بدولة فاشلة منقوصة غير كاملة السيادة ،  لا يوجد بها  أقل متطلبات  تأسيس الدولة ، ألا وهي الوحدة بين مؤسساتها الحكومية.

فالشعب الذي يفشل بالتوافق على يوم إجازة رسميه في كل من الضفة  الغربية و غزة ، لا يستطيع أن ينجح بالاتفاق على قرار واحد للتحرر من الاحتلال بطريقة عصرية و حضارية تكسبه احترام و ثقة العالم. 

لذا من الواجب علينا كشعب فلسطيني ، أن نلوم أنفسنا أولاً قبل قيادتنا ، لأن القادة هم مرآه الشعوب ، و القائد هو ابن بيئته و مجتمعه.

 فالقائد  المتوحش  و  الحاقد هو  بالأساس  نشأ و ترعرع  ضمن  مجتمع ناقم وعنيف ،  و القائد  السلمي و المستنير  هو  أيضا نتيجة تنشئة مجتمعية في  بيئة مثقفة و متسامحة.

لذلك  يكفى لوماً  للآخرين ، و لننظر كشعب  نظرة معمقة  إلي  داخل أنفسنا  ، و  داخل بيوتنا ،  و  داخل مدارسنا ،  ومن ثم  داخل مجتمعنا الممزق بسبب العنف و الجهل .

 و علينا أن نشعر بالخجل  بسبب  عجز عقلنا الفلسطيني ، عن ايجاد حل نهائي للتخلص من احتلال مستمر منذ  خمسين  عاما ، فهل نحتاج لخمسين عاما أخرى،  للتكيف  مع متطلبات العصر ، و لكي يتطور عقلنا الفلسطيني حتى  نجد  الحل السحري للتخلص من هذا الاحتلال؟

فلتستمر إسرائيل بإرسال تحذيراتها  إلي حماس ، و لتستمر حماس بتهديداتها ووعيدها  لإسرائيل ، لكن نحن كشعب لدينا رسائل أخرى !

 رسائلنا تكمن   باستمرارنا  بالصمود، و الصبر  من أجل الحياة ، و الأمل بمستقبل حر ومشرق،  يبدأ بتعليم أطفالنا أول  أحرف  الوطن،  الذي يجب أن يوفر لنا  الحريه و  الكرامة و الوحدة و  التسامح و الحضاره. 

التعليقات