الديناميكيات الوجودية

الديناميكيات الوجودية
د. يسر الغريسي حجازي

21.06.2017

الديناميكيات الوجودية

انها قوة ومرونة العقل البشري، من خلال توحيد حركات أبعاديه، مما يكشف عن الضمير وارتفاع الروح. ان العقل البشري منطقي ولديه قدرة كبيرة على الوعي. هو ذلك الذي يساعد على الحفاظ على الطبيعة البشرية، فضلا عن الانسجام الفردي والجماعي. نحن نتحدث عن القدرة التي تبرز في أوضاع مأساوية، مما يمنح الفرد قوة للتغلب على حالات العواطف، التي وصفها بوريس سيرولنيك على انها بمثابة التنقل بين السيول. 

وإنما تعتبر أيضا ردة فعل حماية للإنسان تزيد من قدرته على التدخل، وتحمل المسؤولية الارتجالية، واتخاذ المبادرات. ان مفهوم المرونة يشمل جميع الكوارث أو المآسي السياسية والجغرافية، وقضايا المخاطر بسبب عدم الانضباط في التنمية البشرية، والقصور في حماية البيئة الطبيعية، والإصابات من العنف. وهذا ما يسمح بتفسير أن مفهوم المرونة يشمل كل انواع الكوارث، وتأثيرها على الأفراد الذين بعد ما يعيشوا صدمة، يسلكون مسار اخر. ساعدت أبحاث علم النفس أن نفهم، أن بعد صدمة مؤلمة لدى الفرد، هناك آلية للدفاع عن النفس تتداخل لإعادة بناء الثقة بالنفس، والمحللون النفسيون يوصي بعدم محاولة حماية الناس المصدومة بجعلهم ضحايا، ولكن مساعدتهم للتغلب على أوقات الشدة لديهم، للاسمرار بالعيش. في الواقع، ان الناس الذين تمكنوا من تجاوز صدمة عموما، هم أولئك الذين يتطوعون لمساعدة الناس الذين هم في ضائقة. انهم يستثمرون طاقاتهم في المسؤولية والتضامن الاجتماعي، وبعد التأمل بعمق في الأحداث الخطرة التي كانوا يعيشونها، يقوموا تلقائيا باتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل أنفسهم مفيدون، وذلك من خلال مساعدة الآخرين، وهذا يساعدهم على فهم أفضل لمعني الحياة وقوة الانسجام المجتمعي، وتقبل ما حدث لهم.

والأكثر تعقيدا يتمحور حول كيفية مساعدة الناس المصابين بالصدمات النفسية، التي يمكن أن تؤثر على سلامتهم ،وتسهم في تعقيد مرحلة الشفاء. انما نوعية الرعاية والإطار المطمئن، يساعد على تحرير الناس المصابين بالصدمات النفسية، ويعدهم للمرونة، فضلا عن قدرة إعادة التأهيل الاجتماعي. ويوصف هذا المنظور، بانه قدرة نظام اجتماعي 

على شكل ديناميكي، يعمل من خلال منظمات مختصة من اجل التعافي من الاضطرابات النفسية. وبالتالي، ان المرونة هي الإدارة الفنية للتكيف مع التغيرات المجتمعية، والإقليمية.

وتوكد الأبحاث علي أهمية مفهوم القدرة على المرونة من خلال اساس أيديولوجي محدد، في حين انه يزود البعض قوة التحمل والقدرة على التكيف. بالإضافة إلى ذلك، تعرف العدالة التصالحية من خلال التعويضات كشكل من أشكال الدعم، وذلك يتم عبر برامج متكاملة، مثل تلك المستخدمة من قبل العدالة الجنائية، لكي يتم دراسة نتائج الصراعات والقتل من خلال تمثيل الحقائق، والنظر في طريقة صحيحة للتعويض المعنوي أو المادي. يمكن لأفراد الأسرة أو الأشخاص المقربين من الضحايا، ان يساعدوا على تعريف مفهوم التعويضات لهم. وبطبيعة الحال، ان الحوار المفتوح يساعد على إيجاد الصيغة الصحيحة للعدالة التصالحية من اجل دعم الضحايا، ولكن أيضا الى الاسراع في عملية الشفاء. وتستند برامج إعادة التأهيل على اتفاق بين الضحايا والمسؤولين عن ادارتها، وتوفير العدالة التصالحية كمبدأ إنساني حقيقي. ومع ذلك، يجب ان نعلم أن التعليم يلعب دورا هاما جدا في توعية الضمائر البشرية، بالتناسق مع المبادئ الأخلاقية، على أساس الرحمة، والتضامن، والتماسك الاجتماعي، كشرط لحماية أرواح الناس. هذا الانسجام يسمح بالتسامح والاعتراف بالخير، واتفاق الجميع على محاربة الشر والظلم. ان الاضطرابات السياسية والحروب في العالم العربي هي مثال نمطي حول الظلم والخطر على حياة الإنسان. ويمكن ملاحظة أن هناك مشكلة مع الحياة الجماعية، لأن التنوعات السياسية تزرع الاستبعاد الاجتماعي، وخشية الشباب ان لا يحصلوا على عمل، أو أن يستطيعوا الزواج، والحصول حتى على الإسكان. وسيرافق هذا الظلم الخوف والغضب، وشعور بالتراجع عن هويتهم وحقوقهم الأساسية. وهكذا، فإن العقود الاجتماعية التي تصاغ بطريقة غير شريفة، تسمم حياة المجتمع، وتنشر الذعر وتجعل المجتمعات الأكثر حرمانا يعيشون القلق وعدم الثقة. هل نستطيع تصميم مرونة للشعب المظلوم لهذا النوع من الصدمة؟ بالإضافة لعنف وسائل الإعلام، وتواطؤهم، وتلاعبهم، يمكن أن يزيد في حدة العنف. كما ان المرونة السياسية هي الأكثر خطورة. ان حالة سوريا على سبيل المثال، والقتل الوحشي على المدنيين، ومهاجمة العائلات والاطفال، وكبار السن، واضطهادهم من قبل سياسة جهنمية، جعلت منهم مرضي نفسيين، ودون أمل في استرجاع عافيتهم، وثقتهم بأنفسهم. معظم السوريين الذين فروا من سوريا، لايزال يعانون من جراح الحرب، لأنهم لا يفهمون ما حدث لهم. فانهم لا يستطيعون ايجاد طريق التعافي. كما ان جيشان أعمال العنف والإرهاب المنظم، يكشف ثقافة عنيفة نوعا ما، وتقليدية من دون أساس أخلاقي. ولكن كشفت العديد من الدراسات، أن هناك حاجة إلى دمج علم النفس في جميع المجالات، لتفسير الممارسات المختلفة، والمعلومات التي شهدت على الأحداث، والدروس المستفادة بالفعل من قبل الآخرين.  

انها نظرة مثيرة للاهتمام في هذه التجارب الاستثنائية، والتي تساهم في إعادة النظر في القيم الثقافية، والأخلاقية التي أحيلت، ولا يوجد اساس لها، فقط أن السبب الأقوى هو دائما الأفضل. وهي مجرد تخويف الفرد من مجتمعه، فيبدأ بفقد هويته، والثقة بنفسه وما يبرر تواجده في بيئته. هناك ضرر وزعزعة لاستقرار شخصيته، ولفرديته الاستثنائية. يتم وصف هذه التأثيرات حسب ما ذكرها (تيفينو 1999) على انها ‘حالة الألفة'، الذي تعرض خطط التعامل مع الأطر الاجتماعية، وواقع البيئة السياسية. ان السلوك الجماعي يحدد مجموعة الهياكل الاجتماعية وأسباب التصرف. كما ان النهج الاجتماعي يشكك في بناء النسيج بين أفراد المجتمع، مع الأخذ بعين الاعتبار السياسية الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية. انه نهج ذات الصلة مع خيار عقلاني، فردي ثم جماعي، ينص على بناء فرضيات ومعتقدات تعيد التساؤل حول الاجراء الاجتماعي، وجميع المواقف، والآليات.

التعليقات