الإرهاب: مدى الأخطار وسبل تطويق الظاهرة و تداعياتها

الإرهاب: مدى الأخطار وسبل تطويق الظاهرة و تداعياتها
د. فهمي شراب

برغم المتاهات التي يريد بعض الجماعات المتشددة إدخالنا في دهاليزها، سيظل هناك خيطاً واضحاً يفصل بين الإرهاب الحقيقي وبين مبدأ الدفاع عن النفس و الحقوق والمقدسات التي شرعتها قوانين الأمم المتحدة، والمواثيق الوطنية لكل وحدة سياسية مستقلة.

حقيقة، لا أعلم ذريعة أو فتوى دينية تبيح لأي شخص قتل مسلمين في مساجدهم سواء كانوا سُنة أو شيعة، أو مسيحيين آمنين في بيوت عبادتهم و كنائسهم، ولا اعلم بأي حق يتم قتل عشرات المسيحيين في شوارع ومقاهي وملاعب دولهم بحجة أن بعض الدول الغربية تستغل دول عربية وإسلامية أخرى، فقد نهانا ديننا الإسلامي الحنيف عن الغدر بأهل الذمة، بل أوصانا خيرا بهم، "إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فان لهم ذمة ورحما"( حديث شريف)، فالإسلام يكلفنا بضرورة الحفاظ على امن المسيحيين واحترام حرمة وقداسة دور عبادتهم. كما أن مثل هذه الجرائم تضر بالمصلحة العليا للمسلمين، وتشوه صورتهم وتقلل من احترام الآخرين لهم. وقد قال رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم:  "ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة". وأيضا قال:"دعوة المظلوم وإن كان كافرا ليس دونها حجاب".

 وبالعودة للحديث عن المسحيين فهؤلاء أهل ذمة وجزء من النسيج الوطني والعربي أيضا، نحترمهم جدا في فلسطين – بيت لحم والناصرة- مهد سيدنا المسيح عليه السلام، وأجواء التضامن الوطني المجتمعي تسطر شكل الوحدة الفلسطينية، وتعتبر سندا وقوة لكي يواجه الفلسطينيون أي مؤامرات داخلية وخارجية وهذه الوحدة تمنع تسرب الأفكار الدخيلة الشيطانية التي تدعو لثقافة القتل والعنف والدمار والفرقة والخلاف، بل لهم مواقف متقدمة في معركة النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقدموا أروع وأنصع آيات التضامن والتلاحم الوطني، ففي أثناء الحروب الإسرائيلية على غزة واستهداف الجيش الإسرائيلي للمباني والمدارس والجامعات والمساجد، فقد فتح المسيحيون بيوتهم وكنائسهم للمسلمين كملاذات آمنة، وعندما منع الاحتلال الآذان في القدس، رفع الآذان من الكنائس.

وأتساءل، ونحن كمسلمين يعيش جزء كبير منا في الغرب الذي تحكمه قوانين مسيحية، ونتمتع فيها  بكافة الحقوق والمزايا والحريات، فهل نرضى بان يتم استهداف الأقليات المسلمة الآمنة في بريطانيا أو كندا أو الولايات المتحدة أو بلجيكا أو فرنسا؟ لماذا نرضى على الآخرين ما لا نرضاه لأنفسنا؟ أي تناقض صارخ هذا الذي ارتضته هذه الفئة التي تبنت فكر الظلام والقتل والعنف بهذا الشكل الدراماتيكي المأساوي؟

وفي خضم الحوارات والمساجلات، وبينما نحاول الرد على الشبهات التي يلقيها علينا بعض مسئولي ومفكري الغرب، بان الإسلام دين قتل وإرهاب وتطرف، فهل مثل هذه الأحداث التي سفكت الدماء البريئة تساعدنا في الرد والإقناع؟ أم أنها تزيد قوة ذرائعهم بأننا إرهابيين يقتل بعضنا بعضا؟  وتسفك ما تبقى من مياه وجهنا وتؤكد أننا قوما لا نستحق الحياة؟

وفي شق تقويمي هام في مقالنا هذا، فان من أسباب ازدهار وترعرع الإرهاب الفكري والعملياتي فشل الحلول العسكرية والأمنية في التعامل مع الجماعات المتشددة، واللجوء إلى حرق مراحل عديدة مستخدمة الكي كآخر مراحل العلاج. على الرغم بأن هناك ما يسمى بالدبلوماسية والإجراءات الوقائية، لم تتجشم كثير من أنظمة الوطن العربي عناء التماس سبلها، ولم تسع الأنظمة السياسية في الوطن العربي على احتواء المختلفين والمتباينين فكريا، وتركتهم لأحضان الفكر الظلامي والبيئات المضادة. فمداخل سلمية عديدة تم إهمالها في مرحلة التعامل مع هؤلاء.

وقد تم تجريب تلك الأساليب الراديكالية التقليدية منذ الستينيات في أكثر من بلد ولم تؤت أي ثمار، بل كانت تداعياتها كارثية بسبب العنف والعنف المضاد (دوائر رد الفعل المستمرة والخلايا النائمة). فلا يمكن لأي نظام يتخذ جزء كبير من شعبه كأعداء أن يتصف بالحكمة والعقلانية!!

إن تطبيق ما يعرف بــ Preventive Diplomacy ، أي " الدبلوماسية الوقائية" التي تعنى بمحاولة تطويق الأزمات قبل وقوعها، ومعالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية والمعيشية والنفسية (Social, psychological and Economic roots) هو الحل الأمثل، والذي نجح في أوروبا والولايات المتحدة مع المذاهب الدينية والتيارات الإصلاحية التي ظهرت وكانت توصف بــ"المتشددة آنذاك"... فقد استخدمت الولايات المتحدة خطة مارشال الاقتصادية مع ألمانيا بعدما خسرت ألمانيا الحرب العالمية الثانية، وأصبحت ألمانيا اقل عدائية تجاه الولايات المتحدة، نفس المسار اتخذته الولايات المتحدة مع اليابان.

كما أن أحد أهم الأسباب المؤدية لتزايد هذه الظاهرة هو "الحصار"، أو العقاب الجماعي "Collective Punishment" حيث يعتبر هذا الإجراء القاسي بيئة حاضنة لزيادة كراهية المحاصِرين مهما كانت ديانتهم أو توجههم الأيدلوجي. كما أن التمييز بين أبناء الشعب الواحد والتوزيع غير المتكافئ والعادل للثروات بين أفراده وفئاته، ومظاهر الفساد الإداري والمالي، كل ذلك يخلق حالات من عدم الاستقرار والظلم الاجتماعي الذي من شأنه أن يعمل على ظهور التطرف والفلتان الأمني والاجتماعي وحالات الثأر الذي تهدد أمن واستقرار النظام والبلد نفسه.

وخلاصة القول، هناك مسؤوليتان:

الأولى: تقع على كاهل الأنظمة العربية نفسها، حيث يجب أن تفسح المجال لاستيعاب طاقات الشباب والخريجين ومنح مساحات حرية اكبر وتوفير المناخ الديمقراطي، والاستثمار في الإنسان نفسه والعمل على تطويره وتثقيفه.

الثانية: تقع على العالم الغربي، في ضرورة عدم التمييز في اللون والعرق والدين، وعدم إيقاع عقاب جماعي على قوم أو مدينة بسبب ارتكاب احد أفرادها مخالفات أو جرائم، والعمل على توفير فرص عمل اكبر بدل صرف النفقات الباهظة على الحروب التي من شأنها تعميق الخلافات وزيادة الكره والثأر.

التعليقات