لماذا نحتَ قوم صالح عليه السلام من الجبال بيوتًا؟

لماذا نحتَ قوم صالح عليه السلام من الجبال بيوتًا؟
رام الله - دنيا الوطن
 إشتهرَ قوم ثمود أو قوم صالح عليه السلام بمهنة فريدة من نوعها، وهي نحت الجبال، فأرسل الله اليهم صالح عليه السلام يدعوهم لعبادة الله وحده وترك ما ورثوه من أبائهم من طقوس وعادات شركية فإستجابوا لدعوته ثم ارتدَّ أكثرهم عن دين الإسلام وعقروا الناقة التي أرسلها الله لهم آية وتحدوا صالح عليه السلام أن يأتيهم بالعذاب، ودبر تسعة مكيدة لقتل نبي الله وأهله، فأهلك الله الذين ظلموا من قوم ثمود ونجي صالح عليه السلام والمؤمنون، قال تعالى: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ * قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ * وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * انْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ * فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)، الأعراف: 48-53.

يُعدَّ قوم ثمود أول من نحت الجبال والصور والرخام، فبنوا من المدائن ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة، ومن الدور والمنازل ألفي ألف وسبعمائة ألف كلها من الحجارة كما قالَ المفسرون في تفسير الإمام القرطبي رحمه الله، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ)، الفجر: 6-9. والحديث عن قوم ثمود يعود إلى أكثر من 3500 سنة قبل بعثة الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم لإن صالح عليه السلام بُعثَ بعد نوح وهود عليهما السلام وقبل إبراهيم ولوط وشعيب عليهم السلام، قال تعالى: (وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَٰلِكَ كَثِيرًا)، الفرقان: 38. وقال تعالى: (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ)، هود: 69-70. وقالَ شعيب عليه السلام لقومه كما يخبرنا الله عز وجل: (يَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ ۚ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ)، هود: 89. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (بين نوح وإبراهيم ألف سنة، وبين إبراهيم وموسى سبعمائة سنة، وبين موسى وعيسى ألف وخمسمائة سنة، وبين عيسى ونبينا ستمائة سنة).

حددت الدراسات الغربية الحديثة عُمر تقريبي لبداية العمارة المقطوعة في الصخر يعود ما بين 900-2400 سنة قبل بعثة الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم. وتعنى العمارة المقطوعة في الصخر إنشاء مبانِ وكهوف وأصنام حجرية عبر حفر الصخور الصلبة الموجودة بشكل طبيعي. وتصمم هذه العمارة في الغالب من قبل البشر، أي لا يدخل ضمنها الكهوف التي جرى عليها تعديل أو تطوير من قبل البشر. وانتشرَ هذا النوع من العمارة على نطاق واسع في العديد من مناطق العالم، كمدائن صالح الحجازية والبتراء الشامية وكبادوكيا الأناضولية واليبيلا الحبشية وبليرا الرومية وإلورا الهندية وياودنوغ الصينية، وعادة ما كانَ يستخدم هؤلاء أسلوب تصميم الديكورات الداخلية من خلال البدء بالنحت من الأعلى إلى الأسفل لتجنب سقوط الحجارة على العمال. وهذا التكتيك في العمل على ما يبدو بإنه قد ورثَ من قبل منحوتات قوم ثمود كحال منحوتات أصنــــام الفراعنة والبوذيين أو قد يكون قوم ثمود هم أنفسهم من نحتوا معظم هذه المنحوتات ولاسيما منحوتات الغرف والكهوف في الجبـــــال وهو الأرجح لإن مثل العمل يتطلب جهدًا كبيرًا ومدة زمنية طويلة بإستخدام أدوات بسيطة كالمطرقة والإزميل، وهذا يعني بان الأقوام الوثنية الآخرى كالمدينين (قوم شعيب عليه السلام) والنبطيين والرومان والبوذيين والهندوس واليانيين وصلوا إلى هذه الأماكن على مر السنين بعد هلاك قوم ثمود والله أعلم، قال صالح عليه السلام لقوم ثمود كما يخبرنا الله عز وجل: (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَـــــالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ)، الشعراء: 149. وقال تعالى عن منحوتات قوم ثمود: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَــــــةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، الأعراف: 52. وقال صالح عليه السلام لقوم ثمود كما يخبرنا الله عز وجل: (وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَـــــاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ)، الأعراف: 74. وبصورة عامة ما يهمنا كمسلمين الفكرة وليس المواقع أو الفترات الزمنية. إما أسباب تشيد مثل المباني فيمكن حصره في النقاط الرئيسية الثلاث:

اولاً: إستخدمت هذه المباني المظلمــــــة المنحوتة في الجبال كمعابد وأماكن لطقوس روحية وثنية موروثة ليومنا الحالي، قال تعالى: (أَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَــــــى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، فصلت: 17. وقال تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ * قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَـــــا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ)، هود: 61-62. قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيره: (فاستحبوا العمى على الهدى أي اختاروا الكفر على الإيمان. وقال أبو العالية: اختاروا العمى على البيان). وتعني كلمة العمى عدم قدرة العينين على الرؤية، ويقال كذلك ذهب بصر قلبه أي جهل ولم يهتدِ إلى الخير.

ثانيًا: إستخدمت هذه المباني المنحوتة في الجبال كقبور وملاجـــــيء من الكوارث الطبيعية ليومنا الحالي، قال تعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَـــــــةِ)، الحاقة: 4. وقال تعالى: (الْقَارِعَــــةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَــــالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ)، القارعة: 1-5. قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسيره: (وقوله: (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ) يقول تعالى ذكره: ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش؛ والعِهْن: هو الألوان من الصوف).

ثالثًا: إستخدمت هذه المباني المنحوتة في الجبال كوسيلة للإستكبار عن طريق الإسراف المفرط في إنشائها من دون حاجة لسكناها، قال تعالى: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَـــــــرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَـــــــرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ)، الأعراف: 75-76. وقال صالح عليه السلام لقوم ثمود كما يخبرنا الله عز وجل: (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِيــــنَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْــــــرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ)، الشعراء: 149-152. قالَ الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره: (وقوله: (وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين) قال ابن عباس، وغير واحد: يعني: حاذقين. وفي رواية عنه: شرهين أشرين. وهو اختيار مجاهد وجماعة. ولا منافاة بينهما; فإنهم كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشرا وبطرا وعبثا، من غيــــــــــــــــر حاجة إلى سكناها، وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها، كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم).

وأخيرًا، لابد من من الإشارة إلى ان هذه الأماكن غير مستحب دخولها، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لأصحاب الحجر لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم)، رواه مسلم. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم ما أصابهم)، رواه البخاري. قالَ الإمام النووي رحمه الله في شرح النووي على مسلم: ( فقوله: (قال لأصحاب الحجر): أي قال في شأنهم، وكان في غزوة تبوك. و قوله: ( أن يصيبكم ) بفتح الهمزة أي خشية أن يصيبكم، أو حذر أن يصيبكم كما صرح به في الرواية الثانية. وفيه الحث على المراقبة عند المرور بديار الظالمين، ومواضع العذاب، ومثله الإسراع في وادي محسر لأن أصحاب الفيل هلكوا هناك، فينبغي للمار في مثل هذه المواضع المراقبة والخوف والبكاء، والاعتبار بهم وبمصارعهم، وأن يستعيذ بالله من ذلك).
















التعليقات