إنهاء الانقسام ينبع من رحم الجماهير

إنهاء الانقسام ينبع من رحم الجماهير
 حسن لافي

في ظل الاستقطاب الحاد في المنطقة، وفي أجواء الانقسام الذي_ للأسف_ خلق أسباب بقائه في صفوف طرفي الانقسام، وفي أجواء الإرادة لإعادة هندسة المنطقة من جديد، حسب رؤية القوى الدولية المهيمنة، وخاصة الولايات المتحدة، بما يتوافق مع مصالحها أصبح بقاء الانقسام الفلسطيني مطلوباً وبشدة في الخريطة المزمَع تشكيلها للإقليم، ليُنهي حلم الدولة الفلسطينية،  و يحِل محلها فسيفساء سكانية على كانتونات منتشرة في الضفة الغربية،  لا تملك أي نوع من أنواع السيادة خارج نطاق الإرادة الأمنية الإسرائيلية، ومتطلبات الاستيطان الصهيوني الذي لا تنتهي مطامعه.

 وفي غزة المواطن الذي اجتمع عليه ظلم الحصار ومرارة الانقسام، فتحول جيل كامل من شبابه إلى جيش من البطالة ، ليصبح حلمه أن يهاجر من غزة، ناهيك عن قائمة الأزمات الغزاوية التي تكاد لا تنتهي، هذه الأوضاع تجعل من أي حل مهما أبعدنا عن ثوابتنا الفلسطينية  مقبولاً به، بل مرحباً به، مادام سيخفف عن الموطن الغزِي، ويعيد له الأمل في حياة إنسانية أفضل.

 ناهيك عن الانقسام الاجتماعي والفصل الاقتصادي بين غزة والضفة ، وتفاعلات ذلك على مدار عُمر الانقسام، مما خلق بُنى اقتصادية واجتماعية مغايرة في كلا المجتمعين، ولدَت بشكل تلقائي بنية ثقافية وفكرية مهيمنة متناقضة بالمجمل في كلا المجتمعين، فأصبحنا نتكلم عن مجتمع غزة ،ومجتمع الضفة ، ولم يعد هناك حديث عن مجتمع فلسطيني واحد أو موحد.

جل ما أقصده أن إنهاء الانقسام لم يعد قراراً سياسياً، تتخذه حركتي فتح وحماس، بل أشك أن يكون لديهما القدرة الذاتية المستقلة لاتخاذ مثل هذا قرار، وحتى ولو ملكوا ذاك الاستقلال المنشود ، تبقى العوائق البُنيوية لإتمام المصالحة متجذرة، بحيث من الصعوبة أن نقفز عنها بتوقيع على ورقة تسمى وثيقة مصالحة، الأمر أصبح اكثر تعقيداً مما يظن الكثيرون.

ولاستكمال المشهد الفلسطيني، نجد أن الفصائل الفلسطينية خارج الانقسام فشلت بخلق منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية في الوطن ككل، أو حتى التنظير لها  لتكون بديلاً عن منظومة الانقسام، لتحافظ على وحدة المجتمع الفلسطيني كوحدة واحدة ذات أهداف وطنية واحدة، فالمعالجات الفصائلية منذ اليوم الأول للانقسام، لم تكن معالجات جذرية حتى على المستوى السياسي للانقسام، واكتفت بأن تخفف من بعض الحالات الفردية له، وخاصة أن الفصائل خارج الانقسام، هي نفسها مختلفة في رؤيتها لأسباب الانقسام، وطرق الخروج منه، لذلك فقدت القدرة تدريجياً في التأثير، وهذا كان واضحاً إذا لاحظنا أن مَنْ كان يرعى اتفاقات المصالحة لم يكن فلسطينياً، ناهيك عن عدم قدرة هذه الفصائل من تأطير الجماهير كقوة ضاغطة في إنهاء الانقسام، بل لم يكن في أجندتهم مثل هذا الهدف، تحت مسوغات و حسابات كثيرة قد يكون بعضها صحيحاً، ولكن في المحصلة لم تتمكن من خلق البديل عن الانقسام أو إنهائه أو حتى أن تكون وسيطاً في إنهائه.

ولكي لا نفقد الأمل ،الجهة الوحيدة القادرة على إنهاء الانقسام، وإعادة اللحمة المجتمعية للمجتمع الفلسطيني وخلق الحلول والبدائل لما يعانيه الوطن والمواطن، هي الجماهير المتضررة من الانقسام وتعاني الأمرَيّن من تداعياته سواء في الضفة أو في غزة،  وقد تلحق بعد ذلك بها الفصائل كما حدث في كثير من محطات تاريخ الثورة الفلسطينية منذ ثورة عام 1936مروراً بانتفاضة عام 1987 وصولاً لهبة القدس الحالية، فالحل الجذري للأوضاع المهترئة، يخرج من رحم الجماهير، وليس من جلسات حوار الفصائل.

التعليقات