بن بيه: حضارتنا مريضة فلنتعاون جميعا على إنقاذها

رام الله - دنيا الوطن
قال الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم إن واجب الجميع اليوم هو العمل متحدين والتفكير سويا للخروج بالعالم من وضع التوتر والاحتراب الذي يعيشه اليوم، مبرزا دور رجل الدين المتثمل في تأصيل السلام بمراجعة المفاهيم وتقديم القراءة الصحيحة والتأويل السليم على ضوء الواقع المعاصر بلا تبديل ولا تحريف، بحيث تقدّم حقائق الدين في انسجام مع متغيرات العصر، معتبرا أن هنالك كثير من الناس يعيشون في واقع لا يراونه  وفي بيئة لا يدركون أبعادها.

جاء ذلك في كلمة ألقاها معالي الشيخ بن بيه بمناسبة اجتماع قادة الديانات العالمية الذي نظمته وزارة الخارجية الألمانية في العاصمة برلين، يومي 22 و23 مايو الجاري، وقد جاءت مشاركة الشيخ بن بيه استجابة لدعوة رسمية من وزير الخارجية الألماني السيد زيغمار غابريل لحضور هذا الاجتماع الذي طرح دور الأديان وقدرتها على صنع السلام وكيف يمكن منع استغلال الأديان في إذكاء الحروب وإثارة النزاعات.  

وقد ضم هذا الملتقى نحو مائة روحاني وممثل ديني من أوروبا ومن الشرق الأدنى والشرق الأوسط وكذك من شمال وغرب إفريقيا ممن يتمتعون بالريادة في مجتمعاتهم ويقومون بأدوار فاعلة لصالح قضية السلام. 

وفي سياق مناقشة النماذج الناجحة وتبادل التجارب قام معالي الشيخ عبد الله بن بيه بعرض  بعض مبادرات المنتدى، مركزا في حديثه على أهمية إعلان مراكش التاريخي الذي أصدره المنتدى بمشاركة عدد كبير من العلماء المسلمين وحضور ممثلين عن كل الأقليات الدينية الموجودة في العالم الإسلامي، وذلك لتقديم الرؤية الصحيحة للإسلام حول المواطنة "التي لا تبنى على الدين بل تبنى على التعايش المشترك"، حيث استلهم المنتدى هذه الرؤية من رحم الإسلام بإحياء وثيقة المدينة المنورة التي تعتبر أول دستور يعترف بالتعددية الدينية في سياق المجتمع الواحد، مؤكدا في هذا الصدد أن وثيقة المدينة لم تنسخ وما تزال صالحة للاستمداد والاستلهام في صياغة المواطنة المعاصرة. 

كما عرض معالي الشيخ عبد الله بن بيه كذلك الأبعاد التجديدية لمبادرة حلف الفضول التي أطلقها المنتدى من أبوظبي، عاصمة التسامح والتعايش، مطلع شهر مايو الجاري، باستقباله لأول قافلة أمريكية للسلام تثمل 

ديانات العائلة الإبراهيمية، والتي تضم عددا من الحاخامات اليهود والقساوسة الإنجليين والأئمة المسلمين من عشر ولايات أمريكية، حيث أُعلن على إثر هذه القافلة عن وضع خطة عمل تهدف إلى جمع الطاقات ووضع الأسس لحلف فضول عالمي للوئام السعيد بن الأديان باعتبار أنه لا مطمع في السلام العالمي إلا من خلال تحقق السلام بين الأديان. وتأتي هذه المبادرة أيضا إحياء لحلف الفضول الذي أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم  مؤكدا "أن الإسلام يزكّي الفضيلة أيا كان مصدرها ومهما كان مصدرها والحكمة أيا كان مٌنشئُها أو مَنشؤُها".

وفي إطار الحلول العملية دعا رئيس المنتدى إلى عقد ملتقى يجمع جميع المعنيين بقضايا السلام، حيث يلتقي صٌناع السلام من رجال الدين والمفكرين وصناع القرار من الساسة وغيرهم في تفكير مشترك، ليقدّم الجميع رؤاهم ومقترحاتهم للوصول إلى السلام سواء في مجال التعليم أو في الفضاء الديني،  وللخروج بخطة عملية تتجاوز معالجة أعراض الأزمة ومظاهرها لطرح أسباب المرض نفسه، مذكرا بمقولة الفيلسوف الألماني نيتشه "إن الحضارات تمرض والفلاسفة هم أطباؤها"، فحضارتنا مريضة فلنتعاون على إنقاذها. 

وفي ختام كلمته، أدان الشيخ التفجير الإجرامي الذي وقع مؤخرا في مدينة مانشستر، مستنكرا هذا الجنون العدمي الذي لا يقرّه دين و لا يرضاه عرف أو يبرره عقل، معتبرا أن هذه العملية وكلّ أعمال العنف المتصاعد في العالم، تؤكّد مرة آخرى على أن الإرهاب بنجاعة أساليبه وقوة استقطابه يضع تحديا وجوديا أمام كلّ محبي السلام ويفرض حتمية العمل المشترك لوضع خطط متكاملة أكثر نجاعة وأسرع وتيرة لاجتثاث التطرف والإرهاب من جذوره.