بري يتجاوز عون؟

بري يتجاوز عون؟
رام الله - دنيا الوطن
اختبار نيّات القوى من مسودة القانونِ الانتخابيّ المقدّمة بدأت. من اليوم وحتّى الخامس من حزيران، سنشهد شدّ حبال المشوار الأخير ونشهد على الذين يريدون القانون والحلّ الانتخابيّ من عدمه. حتّى هذا التوقيت، الجميع تقريباً أعلن "التوبة الانتخابيّة" وكلّهم وضعوا أيديهم في الطبخة، وعلى الرغم من أنّ نسب المشاركة متفاوتة، لكنّ الوضع العامّ جيّد ويدلّ على انصياعٍ نحو الحلّ، إلّا إذا عادت الأضغان المتراكمة للتدخّل مجدّداً.

بات من شبه المؤكّد أنّ مسودة عدوان (نائب رئيس حزب القوّات اللّبنانيّة النائب جورج عدوان) هي المرجّحة للعبور إلى الضفّة السليمة بعد سلوكها درب الجلجلة. لغاية السّاعة، حاز عدوان على ثقة كلّ من الثنائيّة الشيعيّة، الحزب التقدمي الاشتراكيّ وتيّار المستقبل، لكن من لم يقدّم رأيه الواضح بعد، هو التيّار الوطنيّ الحرّ الذي ما زال ينتظر الردّ على مسألة نقل المقاعد، في وقتٍ تشير اوساط التيّار عن "تطوّراتٍ كبيرةٍ حصلت" تؤكد المعلومات المتوافرة، أنّ التّيّار يتمهل في تقديم جواب نهائيّ حتّى اختمار أجواء رئاسة الجمهوريّة التي تتريّث في دراسة المقترح وضوابطه قبل إيداع موقفها النهائي عند القوى السياسية، على الرغم من أنّ موقوف التيّار الحاليّ ليس معارضاً للصيغة بل موافق "من حيث المبدأ" عليها.

وتشير مراجع انتخابيّة، إلى أنّ ما يقارب الـ80% من الاقتراح قد أُنجز، والباقي هي تفاصيل ولمسات أخيرة متعلّقة بنقلِ المقاعد النيابيّة، مشيرةً إلى أنّ هذا الشقّ هو الذي يعرقل الإعلان عن التوافق النهائيّ كون "الرئيس نبيه برّي (ممثل الثنائيّة الشيعيّة) يرى أنّ نقل المقاعد من مناطق مختلطة إسلاميّة مسيحيّة هو "تخريب ميثاقي ليس من داعٍ له"، وبالتالي هو رافض بالمطلق "نقل مقعدي الزهراني وبعلبك الهرمل المسيحيين وشرخ بيروت"، لكن المراجع تؤكّد أنّ "الجوّ الحاليّ لم يبلغه أحد بالشكل الإيجابيّ منذ بدء دورة النقاش الانتخابيّ قبل أكثر من ثلاثة أشهر، وهو أمر يعوّل عليه".

مصادر متابعة رأت أنّ هناك نزاع وانتزاع يمكن رصده بين طيّات الموقف الحالي للرئيسين ميشال عون ونبيه برّي بما خصّ مسودة عدوان، برز في المقام الأول من خلال انتزاع تنازلٍ من برّي، الذي أعلن سحب اقتراح الـ6 دوائر من التداول، ولكن ما حصل أنّه أسقط مجلس الشيوخ وعاد للقبول بالـ15 دائرة، في المقابل يحاول بري من خلال تأجيله الجلسة الى 5 حزيران، فرض امر واقع على الرئيس يقوده لفتح عقد استثنائي بمعزلٍ عن أي تفاهم شفهي حصل سابقاً، عبر تعيينه لجلسة من خارج المُهل، استدراكاً منه لبلوغ العقد الحالي نهايته، وكي يتسنى استكمال المساعي الحالية بقالبٍ من الايجابية ذاتها، ما يدلّ على نيّة من برّي لوضع عون أمام أمر واقع قانون الانتخاب.

مصادر قريبة من "التّيّار الوطني الحرّ" رأت أنّ برّي "لا يمكنه تأجيل الجلسة إلى موعدٍ يلي نهاية العقد التشريعيّ، على الرغم من أنّ هناك جو قد يؤدّي إلى فتح عقد تشريعي استثنائي". 

وعلى الرغم من تفهمها لموقف الرئيس برّي الذي يمكن وضعه تحت خانة "توفير الإيجابيات وتعزيز الفرص"، قالت إنَّ "رئيس المجلس لا يمكنه تجاوز موقف رئيس الجمهوريّة الذي ولغاية الساعة لم يدعوا لعقدٍ استثنائيّ، فلماذا استعجال موقفه بخطوات من هذا النوع؟.. وكان الأجدر بالرئيس بري التريّث حتّى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود".

وربطت المصادر خطوة الرئيس عون بفتح دورة استثنائيّة بـ"مدى إمكانيّة إحراز اتّفاق وتقدّم كبيرين في خصوص قانون الانتخاب"، متوقّعةً في حال حصول ذلك أن "يُعلن افتتاح الدورة في وقتٍ لاحق من اليوم الاثنين إن بقيت الإيجابيات سائدة" وكأقصى حدّ غداً الثلاثاء.

في هذه الأثناء، قرأ موقف الرئيس نبيه برّي القاضي بتأجيل الجلسة، على أنّه تعزيز للأجواء الإيجابيّة التي يمكن أن تقود إلى قانون، وإفساحاً في المجال أمام الجميع لإخراج كلّ ما في جعبتهم من افكار، ويقرأ أيضاً تأجيل الجلسة لمدة أسبوعٍ على أنّه "محاولة لاستغلال كلّ دقائق العقد الحالي المتبقّية خدمةً للاتّفاق، وتخصيص فترة العقد الاستثنائي لإقرار قانونٍ جديدٍ لا تمديد تقني فقطّ" متوقعةً أن يحصل التمديد في جلسة 5 حزيران لمدّة ثلاثة أشهر، وإقرار القانون في جلسة تعقد يوم 12 من حزيران.

اما في ما خص المسودة المعتمدة حاليّاً والتي نشرت تفاصيل تقسيماتها الدوائرية، يقول متابعون إنّ فيها حرصاً شديداً على إبعاد الدوائر المسيحيّة عن تلك المسلمة، ما يعتبر مساساً بالدستور الذي نصّ على الميثاقيّة. فمثلاً بدى لافتاً تقسيم بيروت دائرتين؛ واحدة مسلمة (المزرعة - رأس بيروت - الباشورة)، وأخرى مسيحيّة (الأشرفية، الصيفي، المرفأ، الرميل والمدور).

ومن الأمور التي يتوقّف، عندها هي فصل دائرة بعبدا (ذات الثقل المسيحي والصوت الشيعي الوازن) عن عالية (ذات الأكثريّة الدرزيّة)، أي إخراج الدروز من قاعدة التأثير في بوّابة الجبل لصالح الدمج مع الشوف (كما يريد النائب وليد جنبلاط). 

ولم تقف التعليقات عند حدود التقسيمات أعلاه بل انسحبت للبحث عن خلل في جمع الكورة وزغرتا وبشري والبترون بدائرةٍ وحدة، ما يعزّز ثقل الثنائيّة المسيحيّة ويقطع الطريق أمام المستقلّين من بلوغ عتبة المجلس، وهو ما توقّف عنده أمس زعيم تيّار المردة النائب سليمان فرنجية إذ قال في كلمة ألقاها خلال لقائه فعاليّات ومناصري تيّاره في جبيل أنَّ "كلّ القوانين الانتخابيّة التي طرحت كان هدفها إقصاءنا"، في رد واضح على الاقتراح الأخير.

وإزاء المواقف والتعليقات أعلاه، يبرز وفق المراقبين، غياب وحدة المعيار التقسيميّ بشكلٍ واضح عن المسودة الحالية وإحلال مبدأ التفرقة التقسيميّة من دائرة إلى أخرى على مبدأ الجمع الذي كان سائداً في قوانين فترة ما بعد الحرب، معتبرةً أنَّ "جمع روحيّة الأرثوذكسي بالنسبي وتقسمه التأهيلي إلى حدٍ ما، لا يخدم فكرة النظام النسبيّ أبداً، بل يجعل من اللّبنانيين هيئاتٍ عدّة بدلاً من أن يكونوا هيئة واحدة".

فيديو ارشيفي

 


التعليقات