مركز (معا) يُصدر ورقة موقف لإنهاء "الذبح خارج المسالخ"

مركز (معا) يُصدر ورقة موقف لإنهاء "الذبح خارج المسالخ"
رام الله - دنيا الوطن
عقدت مجلة "آفاق البيئة والتنمية" الصادرة عن مركز العمل التنموي / معا بالشراكة مع تلفزيون وطن، ندوة حوارية بعنوان "الذبح الأسود: دماء تلاحق الصحة وتنحر القانون" امتدادًا لتحقيق فتحته المجلة في نيسان الماضي، كشف تجاوزات خطيرة للذبح خارج المسالخ، وتتبع آثاره الصحية والبيئية.

وشارك في الحوار: د. أسامة عواد من دائرة الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة، ومدير دائرة الصحة والبيئة في وزارة الصحة، إبراهيم عطية،  ومدير دائرة الطب البيطري في جامعة النجاح الوطنية، د. سامح أبو سير، ومدير عام مجالس الخدمات المشتركة في وزارة الحكم المحلي سليمان أبو مفرّح، ومدير وحدة الأبحاث والإعلام البيئي في مركز "معا" ومسؤول تحرير (آفاق) جورج كرزم، ورئيس قسم الصحة والبيئة في بلدية البيرة، د. إياد دراغمة، ورئيس بلدية سيلة الظهر فتحي أبو عصبة، والمدير الإداري للبلدية عبد الرحمن غانم، ونها  زهران عضو مجلس بلدية بيتونيا، ورئيس نادي المزرعة الشرقية حسان زبن، وفواز البرغوثي من المعهد القضائي نائب رئيس مجلس قروي دير أبو مشعل، ومها عبد الجليل من "الرؤية العالمية. فيما غاب ممثلو: سلطة جودة البيئة، ومحافظة رام الله والبيرة، ووزارة الاقتصاد الوطني، وجمعية حماية المستهلك.

وناقشت الورشة أسباب غياب تطبيق نظام المسالخ في الهيئات المحلية لسنة 1997، وقانون الزراعة رقم (2) لسنة 2003، اللذان يفرضان قيوداً صارمة على الذبح، والتداعيات الصحية والبيئية لتفشي الذبح الأسود في غالبية البلدات والقرى وبعض المدن، وواقع المسالخ القائمة، ودور جهات الاختصاص في متابعة ملف الذبح الأسود، وقضايا فرعية أخرى ذات صلة.

دعوات ونداءات

وخلصت الندوة إلى ورقة موقف حول ظاهرة الذبح الأسود، سيجري تعميمها على جهات الاختصاص. دعت وزارتي الحكم المحلي والزراعة إلى تفعيل وتحديث نظام المسالخ للهيئات المحلية، وقانون الزراعة ليشمل الدواجن، ويوضح التفاصيل الفنية للمسالخ، وإلزام الهيئات المحلية المنتخبة حديثًا التقيد بالقانون الناظم لذبح اللحوم والدواجن، من خلال الذبح في المسالخ القائمة القريبة، أو إنشاء مسالخ مشتركة.

وحثت المحافظين على تشديد الإجراءات، وممارسة الصلاحيات القانونية لهم، وصولاً إلى وضع حد سريع للذبح الأسود، في فترة لا تتعدى نهاية عام 2017، وعبر تطوير القدرة الاستيعابية للمسالخ القائمة، وتشديد الرقابة على المزارع لضمان ظروفها الصحية.

وأطلقت دعوة لوزارتي الاقتصاد الوطني، والصحة، وسلطة جودة البيئة، وجمعية حماية المستهلك للتعامل مع اللحوم المذبوحة خلافًا للقانون سلعًا غير مسموح ببيعها في الأسواق المحلية.

ودعت الندوة النائب العام د. أحمد برّاك لتحريك دعاوي قضائية ضد المخالفين، بعد منحهم مهلة لتصويب أوضاعهم لا تتعدى نهاية عام 2017.

فيما ستتولى مجلة (آفاق) بالشراكة مع تلفزيون "وطن"، إطلاق حملات إعلامية لتعريف المواطنين بآثار الذبح الأسود الصحية والبيئية، والدعوة إلى مقاطعة اللحوم غير المطابقة للأحكام القانونية الراعية لتسويقها والاتجار بها. وسيصار إلى عقد تقييم للجهد المقترح في هذه الورقة، بعد (7) أشهر من الإعلان عنها، ومراجعة ما تم إنجازه.

وقالت الورقة إنها لا تعتبر استهدافًا لأي طرف يعمل في الاتجار باللحوم وتربيتها وذبحها، بل هي مجهود قانوني وصحي وبيئي وإعلامي لوقف الذبح خارج المسالخ.

قوانين منتهكة

وأكد مدير عام مجالس الخدمات المشتركة في وزارة الحكم المحلي أبو مفرّح إن  الهدف من وضع نظام المسالخ تطبيقه، لكن المعيقات كبيرة، وبخاصة تحديده للهيئات المحلية التي يزيد عدد سكانها عن 10 آلاف نسمة، وفروضه عليها إنشاء المسالخ.

وأضاف: إن 150 هيئة محلية من بين 450 هي ما يفوق تعدادها عن 10 آلاف، والنظام لا يغطي هذا الجانب، لكن في الوقت نفسه يجيز لأكثر من هيئة دون 10 آلاف التشارك لإنشاء مسالخ.

واستطرد أبو مفرّح: "أن دور "الحكم المحلي" توجيهي وإشرافي، والهيئة المحلية تتحمل المسؤولية،  والإلتزام بالمسالخ منصوص عليه بالقانون، لكنه غير مطبّق، فيما لا تشكل المخالفات المنصوص عليها عائقًا أمام المخالفين، ما يتطلب تحديثها".

وأكد د. أسامة عواد من دائرة الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة وجود 3 مسالخ في الضفة الغربية: رام الله والبيرة، ونابلس، وجنين، فيما تتواجد مذابح في تجمعات أخرى، في وقت لم يغطِ نظام الهيئات المحلية وقانون الزراعة المسالخ جيدًا، بشكل يمكن معه الضغط على المجالس المحلية والمواطنين والعاملين في هذا المجال للتعامل مع المسالخ.

وتابع عوّاد: "أعددنا مسودة مشروع لنظام المسالخ عام 2009، قدمناه لديوان الفتوى والتشريع، وجرى رده؛ لوجود نظام الهيئات المحلية، ومنذ ذلك الوقت نتجاذب ونتحاور مع وزارة الحكم للخروج بصيغة موحدة لنظام يغطي كافة قطاعات: الدواجن، والأغنام، والأبقار. ولدينا استثمارات، وبدأت بعض الشركات تعمل في قطاع الدواجن بكفاءة عالية، لكنها لا تشمل كافة المناطق".

وتساءل عن عدم طلب "الحكم المحلي" من المجالس بإنشاء مسالخ ووضعها على الموازنة، وخلو البرامج الانتحابية لمرشحي البلديات من إنشاء مسالخ رغم أهميتها.

واستنادًا إلى عوّاد، فإننا لا نحتاج 150 مسلخًا بعدد الهيئات المحلية (مسلخ لكل 10 آلاف نسمة) ويمكن لـ 15 أن تفي الغرض، لكن الهيئات لا تضعها في الأولويات، ما يتطلب قراراً ملزمًا من الحكم المحلي لتغطية التكاليف.

3 مسالخ في الضفة فقط!

وأشار مدير دائرة الصحة والبيئة في وزارة الصحة إبراهيم عطية إلى أن المسالخ ليست بالعدد الكافي، ولا بالرقم الذي يليق ( 3 جيدة في نابلس وجنين ورام الله)، والأخرى  ليست كما يجب (أريحا، والخليل).

وقال: "ما يذبح خارج المسالخ يفوق ما يجري داخلها بشكل كبير، فقرابة 90% من لحوم محافظة رام الله تذبح في الشوارع. والمشكلة في استمرار الذبح العشوائي، ما يتطلب  إنشاء مسلخ ليس لكل 10 آلاف بل لكل  50 ألف نسمة، إضافة إلى تطوير المسالخ الموجودة، كإيجاد السيارات لنقل اللحوم".

وزاد عطية: "المشكلة ما ينتج عن الذبائح من فضلات، ودم له سرعة تحلل وتلوث بكتيري وفيروسات يمكن أن تنتشر بسرعة مهولة، ويجري التعامل في أحسن الأحوال على نقل الفضلات إلى الحاويات وسط التجمعات السكنية، وهذا خطر أيضًا".

أمراض وتداعيات

وأكد مدير دائرة الطب البيطري في جامعة النجاح الوطنية، د.سامح أبو سير، أن المسالخ تم تأسيسها لتنظيم الذبح، ولمقاومة الأمراض التي تنتقل من الإنسان إلى الحيوان، وكان أهمها سابقا مرض السل والدودة الوحيدة. فيما تمثل الأمراض التي تصل الإنسان من الحيوان 70% كإنفلونزا الطيور والخنازير والسل والحمى المالطية.

وأضاف أبو سير الذي يتخصص في صحة الأغذية واللحوم وعمل في مسلخ بلدية نابلس 18 عامًا: لدينا 3 في الضفة الغربية، ويجري في مسلخ نابلس تعيين الموظفين من البلدية، فيما تسير الأمور في البيرة بشكل مختلف، لكن طبيب اللحوم ومفتشها يجب أن يكون تابعًا للبلدية.

وتابع: تشكل عقلية المواطنين عقبة، فهم يفضلون ما يشاهدونه يذبح أمام أعينهم، حتى المثقفين منهم، ويطلب البعض مشاهدة الدماء وهي تنزف من الذبيحة، وهذه مسائل لا علاقة لها لا بالصحة ولا بالشرع. والغريب أن قسمًا من الناس يحبذون شراء اللحوم الساخنة للتأكد أنها طازجة، ولا يُقبلون على الباردة ويدعون عدم صلاحيتها.

وبّين أبو سير أن الأمراض التي تنتقل بشكل أساسي عن اللحوم المذبوحة خارج المسالخ هي في الأساس السل والدودة الوحيدة، لكن مع التقدم العلمي انتشرت أمراض عديدة بسببها، كالحمى القلاعية، والطاعون الغنمي والبقري، وصارت الحيوانات تنقل العدوى للأخرى، أو تتطور من حيوان لآخر وصولاً إلى الإنسان.

ودعا أبو سير الهيئات المحلية لاعتبار المسالخ أولوية، وتعاون جهات الاختصاص لإنجاحها، وبذل مجهود ثقافي لنشر التوعية بخطورة الذبح خارج المسالخ، التي أحبطت تجربة أحدث مسلخ في المنطقة أقيم في غزة عام 1997، وجرى إغلاقه خلال 48 ساعة لمعارضة القصابين والمواطنين.

مسلخ البيرة يعمل ساعتين يوميًا!

وحث رئيس قسم الصحة والبيئة في بلدية البيرة، د. إياد دراغمة على وضع إستراتيجية للمسالخ، فإنشائها وإدارتها ومصاريفها التشغيلية مكلفة جدًا، ولا تغطي رسوم الذبائح 20-25 % من النفقات، وخلال سنة واحدة دفعت البلدية نحو 700 ألف شيقل، وجرى تضمين المسلخ لشركة خاصة تتعاقد مع العاملين، أما الرقابة الصحية والبيطرية فتجري بإشراف البلدية، ويغطي مدن: البيرة، ورام الله، وبيتونيا، أما سردا وأبو قش وبيرزيت، وحتى أم الشرايط رغم ملاصقتها للبيرة لا تخضع للقانون، ولا يعمل مفتش الصحة في البلدية على متابعتها.

وكشف أن بلدية البيرة خلال تدشين المسلخ بحضور وزير الحكم المحلي خالد القواسمي، بينت أن طاقاته تستوعب كامل المحافظة، وهو لا يعمل اليوم بين ساعة  وساعتين يوميًا، ومعدل ما يجري ذبحه يوميًا 50 عجلاً و15 خاروفًا بالمعدل، في المدن الثلاث، تصل 40 ملحمة.

وجدد التأكيد :" بوسع مسلخ البيرة استيعاب كامل المحافظة اليوم، وتواصلنا مع بلديات الرام وعناتا ومناطق القدس لاستيعاب ما يذبح فيها، وأبدينا الاستعداد لإيصال اللحوم لها، لكن لم نسمع استجابة من أحد".

وقالت عضو مجلس بلدي بيتونيا المنتخب نها زهران إن بلديتها  ملتزمة باتفاق الذبخ في مسلخ البيرة،  وتمنع الذبح العشوائي، لكن الناس  تقدم بشكل فردي على الذبح العشوائي في المناسبات.

وأكدت زهران أن القوائم المتنافسة لم تتطرق إلى مسألة المسلخ في أي منها، حتى ينتشر الوعي بين المواطنين، وتنتشر ثقافة الذبح داخل المسالخ، وتعميم المعرفة والثقافة.

ظروف غير صحية لتربية الحيوانات

وأوضح مسؤول تحرير (آفاق) جورج كرزم إلى أن تحقيق المجلة ركز على التداعيات الصحية والبيئية لذبح الحيوانات العشوائي، لكن لا يجب إغفال طريقة تربيتها، فالكثير من الأمراض الفيروسية والبكتيرية التي تنتقل من الحيوان إلى الإنسان يعود سببها  إلى ذلك، والعديد من مزارع الدواجن والحيوانات الكبيرة يحشر أصحابها عددًا كبيرًا منها في مساحات صغيرة، وبشكل كثيف، ونجد أحياناً الحيوانات تقف على روثها وبرازها.

وقال: "هناك تعامل شرس مع الحيوانات، ويجري احتجازها في مساحات صغيرة، وأحيانًا  يكون هناك نوع من العنف، ما يؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة لديها، وبالتالي تنتشر أمراض بكتيرية وفيروسية".

وأكد كرزم، أن طرق التربية السيئة تدفع مربين لاستخدام مضادات حيوية لأغراض غير طبية، وهرمونات نمو لتسريع زيادة الوزن، بالرغم من عدم مرضها، متناسين أن سبب المرض يعود في كثير من الأحيان لطريقة التربية، ما يستدعي تطوير رقابة بيطرية جدية صارمة في المزارع، وليس فقط في المسالخ.

وقال رئيس بلدية سيلة الظهر، فتحي أبو عصبة، إن البلدية ترغب بإنشاء مسلخ، خاصة في ظل وجود 11 ملحمة تذبح يوميًا 20 عجلًا ومثلهم من الخراف، ولكن المشكلة الكبيرة التي تعيق ذلك، عدم توفر الإمكانات المادية لتشغيله، كما أن قصابي البلدة لا يستطيعون توفير كافة المصاريف التشغيلية بمفردهم، حتى لو تم افتتاحه.

وأضاف: "وصل البلدية سابقًا تعميم من "الحكم المحلي" للإلزام بالذبح في جنين، لكن تكاليف إرسال الحيوانات وجلب اللحوم يكلف 500 شيقل للعجل الواحد، والذي مع وجود مضاربات بين التجار يصبح الأمر غير مجدٍ اقتصاديًا".