رمضان يدق باب غزة هذا العام بخجلٍ وحياء

رمضان يدق باب غزة هذا العام بخجلٍ وحياء
رام الله - دنيا الوطن- محمد أبودون
في الأعوام الماضية لم يكن المواطن الغزي بحاجة لمتابعة الفضائيات وأخبارها؛ ليعرف موعد قدوم شهر رمضان المبارك، فجولة واحدة في الأسواق والأماكن العامة، ورؤية ما فيها من زينة واِزدحام المواطنين وحركة البيع والشراء النشطة، هذه المظاهر وغيرها التي تُعد من الملامح والسمات المرتبطة برمضان، كانت كافية لإشعار وإعلام أي مواطن بقدوم الشهر الفضيل.

لكن الحال هذا العام يبدو مختلفًا عن سابقيه، فالركود هو حال أسواق غزة، والكساد سمةَ بضائعها، والفقر وضيق الحال هو الملازم لمواطنيها، مشاهدُ الفرح والبهجة بقدوم هذا الشهر تبدو منزوعةً هذا العام من ملامح كل من يقطن بين جنبات هذا القطاع المحاصر.

أسواق خالية

"دنيا الوطن" تجولت في سوق مخيم جباليا الشعبي الذي كان شبه خالٍ من المواطنين على غير عادته في مثل هذه الأيام من كل عام، واِلتقت خلال جولتها بالحاج أبو محمد شاهين الذي بدت عليه علامات الحزن والبؤس الشديد لما يعانيه من واقعٍ صعب يمنعه من توفير متطلبات الشهر الكريم لعائلته.

وأمضى شاهين وقتًا طويلًا متجولًا بين شوارع السوق، رغبةً منه في شراء بعض السلع والأطعمة منخفضة الثمن والموائمة لما يمتلكه من مال، علهُ ينجح في سد رمق عائلته المكونة من عشرة أفراد في أول أيام الشهر الفضيل.

حال المواطن إسماعيل موسى لم يختلف كثيرًا عن حال سابقه حيث قال: "إن احتياجات أسرته طيلة شهر رمضان كثيرة، ومع وجود الأزمات المعيشية المختلفة أصبح غير قادر على تلبيتها كافة"، وبين أن الأزمات تتنوع بين أزمة الموظفين والرواتب وأزمة الكهرباء وأزمة المعابر وأزمة غاز الطهي وغيرها الكثير.

ويضيف موسى العاطل عن العمل في الفترة الحالية "أشعر أن رمضان هذا سيكون مختلفًا ووضعه أصعب، نظرًا لحالة التضييق والخنق التي تعيشها غزة في كل المجالات"، وما زاد الطين بِلة بحسب ما يوضح موسى هو إغلاق عدد من الجمعيات والمؤسسات الإنسانية التي كانت تقدم لهم المساعدة والمعونة خلال شهر رمضان.

تراجع القوة الشرائية

ولاحظ مُعد التقرير خلو الكثير من المحلات التجارية المختصة ببيع المواد الغذائية من الزبائن، فتوقف عند محل التاجر أبو يوسف الذي كان يقف على باب متجره وعلامات الاستياء والتذمر واضحة على وجهه، وسأله عن تقييمه لحال موسم رمضان هذا العام، فأجاب بصورة ساخرة "أي يوم عادي من أيام السنة أحسن من هاليوم".

وتابع "الأسعار منخفضة جدًا والإقبال ضعيف، ويكاد يكون معدوم في بعض الأوقات، يكمل نلجأ لعرض بعض السلع بثمن أقل من المتعارف عليه، وأحيانًا يكون أقل من سعر التكلفة لجذب المواطنين للشراء، لكن لا نتيجة  فالمواطن لا يمتلك السيولة الكافية للشراء".

وعلى مقربة من محل أبو يوسف يقع محل التاجر أبو رامي وهو يبيع البضاعة بالجملة والتجزئة "مفرق"، الحالة عند أبو رامي تبدو أسوأ، كون أن كَماً كبيراً من بضاعته التي اِستوردها قبل أشهر تحضيرًا لهذا الموسم مكدس في المخازن، ومعرض للتلف في أي لحظة.

ويشير أبو رامي إلى أنهم لم يشهدوا سوءً في حالة الأسواق بهذا الحد منذ أكثر من عشرين عامًا.

يتحدث قائلًا "حتى على صعيد تجارة الجملة الوضع صعب، فأصحاب المحال الصغيرة والبقالات يكتفون بشراء كميات قليلة من الأصناف المختلفة، خوفًا من تعرض البضائع للتلف لعدم توفر وسائل الحفظ الآمن لها".

أزمات متنوعة

ومن جهته، يقول المتابع للاقتصاد المحلي ماهر الطَباع: "إنه من المتعارف عليه أن معدلات الاستهلاك ترتفع من قبل أهالي القطاع في شهر رمضان الكريم، مما يشكل عبئًا اقتصاديًا إضافيًا على كاهل المواطنين محدودي ومعدومي الدخل، حيث تزيد احتياجاتهم وتتضاعف مصروفاتهم في هذا الشهر الكريم من خلال ما يتم إنفاقه على الموائد الرمضانية المختلفة والالتزامات الاجتماعية والعائلية".

ويضيف "يأتي رمضان هذا العام في ظل  تفاقم أزمة البطالة والفقر في غزة"، وينوه إلى أن معدلات البطالة ارتفعت بشكل جنوني في الفترة الأخيرة حيث اِقتربت النسبة من 41%، وبلغ عدد العاطلين عن العمل أكثر من 200 ألف شخص في قطاع غزة خلال الربع الأول من عام 2017، وينسب الطَباع تلك الاحصاءات والنسب لمركز الإحصاء الفلسطيني ولتقارير منظمة العمل الدولية.

يشار إلى أن قطاع غزة يعاني حصارًا خانقًا منذ أكثر من عشر سنوات، ويبلغ مستويات عالية من فترة لأخرى، وتعد المرحلة الحالية التي يعيشها السكان من أكثر المراحل سوءً وسوداوية.

ويتسبب في ذلك عدد من العوامل، أهمها الخصم الذي طال رواتب موظفي السلطة الفلسطينية على مدار شهرين متتاليين وبلغت نسبته المتوسطة 30% من مجمل الراتب، وكذلك تجميد العمل في عدد من مقرات المؤسسات التي تُعنى بالعمل الإغاثي والإنساني، ويُضاف إلى ذلك الإغلاق المستمر لمعبر رفح وأزمة الكهرباء المتواصلة.

التعليقات