مطالبات بإعادة بناء الحركة الوطنية على أساس إستراتيجية جامعة

مطالبات بإعادة بناء الحركة الوطنية على أساس إستراتيجية جامعة
رام الله - دنيا الوطن
أجمع حشد من السياسيين والأكاديميين والنشطاء على وجود مأزق تعاني منه الحركة الوطنية الفلسطينية والنظام السياسي، يتمثل في الانقسام الفلسطيني وتآكل الشرعيات ووصول الخيارات المعتمدة إلى طريق مسدود. وأكدوا أن الخروج من هذا المأزق يتطلب دراسة التجربة السابقة والاستفادة من الخبرات والفرص، والعمل على بلورة إستراتيجية وطنية جامعة تتضمن إعادة تعريف المشروع الوطني وأهدافه الإستراتيجية، وإعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية، بما في ذلك مؤسسات منظمة التحرير والسلطة الوطنية، بما يكفل تجديد القيادة وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية على أساس الشراكة السياسية الحقيقية.

جاء ذلك خلال لقاء حواري نظمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) في مقريه في البيرة وغزة، عبر "الفيديو كونفرنس"، واستضاف فيه الكاتب السياسي ماجد كيّالي. وقد أدار الحوار في البيرة هاني المصري، مدير عام مركز مسارت، فيما أداره في غزة صلاح عبد العاطي، مدير المكتب هناك.

وقال المصري إننا أحوج ما نكون إلى إعادة بناء الحركة الوطنية، وهذا العمل يقع على عاتق الجميع بلا استثناء، أفراد ومؤسسات ومراكز وقوى. وطرح مجموعة من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات: هل نحن بحاجة إلى مشروع وطني جامع للفلسطينيين؟ هل هناك إمكانية لإعادة البناء، أم الأفضل تأسيس حركة وطنية جديدة، أم أن هذا مستحيل؟ هل يحتاج إعادة البناء إلى فك وتركيب الحركة الوطنية، أم إلى تجديد المشروع الوطني وفكره وأدواته وخططه؟  هل المطلوب التخلي عن برنامج الدولة الفلسطينية وتبني برنامج الدولة الواحدة، أم يمكن الجمع بين الاثنين، وكيف؟

وقدم كيالي تشخيصًا للواقع الفلسطيني الذي يعاني من مأزق شامل، داخل الوطن وخارجه في الشتات. ويتمثل هذا المأزق بتعمق المشروع الاستعماري الاستيطاني، والانقسام الفلسطيني، وما أدى إليه كل ذلك من تراجع مكانة القضية الفلسطينية، وضعف الحركة الوطنية، وعدم القدرة على تجديد الفكر السياسي، وتآكل شرعية النظام السياسي والمؤسسات الفلسطينية، إضافة إلى تعثر خيار التسوية والدولة. واعتبر أن هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل ترافقت مع نشوء الحركة الوطنية منذ بداياتها التي افتقرت إلى الديمقراطية والمؤسسية، وكانت معتمدة على دول معينة.

وأشار كيالي إن هذا المأزق نجم عن غياب الرؤية السياسية الجامعة، وتآكل الكيانيات الفلسطينية وتقادمها، بما فيها السلطة الوطنية ومنظمة التحرير والفصائل، إلى جانب إخفاق الخيارات الفلسطينية المطروحة، فلا خيار أوسلو والمفاوضات أوصلنا إلى إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة، ولا خيار المقاومة المسلحة حقق الأهداف الفلسطينية.

كما تطرق كيالي إلى المأزق الذي تعاني منه المؤسسات الفلسطينية، فالمجلس الوطني لم يعقد اجتماعًا منذ أكثر من 20 عامًا، بينما حلت السلطة محل المنظمة ومحل حركة التحرر. أما حركة فتح، فلم تقم بنقد ذاتي لتجربتها وأدائها، فمنذ عقد مؤتمريها السادس والسابع لم تقم بمراجعة الإخفاقات التي رافقتها خلال تلك الفترة، ولم تقيم وضعها بعد خسارتها في الانتخابات التشريعية في العام 2006. كما أن "حماس" لم تقدم أي جديد في وثيقتها السياسية الأخيرة التي عملت عليها لأربع سنوات، فهي أشبه بالميثاق الوطني الفلسطيني، ولم تقدم مراجعة لتجربة حكمها في قطاع غزة، عدا عن فصائل المنظمة الأخرى التي تآكلت وتقادمت ولم تطرح برامج وخيارات سياسية بديلة.

ونوه إلى أن هذا المأزق ينذر بضياع القضية الفلسطينية، لا سيما في ظل نشوء سرديات أخرى تزاحم السردية الأساسية القائمة على أساس أننا شعب فلسطيني له تاريخ واحد، وإذا لم يعد هناك شعب فلن تكون هناك قضية فلسطينية، وبالتالي ضياع الفلسطينيين.

ودعا كيالي إلى تضافر الجهود من أجل تشكيل الرؤية الوطنية الجامعة وإعادة بناء الكيانات الفلسطينية من خلال النقاش والحوار بين الفلسطينيين في مختلف تجمعاتهم وأماكن تواجدهم، في المؤتمرات والندوات ومراكز التفكير والمؤسسات، والخروج من دائرة التفكير الفصائلي والحزبي الضيقة والانتقال إلى دائرة التفكير الوطني الجمعي، مشيرًا إلى أننا نفتقد إلى مصادر لإنتاج الفكر السياسي باستثناء ما يقوم به أفراد أو مراكز معينة، ومشيدًا في نفس الوقت بالدور الذي يلعبه مركز مسارات باعتباره مركز تفكير إستراتيجي في إنتاج السياسات والبدائل وطرح الرؤى ومحاولته الإجابة عن سؤال ما العمل.

ودعا الحضور إلى ضرورة المساهمة في إنتاج الفكر السياسي بما يسهم في بلورة إستراتيجية وطنية تعالج القضايا والمشكلات التي تعصف بالقضية الفلسطينية، لا سيما أنها في أسوأ حالاتها في ظل المتغيرات العربية والحديث عن الحلف العربي الأميركي الإسرائيلي في مواجهة "الإرهاب" والخطر الإيراني، وفي ظل الاختلال الفادح في ميزان القوى لصالح المشروع الصهيوني الاستعماري الإحلالي، وإمعان إسرائيل في تطبيقه من خلال المزيد من الإجراءات وفرض الأمر الواقعي الاحتلالي.

واختلفت آراء الحضور، فمنهم من طالب بضرورة ترميم بناء الحركة الوطنية من خلال مراجعة التجربة السابقة، بينما رأى بعض آخر أنه الإصلاح لم يعد كافيًا، ولا بد من بديل أو بناء جديد يلعب الشباب دورا رياديا فيه. كما طالب بعض الحضور بمواصلة العمل في المساحة التي تتوفر خارج المنظومة السياسية التقليدية، مثل لجان حق العودة والمقاطعة والحراكات الشبابية.