الالاف يشاركون بتظاهرة شعبية حاشدة في مدينة الحسيمة

دنيا الوطن - طارق ليساوي
شهدت مدينة الحسيمة (شمال المملكة المغربية) يوم الخميس 18 ماي تظاهرة شعبية حاشدة شارك فيها الآلاف من السكان، وذلك كرد ميداني على اتهامات الحكومة و معها أحزاب الأغلبية الحكومية لحراك الريف بالانفصال ...و الواقع أن الدولة لم تكتفي بإطلاق الاتهامات الانفصالية بشكل يخلو من الحكمة و ضبط النفس، بل عملت على عسكرة المنطقة و إرسال تعزيزات أمنية إلى المنطقة، بدلا من فتح باب الحوار الحقيقي و المثمر مع أهلنا بالريف خاصة ومجموع المغاربة عامة.

حراك الريف هو امتداد لحلم بناء الدولة الديمقراطية الدولة التي تحترم كرامة كل مواطنيها، بدلا من الدولة الإقطاعية - الأوليغارشية، التي تعامل مواطنيها بمنطق العبيد الذي عليهم واجبات فقط، هذه الدولة التي تصم الآذان عن كل المطالب المشروعة لعموم المواطنين المغاربة، وتحتج كما هو العادة بالظرفية الاقتصادية أو بمحاربة الإرهاب و التطرف و الحفاظ على الوحدة الترابية، والأعذار لا تنتهي.

كلنا ندرك أن واقع المملكة لا يبشر بخير، ولا طالما رفعنا صوتنا بضرورة الإصلاح و التغيير، و التوقف عن النهج الاستبدادي و الأسلوب  التيوقراطي في الحكم، ظروف المغرب و توالي الأحداث الدامية من انتحار عدد من المواطنين بفعل " الحكرة و القهر" و طحن المواطن "محسن فكري" بشكل درامي، و وفاة الطفلة "إيديا" لعدم توفر "سكانير " في بلد ينفق بترف ناذر على مهرجان موازين الذي لا علاقة له بالفن أو الثقافة أصلا، كل هذه الأحداث و المفارقات  تؤكد بأن المغرب من أكثر بلاد الإقليم العربي هشاشة وتخلفا وفقرا... شبابنا يرمي نفسه في غياهب المجهول، من أجل غد أفضل لا وجود له إلا في مخيلته، و ما كان له لان يقدم على الهجرة السرية أو الزواج الأبيض"أو الأسود بالأحرى"  إلا هروبا من شبح البطالة والفقر، الذي استوطن البلاد منذ حصولها على الاستقلال.

تحية لإخواننا بالريف فقد أثبتوا وطنيتهم و مدنيتهم العالية، و الواقع أن الريف كان ولازال أيقونة النضال السلمي و العسكري، فمن منا ينكر دور المناضل التاريخي "عبد الكريم الخطابي" و حروبه ضد المستعمر الاسباني، فإذا كانت وسائل الإعلام المغربية ومعها باقي مؤسسات التنشئة الاجتماعية، قد غضت الطرف عن المقاومة الريفية بالأمس، وعن التظاهرات السلمية الحضارية اليوم، فان وسائل الإعلام الأجنبية جعلت من الريف عبارة متداولة كونيا..كما أن  كتب التاريخ الجادة ذكرت و خلدت بإجلال المقاومة الريفية، ويكفي فخرا أن المقاومة الصينية بزعامة "ماو"، قد استلهمت حرب العصابات من المقاومة الريفية بزعامة عبد الكريم الخطابي.

لا نريد منطق التخوين و إطلاق الاتهامات جزافا، فالمغرب من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، يتطلع إلى التغيير الحقيقي و ليس الصوري، فالاستبداد السياسي و القبضة الأمنية والفساد المستشري في هياكل الدولة من الرأس إلى القدم، كلها أمور تجعل من التغيير أمرا حتميا، فالبلاد ليس في حاجة إلى إصلاحات شكلية على غرار ما حدث بعد الحراك الشعبي لحركة  20 فبراير  2011 ، و التي بدورها تعرضت لنفس الاتهامات بالانفصال و تنفيذ أجندات أجنبية، التحدي الذي يواجه المغاربة هو الحفاظ على سلمية الاحتجاج وعدم الانجرار إلى سياسة الأجهزة الأمنية و دوالب الدولة العميقة، التي تسعى إلى عسكرة هذه الاحتجاجات ، ندرك جميعا أن الشعب المغربي على الرغم مما يقال فهو شعب على درجة كبيرة من الوعي و له القدرة على التمييز بين الحق و الباطل.

فمن الباطل أن تنهب ثروات البلاد دون حسيب أو رقيب، ومن الباطل ألا يحاسب المسئولين عن فشل السياسات العمومية طيلة العقود الماضية، فالمغرب في ستينات القرن الماضي كان مستواه التنموي يعادل ماهو مسجل في كوريا الجنوبية وتركيا مثلا.. فلننظر إلى حال هذه البلدان وإلى واقع المغرب التنموي المرير، الذي لازال فيه المواطن المغربي يكابد عناء الحصول على لقمة عيش تحفظ وجوده، و إن كانت دون شك على حساب أدميتهم وكرامتهم الإنسانية.

الواقع أن مفارقات المغرب كثيرة ومحزنة ، فالبلد بالرغم من توفره على موارد طبيعية وجغرافية وبشرية هائلة، فهو يعيش مستويات غير مسبوقة من الفقر و التخلف و التوزيع الغير عادل لثروات البلاد.. مطالب أهلنا في الريف و غيرها من المناطق، التي لم تسلط عليها وسائل الإعلام عدساتها، مطالب مشروعة وهي نتاج طبيعي للفساد و الاستبداد وغياب الكفاءة في إدارة شؤون الدولة، و غياب الديمقراطية والمشاركة الشعبية في صياغة وتنفيذ السياسات العمومية.

نود بكل صدق تجنيب البلاد الدخول في نفق مسدود، و نستطيع التأكيد على أن مستقبل البلاد وفق التوجه السياسي الحالي لا يتجه  إلا نحو هذا  النفق المسدود، و إذا كانت السلطة في 2011 قد وجدت من تحاوره ، فان تجربة ما بعد 2011 و ما صاحبها من انتكاسات حقوقية وديمقراطية و الالتفاف على شركاء الأمس، جعلت من أي وعد تقدمه الدولة لا يحظى بالمصداقية، بل إن الإصرار على تجريف ما تبقي من الأحزاب سياسية الوطنية –بالرغم من عجزها و ضعف فعاليتها و خدمتها للنظام المخزني– و تقزيم هيئات المجتمع المدني لن يقود إلا لمواجهة مباشرة بين الدولة و الشارع.

من المؤكد أن نسائم الربيع المغربي و معه العربي قادمة لا محالة، لكن على خلاف ما حدث في 2011 و ما بعدها، فان الشارع المغربي والعربي تعلم دروسا وعبرا سوف تعينه دون شك في اقتلاع جذور الاستبداد و الفرعونية السياسية ، وصياغة مستقبله بيده بعيدا عن وصاية الحكام و حلفاءهم الأجانب.
و إلى ذلك الحين لا يسعنا إلا التأكيد على أن الحفاظ على سلمية الاحتجاج واستمرار الاحتجاجات السلمية في الزمان و المكان هو الضمانة الفعلية لتغيير الواقع المعتل، و صياغة ذاك المستقبل المشرق الذي ننشده جميعا، والله غالب على أمره.