ريهام العماوي.. إحساس إبداعي مرهف وريشة موهوبة تقطر فنا خلاقا

ريهام العماوي.. إحساس إبداعي مرهف وريشة موهوبة تقطر فنا خلاقا
رام الله - دنيا الوطن
الموهوبون هم أولئك الأشخاص الذين لم ينظروا للحياة كغيرهم، فهم يتميزون بامتلاكهم مؤهلات ومهارات في مجالات محددة تجعل منهم محط أنظار الآخرين، تراهم يتألقون ويبدعون ويضيفون للواقع معنى جديدا وبصمة خاصة تعبر عن أثرهم في الحياة، دوما ما يظهرون الجانب المشرق للأشياء التي تخفى عن الكثيرين، لذا فإنهم يستحقون أن يحظوا بقداسة الفن، وأصالة الإبداع، وأن ينالوا تقدير واحترام كل من عرفهم أو سمع بهم أو أبصر فنهم.

ولعل المبدعة ريهام العماوي خريجة اختصاص الفنون والحرف اليدوية من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية هي أنموذج خاص للرسام المرهف الحس صاحب الريشة التي تقطر فنا جميلا قل ما نراه في يومنا الحالي بالمجتمع الفلسطيني وربما في المنطقة المحيطة، كيف لا وقد بدأت موهبتها تظهر وهي في مراحل عمرها الأولى عندما اكتشفها والدها واللذان لم يبخلا عليها بأي دعم أو مساندة ووضعا قدمها على أولى خطوات التميز والإبداع.

موهبة مبكرة

وتقول العماوي: "أذكر عندما كنت بالسابعة أنني كنت شغوفة بالرسم على أي ورقة تقع تحت يدي، وأمضي الساعات الطويلة في رسم الأشياء المختلفة التي أراها سواء في الشارع أو التلفاز أو المدرسة، ولعل امتلاكي لذاكرة فوتوغرافية قوية هو ما ساعدني على تذكر الوجوه بأدق تفاصيلها، لذا لم أكن أجد صعوبة في رسم وجوه الأشخاص الذين ألتقيهم ولو لمرة واحدة، وعندما كانت أسرتي لا تجدني على مائدة الطعام أو ألهو مع إخوتي يعرفون أنني منشغلة بهوايتي المميزة".

وتضيف العماوي: "حظيت دوما بدعم مميز من والداي وأفراد أسرتي، فقد كنت أشركهم في رؤية الرسومات البسيطة التي أرسمها بين الفينة والأخرى، وأتلقى منهم تشجيعا كبيرا وأستمع إلى ملاحظاتهم على أداءي أو الألوان التي استخدمتها، وهو ما عزز ثقتي في نفسي ومنحني قوة شخصية منذ مرحلة مبكرة في حياتي، وولد داخلي طموحا كبيرا أن أنمي هذه الموهبة وأن أمتلك كافة المهارات التي تجعل مني رسامة محترفة".

بين الكبار

وتذكر العماوي: "في مرحلة الدراسة الإعدادية وجدت احتضانا كبيرا من السيدة سلوى الصوالحي مدرسة الفنون التي كانت مؤمنة بموهبتي وتدفعني دوما للمشاركة في المسابقات الفنية المختلفة على مستوى محافظة رفح، وبدأت رسوماتي ولوحاتي المختلفة تظهر في أماكن مختلفة، ووصل اسمي لمسامع الكثير من الأشخاص الذين كانوا يتفاجؤون من تلك الصغيرة الموهوبة، لذا شعرت بعظم المسئولية، وحلمت بذلك اليوم الذي أوصل للعالم فيه قضية وطني وشعبي عن طريق ريشتي".

وتفيد العماوي: "لقد شهدت مرحلة الثانوية العامة في حياتي حدثين متناقضين، أولهما كان في قمة الروعة، والآخر سبب لي حزنا عميقا غير مسبوق، فتمثل الحدث الأول بافتتاحي لأول معرض صور في مسيرتي الفنية بدعم من منتدى شارك الشبابي، والذي شكل نقلة نوعية في حياتي كرسامة موهوبة وأتاح لي فرصة الالتقاء بكم كبير من الرسامين الكبار الذي أغدقوا عليا بعبارات الدعم والمساندة والنصائح البناءة التي وجدت أثرها في حياتي الفنية".

حدث غير متوقع

أما الحدث الآخر الذي واجهته العماوي في تلك المرحلة هو عدم تمكنها من اجتياز مرحلة الثانوية العامة لإخفاق غير متوقع في الامتحان النهائي لأحد المقررات، وهو ما حرمها من تحقيق حلم حياتها بدراسة الفنون الجميلة، وأدخلها في حالة نفسية صعبة وكأن الدنيا أظلمت من حولها، إلا أنها لم تستغرق وقتا طويلا حتى تنفض غبار هذه الكبوة وتعود من جديد لاجتياز مرحلة الثانوية العامة وتبدأ الدراسة الجامعية في اختصاص الفنون والحرف اليدوية بالكلية الجامعية للعلوم التطبيقية في العام 2014.

وتعلق العماوي قائلة: "أردت أن أثبت للجميع أن مرحلة الثانوية العامة ليست المقياس الحقيقي والنهائي لنجاح الإنسان، وأكدت ذلك من خلال الالتحاق بمؤسسة أكاديمية مرموقة وفي اختصاص يحقق لي طموحي، وبدأت في دراسة الفنون بطرق أكاديمية علمية وعلى أسس مهنية صحيحة وتحت يدي مدرسين ذوي خبرة وكفاءة عالية، فكانت الانطلاقة الحقيقية من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية إلى عالم الفن التشكيلي".

تحدي كبير

ولعل محل إقامة العماوي في محافظة رفح جنوب قطاع غزة التي تبعد ما يزيد عن 40 كيلو متر عن مقر دراستها في الكلية الجامعية بمدينة غزة كان يستنزف منها جهدا كبيرا وطاقة ليست بالهينة، حيث كانت تضطر إلى الخروج من منزلها بعد صلاة الفجر والركوب في المواصلات العامة لتتمكن من إدراك المحاضرة الأولى، وهذا كله لم ينل من عزيمتها مطلقا، فكانت دوما تحدث نفسها قائلة: "اصمدي يا ريهام فأنتي إنسانة قوية وطموحة وصاحبة حلم وهدف، ومن وراء هذا التعب ستحققين كل أحلامك وأمنياتك".

 وواصلت العماوي إبداعاتها في المشاركة بالمعارض والمسابقات الفنية المختلفة، وكانت دوما ترى تطورا ملحوظا في أداءها وتقدما في موهبتها بعالم الفن، وتحرص كذلك على تغذية نظرها باستمرار وتستفيد من أعمال الفنانين الكبار، حتى وصلت إلى مرحلة الرسم على طريقة المدرسة السريالية التي تعتبر من أصعب المدارس الفنية، وهي عبارة عن الرسم من واقع الخيال الشخصي، وأبدعت العماوي في هذا التحدي الصعب لإيمانها الكامل بعدم إمكانية تجرعها كأس الفشل مرة أخرى في حياتها.

انطلاقة حقيقية

وشهد العام 2016 تخرج العماوي من الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية وحصولها على درجة الدبلوم في اختصاص الفنون والحرف اليدوية، ولم تواجه صعوبة في الاندماج المباشر في سوق العمل، فهي موهوبة بالفطرة وتمتلك المؤهلات القوية التي تميزها وتساعدها على هذا الأمر، حيث انتشرت العديد من أعمالها الفنية في السوق الغزي وبوقت قياسي، وبدأ اسمها ينتشر أكثر فأكثر في الأوساط المحلية حتى باتت علامة فارقة في ميدانها الخاص.

وشاركت العماوي في العديد من المعارض الفنية على مستوى قطاع غزة والضفة الغربية، وحصلت على دعوات للمشاركة في معارض خارجية وورش عمل في العديد من دول أوروبا، ولكن الإغلاق الدائم للمعابر الحدودية حرمها من هذه الفرص، ولكنه لم يقتل لديها الأمل والطموح والرغبة في التحدي، لذا فهي تفخر بافتتاحها مشروعها المميز الذي يحمل اسم Artist Reham ويضم أبرز التحف الفنية التي أبدعتها وتلك التي تحملها في مخيلتها وستجسدها واقع مرئيا يسعد كل من يراه أو يبصره ويطلع عليه.

وتنصح العماوي المواهب الشابة في المجتمع الغزي أن تناضل دوما للحفاظ على موهبتها وألا تسمح للظروف القاسية والواقع الأليم الذي يعيشونه بفعل الحصار والإغلاق وشح الموارد أن يقتل مواهبهم وإمكاناتهم، وأن يؤمنوا دوما أن المحنة يأتي من بعدها منحة كبيرة، وأن يوصلوا فنونهم وإبداعاتهم إلى من حولهم بكل السبل المتاحة، وأن يؤمنوا بأنهم قادرين على تقديم الأفضل دائما لوطنهم ومجتمعهم.