القدس: المدمنات على المخدرات بين "وصمة" العار وغياب العلاج

القدس: المدمنات على المخدرات بين "وصمة" العار وغياب العلاج
صورة تعبيرية
خاص دنيا الوطن ـ محمود الفطافطة
تعد ظاهرة الإدمان ظاهره عامة، وإدمان المخدرات خاصة من المشاكل الخطيرة التي تهدد صحة الشباب النفسية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية، ومجتمعنا الفلسطيني حاله حال المجتمعات الأخرى يعاني من هذه الآفة الفتّاكة والتي تتجلى خطورتها فيما تحدثه من أضرار خطيرة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع.

وأصبحت هذه المشكلة يلمسها جميع أفراد المجتمع الفلسطيني بكافة فئاته، وقد أظهرت عدة دراسات بأنه يوجد ما يقارب 5000 مدمن في مدينة القدس وضواحيها، وأن هناك تنامي وانتشار في مشكلة المخدرات في الأراضي الفلسطينية بزيادة سنوية 2.41% بعدد متعاطي المخدرات الجدد في الأراضي الفلسطينية بواقع 2.43% في الضفة الغربية و2.39% في قطاع غزة.

حالات يُخشى تكاثرها!

ولأن كل الدراسات والأدبيات التي تطرقت لمشكلة إدمان المخدرات في المجتمع الفلسطيني، أهملت قضية إدمان النساء من حيث العدد والأسباب وبعض المتغيرات، فإن مركز القدس للنساء عمل على تحديث للبيانات المتعلقة بمشكلة إدمان النساء في محافظة القدس، وذلك من خلال دراسة أعدتها الباحثة عفاف ربيع.

 الدراسة تظهر أن المشكلة في تغيير مستمر وتزايد وتحمل في طياتها التغير على مستوى النوع والعمر، بحيث أصبح المدمنات أصغر سناً. وتذكر أنه لا يوجد احصاءات محددة لعدد المدمنات من النساء سواء في القدس أو الضفة، مع الإشارة إلى أنها أعداد قليلة ولكنها مقلقة. وتبين هذه الدراسة أن أنواع المخدرات الأكثر ادماناً بين النساء تتمثل في: الحشيش، والهرويين، حبوب مهدئات، حبوب الإكستازي.

أما بخصوص سمات النساء المدمنات في محافظه القدس، فتذكر الدراسة أن الغالبية متزوجات والبعض مطلقات ولديهن أطفال، وتعليمهن للمرحلة المتوسطة، ويعشن في أسر أحد أفرادها مدمن ( الأخ ، الأب ، الزوج )، وينتمين لأسر غير مستقرة اجتماعياً واقتصادياً، إلى جانب تعرضهن لكافه أشكال العنف من قبل أفراد الأسرة، والبعض تعرضن لتحرشات واعتداءات جنسية من داخل وخارج الأسرة.

احتراق ودوافع!

وتوضح الباحثة ربيع أن غالبية النساء اللواتي وصلن لمقدمي الخدمات العلاجية والإرشادية كن في مرحلة الاحتراق "مرحلة متقدمة من الإدمان"، وأن البعض ارتبط إدمانها بسلوكيات تتسم بالانحراف وغير مقبولة اجتماعيا لتدبير ثمن المخدرات، في حين أن متوسط العمر لدى النساء المدمنات تراوح ما بين 20- 35 سنة.

وتظهر الدراسة أن السبب الرئيس في عدم توجه النساء لطلب المساعدة هو الخوف من النظرة الاجتماعية "الوصمة" والخوف من إنهاء حياتهن، موضحة أن مع الإدمان ظهرت اضطرابات ذهنية وزيادة في القلق واكتئاب ومشاكل نفسية متعددة، منوهة إلى أن هناك ثمة علاقة بين الحالة الزوجية والجريمة، حيث إن النساء المضبوطات على قضايا مخدرات هن على الأغلب زوجات لتجار مخدرات.

وبخصوص دوافع إدمان النساء على المخدرات، فإن الدراسة تبين أهمها، وهي: المشاكل العائلية والعنف الأسري الموجه لهن بكافة أشكاله، العلاقات العاطفية مع شباب لهم علاقة مع المخدرات سواء تعاطي أو ترويج، الأغرار بالنساء لتجربة المخدرات وخاصة من الزوج، وذلك إما من أجل المتعة الجنسية أو لاستغلال المرأة من أجل تدبير نفسه بالمخدرات "استغلالها جنسياً"، الجهل وعدم الوعي، الفضول والعلاقات مع الجنس الآخر، مداواة النفس من المشاكل النفسية والاكتئاب والتغلب على الفشل في إسعاد الذات، القصور في رعاية الذات لدى المدمنين، مرور المرأة بأزمات نفسية نتيجة ما تعانيه من ضغوطات مختلفة، إضافة إلى وجود بعض الاضطرابات النفسية في الشخصية، علاوة على وجود بعض المعتقدات الخاطئة من أن المخدر سوف يجلب لها القدرة الخارقة. 

معيق وحالات

وفي تطرقها إلى أهم المعيقات والتحديات التي تواجه علاج وطلب المساعدة عند النساء المدمنات، فالدراسة تعدد أهمها في الآتي: انعدام الخدمات الخاصة بعلاج إدمان النساء وندرة المختصين، الخوف من العائلة بإنهاء حياتها، الخجل وعدم إدراك المشكلة، الوصمة الاجتماعية وعدم تسامح المجتمع مع قضيه إدمان المرأة واعتبارها عار وليس مرض، الطبيعة البيولوجية للمرأة وعلاقتها بفترة الانقطاع عن المخدرات والحالات المزاجية المتقلبة التي تمر بها، التوقعات العالية من المرأة للدور الذي تقوم فيه داخل أسرتها يجعلها تحاول إخفاء إدمانها، وعدم المعرفة بالخدمات المتوفرة وكيفية التوجه.

وفيما يتعلق بالمحاولات العلاجية عند النساء المدمنات، فتبين الدراسة أن عند البعض ذاتية، وذلك بسبب الخوف من افتضاح أمرهن، وكذلك عدم ثقتهن بالمتوفر من الخدمات، إن توفرت؛ علماً بأنه لا توجد خدمة متخصصة للنساء. أما الخدمات المتوفرة لعلاج إدمان النساء في المجتمع الفلسطيني، فتوضح الدراسة أنها تنحصر بمركزين للذكور وغير مؤهلين لتقديم الخدمة العلاجية لكلا الجنسين؛ علماً بأن استقبال الحالات مقتصر فقط على للذكور إلا في حالات استثنائية، إذ يتم استقبال نساء مدمنات، مبينة أن برامج العلاج البديل، سواء في القدس أو الضفة الغربية، لم يتم الاستفادة لأي سيدة.

الدراسة أوردت بعض حالا المدمنات، فصاحبة القصة الأولى تقول: " إن أكثر الخسارات في حياتي هي سمعتي وكلام العالم عني، أتظاهر أحياناً بأني قوية وأتابع مع أخصائي لكن لا أنكر بأني أكره نفسي مرات كثيرة فأنا اليوم لدي عائلة وطفل وتبدو حياتي جميلة وأريد أن أعيش عشاني وبأن في الحياة أشياء حلوة إلا أنها هي لعبة الحياة والموت وأنا ما زلت أعاني حتى اليوم "أما القصة الثانية فتذكر صاحبتها: "إن التعاطي يحرمنا من أشياء حلوة، وفقدت الاستمتاع بالحياة وأعيش الخوف كل دقيقة". وصاحبة القصة الثالثة تسرد: "هذا دمار كبير وجاء بي إلى موقع ليس بإرادتك ولكن رغماً عنك" أما الرابعة فعبرت قائلة" ليتني أعيش مع عائلتي مثل الآخرين".

وتوصي الدراسة بضرورة الاهتمام بالفتيات الصغيرات من المرحلة الابتدائية في المدارس من خلال توعيتهن وتزويدهن بمهارات للوقاية وحماية أنفسهن من الاعتداءات الجنسية والعنف بكافه أشكاله والقدرة على قول لا في المواقف الخطرة، إلى جانب تدريب العاملين وخاصة العاملات في مؤسسات الخدمات الاجتماعية النفسية حول كيفيه التعامل مع المرأة المدمنة وآليات التدخل السليم، وتفعيل القانون فيما يخص بند أنه يحق لأفراد الأسرة الإخبار عن المتعاطي داخلها لإدخاله للعلاج.

فيديو ارشيفي للمخدرات في القدس 

 


التعليقات