المرسيدس المصفحة ودورها في خدمة القضاء

المرسيدس المصفحة ودورها في خدمة القضاء
 عبدالله غزلان 

قاضي المحكمة العليا
عضو مجلس القضاء الاعلى

في كتابى (قواعد سلوك القاضي) والذي تولى طباعته  المعهد القضائي الفلسطيني عام 2012 بدعم من الاتحاد الاوروبي والوكالة الأمريكية للتنميه الدولية - رغم قلة تكاليفه - أوردت بعضا من القصص والحوادث لأخذ الدروس والعبر والعظات ، بما من شأنه أن يعزز المسؤلية ويرتقي بالأداء ويرفع من مستوى الشفافية، ويبتعد بالقضاء عن مظنة السوء، ويجنبه كل انتقاد مبرر٬  ترفعا عن شهوات المآرب والمناصب والمصالح الشخصية، ومن ذلك ما نقله المستشار طارق البشري - نائب رئيس مجلس الدولة المصري الأسبق -  عن والده حيث يقول: 

( اذكر وانا صبي لم أبلغ الخامسة عشرة من عمري في عام 1948 كان أبى المستشار عبد الفتاح البشري - رحمه الله - رئيسا لإحدى دوائر الجنايات الثلاث بمحكمة الاستئناف بالقاهرة، وكان الاخران هما المستشارعبد اللطيف محمد والمستشار حسن فهمي بسيوني واغتيل المستشار أحمد الخازندار، فرأت الحكومة ان تقدم سيارة بحرس إلى كل من أعضاء هذه الدائرة ،  ولا زلت أذكره في المنزل ممسكا بسماعة التلفون يتصل بزملائه ويتفقون جميعا على عدم قبول هذا العرض، وكانت حجته التي سمعتها منه يومها،أنه كيف تقرر لهم عربة لا تعمم على كل مستشاري المحكمة، وهل امنهم هم أولى من امن غيرهم،وكيف يسوغ ان يرى المتقاضون قاضيهم ينزل من السيارة المحروسة امام المحكمة ؟ وان ظنوا بحق أنه خائف فكيف يطمئنون إلى قاضيهم وإلى حيدته وهم يرونه خائفا؟ 

ثم قال شرعية القاضي عند الخصوم الماثلين أمامه أنهم يطمئنون إليه وأنه سيان عنده- حسبما يظهر له انه الحق- الحكم ضد هذا او ذاك فهل يطمئنون وهم يرونه خائفا ومحروسا، ثم ابتسم وقال لنا نحن أولاده،معاشي (الراتب التقاعدي) يكفي ليعلمكم ان حصل لي شيء وقد توفى بعد ذلك لأقل من ثلاث سنوات، وكفانا معاشه لنتعلم،وكفانا الله سبحانه من قبل ومن بعد"أليس الله بكاف عبده ) .

وانتي اذ استذكر ذلك بمناسبة  ما علمته من أن معالي رئيس المحكمة العليا، رئيس مجلس القضاء الأعلى تقدم بكتاب للحكومة يطلب فيه تأمين مركبة خاصة له من نوع مرسيدس مصفحة - رغم ارتفاع تكاليفاها وشكوى الحكومة قلة ذات اليد وهوانها على الدول المانحة - لسمو منصبه وعلو كعبه وضمان سلامته . 

وفي ذلك أرى أن طلبا كهذا يجسد تكلفا وغرورا وبهرجة وأبهة واستعلاء و استغلالا للمنصب، لا سيما وأنه قد خصص لمعاليه مركبتان تقومان على خدمته، كما أنه في القليل النادر يمارس عمله القضائي إذ أن رئاسة مجلس القضاء الأعلى تدور مع رئاسة المحكمة العليا، بما يعني أن رئيس المحكمة العليا وبحكم القانون رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، وان المشاهد وعلى مدى الممارسة العملية لواقع عمل رئيس المحكمة العليا ٬ رئيس مجلس القضاء الأعلى تخليه عن عمله كرئيس للمحكمة العليا... الا في القليل النادر... - والنادر لا حكم له - اذ قد يرأس هيئة المحكمة في حالات يراها هو يحددها بعينها…

الأمر الذي تنتفي معه مزاعم ضرورة ان تكون المركبة مصفحة حفاظا على سلامته٬ ذلك ان عمله لا يتصل في جله ان لم يكن كله بالفصل بالخصومات٬  ومعلوم بالضرورة ان النظر في أية خصومة تعرض على المحكمة العليا بكافة دوائرها واختصاصاتها تنظرها هيئة مكونة من اكثر من قاض 

والسؤال هو ذلك السؤال الذي طرحه المرحوم المستشار عبد العزيز البشري(هل أمن معاليه وسلامته اهم من أمن وسلامة غيره من القضاة؟ وكيف يسوغ أن يرى المتقاضون معاليه ينزل من السيارة المصفحة وكيف يطمئنون إلى قاضيهم وإلى حيدته وهم يرونه كذلك ) 

ام ان تأمين سيارة من نوع مرسيدس ضرورة تقتضديها هيبة المنصب٬  وإذا ما كانت مصفحة  -وما أدراك  ما المصفحة - من شأنها رفع مستوى الكفاءة وتعزيز دور القضاء وعدم إطالة أمد التقاضي بما يضمن سرعة الفصل في الخصومات٬  وزيادة في عدد الدعاوى المفصولة وارتفاع ثقة المواطنين بالقضاء كما سيسجل ذلك كواحد من أهم إنجازات القضاء وستعرض صورة السيارة المرسيدس المصفحة من خلال الفيلم القصير الذي جرت العادة ان تفتتح به المؤتمرات القضائية المتعاقبة ٬ خاصة وانتا على بعد ثلاثة أشهر من موعد انعقاد المؤتمر القضائي الثامن وبذلك تضاف السيارة المرسيدس المصفحة إلى إنجازات معاليه وفي ظل ذلك أرى أن يكون المؤتمر القضائي الثامن تحت عنوان ( المرسيدس المصفحة ودورها في خدمة القضاء )

وأخيرا وليس آخرا، لن يثنينا عن قول الحق اي تعميم يدعو إلى كم الافواه٬ ورحم الله القائل " عندما يصبح قول الحق تهمة يكون الحق مراً٬ وعندما يكون نعت الباطل ببطلانه سبة يكون الحق مرا 

وخير للانسان ان يجهر بالحق من أن يكون خائنا في حقه٬ جبانا في نصرته