خصومات موظفين.. أزمات كهرباء ومعابر.. حروب إسرائيلية.. أين تتجه غزة؟َ

خصومات موظفين.. أزمات كهرباء ومعابر.. حروب إسرائيلية.. أين تتجه غزة؟َ
ارشيفية
خاص دنيا الوطن - صلاح سكيك
شوارع فارغة، مواطن فضل المشي على دفع الأجرة للسائق، أُم أجلت كسوة أبنائها، وموظف كان يخطط لسداد قسط القرض الذي تحصل عليه من البنك، وصاحب بقالة ينظر إلى دفتر الدائنين ولم يدفع أحد، هكذا يتلخص المشهد في البقعة الجغرافية التي تسمى قطاع غزة.

منذ أزمة الرواتب والتي شملت خصم جزء كبير من رواتب الموظفين العموميين، عن شهر آذار الماضي، وواقع غزة أصبح غير معروف، والتنبؤ بالمستقبل غير وارد في حسابات المتنبئين.

المواطن يحمل المسؤولين كافة الأزمات، فتارة أزمة معابر، وأيضًا أزمة وقود، وتارة كهرباء منقطعة، إضافة لخصومات للرواتب التي شلت الحركة في القطاع، دون أن ننسى تهديدات الاحتلال بضرب قطاع غزة، وشن عدوان جديد للمرة الرابعة خلال أقل من 10 سنوات.

إذن؛ كيف للمواطن أن يخرج من هذا النفق المظلم، وهل المسؤولون من يتحملون المسؤولية وحدهم أم لهم شركاء في ذلك، لا سيما مع استمرار احتجاجات الموظفين في القطاع، ومع تكرار الأحاديث حول البدء في مشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإنهاء كامل للانقسام، وفقًا لتصريحات قادة بحركتي فتح وحماس.

قال الكاتب والمحلل السياسي، طلال عوكل: إن الواقع في قطاع غزة، يشهد عليه شوارع وأسواق المدن، حيث الحركة شبه معدومة، وهناك تكدس للبضائع، فالمواطنون يشعرون بقلق شديد، موضحًا أنه رغم الأزمات التي مرت على القطاع، إلا أن المناقشات الأكبر يطغى عليها ملف موظفي السلطة الفلسطينية.

تسليم غزة

وأوضح عوكل، لـ "دنيا الوطن"، أن خصم الرواتب له ما بعده، فالأمر ليس مجرد خصم، وانما أمور كثيرة تبنى عليه، فالاقتصاد والسياسة والمجتمع والأمن كله يتأثر من هذه الأزمة.

ولفت إلى أنه ينبغي على المسؤولين مراجعة ما حدث خلال السنوات العشر الماضية، وتقديم الحلول المناسبة التي قد تحمل الشعب إلى بر الأمان، وتخلصه من أزماته الداخلية، ليتفرغ بعد ذلك إلى إدارة الصراع مع الاحتلال.

وتابع عوكل: "على حماس التعامل بإيجابية، وتسليم غزة للسلطة من جديد، والمساهمة في تشكيل حكومة وحدة وطنية، والبدء بتنفيذ خطوات تالية، من خلال الذهاب إلى انتخابات عامة، يشارك بها الجميع".

وبيّن أن للدول العربية، وخاصة مصر والأردن والسعودية، دور كبير في توحيد الجهود الفلسطينية، ولملمة القضية الفلسطينية، وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، وهذا ظهر جليًا بالقمة العربية، التي عقدت مؤخرًا في آذار الماضي، لكن المشكلة تكمن بنا، على حد تعبيره.

أما الخبير النفسي، فضل أبو هين، فأكد أن ما يحدث في القطاع ليس فقط مجرد ترقب، وانما الصدمة تنتاب الجميع، خصوصًا في موضوع خصومات الموظفين، فالأمر جاء بغتة وغير متوقع، ودون سابق انذار، ما ولّد لدى المواطنين رهبة من المستقبل.

الخوف من المجهول

وأضاف أبو هين لـ "دنيا الوطن": "هناك موظفون عليهم مستحقات وديون وقروض يسددونها، وهذه الخصومات اربكت حساباتهم، وأدخلتهم في متاهات، فهم كانوا يخططون بالورقة والقلم لتسديد ما عليهم من قروض ولكن الأمر اختلف الآن، فالضبابية تسيطر على تفكيرهم".

وأوضح أن ما يدلل على ذلك، هو أن الكثير منهم دخل في أزمات نفسية وصحية، وإلى الآن بعضهم غير مستوعب ما جرى، مبينًا أن أسوأ ما قد يمر به الإنسان هو أن يعيش حياته، بصورة غير واضحة، "لا يعرف كيف يتحرك، كيف يفكر، لا يدرك مصاعب الواقع، ينتظر المستقبل المجهول".

وأشار أبو هين إلى أن واقع غزة الحالي، سيخلق أزمات نفسية أخرى، كالانطوائية، وردات فعل تنم عن الحالة السيئة، متابعًا: "رغم كل الأحداث التي مرت على قطاع غزة، كأزمة الكهرباء والمعابر والحصار، المواطن تأقلم معها بصعوبة، إلا أن عدم توافر الأمان الاقتصادي، يعتبر أكبر أزمة تسيطر على العقل البشري، وستعقد المشهد القادم".

إلى ذلك، ذكر الكاتب والمحلل السياسي، محسن أبو رمضان، أن الأزمات في الضفة الغربية وقطاع غزة، موجودة منذ سنوات، لكن القطاع مشاكله معقدة وأكبر.

الانقسام سبب أول وأخير

وأوضح أنه يكفي 10 سنوات من الحصار، 3 عمليات عسكرية شُنت ضد القطاع، وأيضًا الأزمات التي خلفها الانقسام، مبينًا أن الأخيرة هي أم المشاكل والأزمات، فلو لم يوجد انقسام لما اشتدت وطأة الحصار، أو أن تستفرد إسرائيل بغزة.

وقال أبو رمضان، إن التنافس الذي حدث بين فتح وحماس، عبر سيطرة الأولى على الضفة، وسيطرة الثانية على القطاع، جاء من توهمهم بأنهم قادرون على الحكم منفردين، في مناطق أصلًا ليست لها سيادة، مبينًا أن هناك فتات من المصالح الفئوية، طغت على عملهما، وهذا الأمر استغله الاحتلال على أكمل وجه، فإسرائيل لم تشن الحروب على غزة فحسب، وإنما هودت الضفة الغربية، وكثفت من مشاريعها الاستيطانية، والعزل وفرضت (الأبرتهايد)، وهذا كان سببًا من أسباب تشاؤم مواطني الضفة الغربية، بعد أن أغلقت الأفق بخصوص حل الصراع، وإنشاء دولة فلسطينية.

وتوقع أبو رمضان، استمرار هذا الوضع القائم، طالما استمر الصراع على السلطة، مستدركًا: "لكن كل مشاكل الشعب الفلسطيني، تنتهي إذا ما التف المسؤولون، وأنهوا حالة الانقسام والفرقة بينهم، وأيضًا يتطلب الأمر صياغة خطاب سياسي، متوافق عليه وطنيًا، يستند إلى القانون الدولي، ليفضح ممارسات الاحتلال.

وتابع: "الفلسطينيون يلعبون داخل الخلاف الداخلي، رغم أنهم كانوا سابقًا يذهبون لساحة الصراع مع الاحتلال، فالأولويات النضالية، استبدلت بأولويات المناكفات الداخلية".

بدوره، المحلل الاقتصادي، معين رجب، أكد أن الظروف المعيشية بغزة، كانت صعبة، فكيف بعد الخصومات التي طالت رواتب الموظفين، فإن الأمر سيزداد صعوبة، وفق تعبيره.

لا استثمار.. لا مجازفة.. لا اقتصاد

وأوضح رجب، أن الأزمات الاقتصادية، سببها القرارات السياسية والإدارية، فالمواطن يحتاج القائد الذي يقود السفينة، بحكمة، وبعيدًا عن العشوائية والتصريحات المُنفرة، موضحًا أن المواطن الفلسطيني مر عليه أزمات كثيرة، لكن إنهاء الانقسام والفرقة بين الأطراف الفلسطينية، ينهي بعضًا من تلك المشكلات.

وأضاف لـ "دنيا الوطن"، "المواطن يخشى الدخول بمشاريع واستثمارات لخشيته على أمواله، لأن معايير نجاح أي مشروع تكون عبر بيئة استثمارية ملائمة، وأمن واستقرار مالي، وهذه المعايير غير متاحة الآن.

وتابع: "ضعف المخاطرة الاقتصادية، والخشية من الدخول في التوقعات والتنبؤات، جعلت المواطن، يحجم عن المجازفة، أو الدخول في متاهات غير سالكة".