الرائدة النسوية : عصام حمدي فهمي الحسيني

الرائدة النسوية : عصام حمدي فهمي الحسيني

بقلم / الدكتور محمد بكر البوجي
, غزة - فلسطين

    ولدت عصام الحسيني عام  1919م في مدينة غزة ، ترعرعت في بيت يضج بالجلسات الوطنية والحوارات ، فهي من عائلة لها تاريخ عريق في القيادة السياسية والاجتماعية ، تشربت الطفلة عصام هذه الروح من جدها رئيس بلدية غزة المرحوم فهمي بك الحسيني ، الذي أطلق على الشارع الرئيسي في غزة اسم ، شارع عمر المختار ، بدلاً من  شارع  جمال باشا التركي ،فغضبت إيطاليا -لأنها البلد المحتل في ليبيا – وشكته إلى بريطانيا  التي تحتل فلسطين ، عليه قامت بريطانيا بنفي رئيس بلدية غزة  فهمي بك الحسيني . تعتز بوالدها الحاج حمدي فهمي الحسيني ، الذي وطد علاقاته الفكرية والشخصية مع ستالين ، ومع الحكومات السوفيتية حتى مطلع السبعينيات ، مما كان له الأثر الجيد في دعم القضية الفلسطينية ، وكذلك علاقته الجيدة مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر .  بدأت عصام في مدينة غزة  مشوارها التعليمي  ثم انتقلت إلى القدس فحصلت عام 1937, على دبلوم كلية المعلمين بالقدس وتخرجت فيها. كانت الرائدة عصام الحسيني ترتدي دومًا الزي العسكري خاصة   "تنوره كاكي" عندما تلتقي الحاكم العسكري المصري. تقول عن نفسها في لقاء مع صحفي إنجليزي : أنها من عائلة محافظة , فهي من سلالة عليّ بن أبي طالب لهذا جاء اسم عائلتها  "الحسيني" نسبة إلى الحسين بن عليّ , لهذا كان المفتي في فلسطين دائمًا من عائلة الحسيني, وقد أطلق عليهم لقب عائلة المفتي.  تقول  عن عائلتها : جئنا إلى فلسطين قبل أربعمائة عام , جزء بقي في القدس , وجزء جاء إلى غزة, عائلتنا معروفة بالنضال الوطني , والدي حمدي الحسيني عمل كثيرًا ضد البريطانيين , وسجنوه عدة مرات, بل أبعدوه خارج فلسطين عدة مرات. عملت مديرة مدرسة حيفا الثانوية في خانيونس للبنات من عام 1942 حتى عام 1963. كما تم تعيينها مديرة في مدرسة غزة الإعدادية للبنات عام 1965.  بدأت عصام الحسيني  نشاطها في عام 1940م, ثم شاركت في المؤتمرات المحلية والعربية  و شاركت في القاهرة في مؤتمر النساء العاملات عام 1963م , كذلك في بيروت , وكانت ممثلة عن الاتحاد النسائي في فلسطين. كذلك شاركت الرائدة عصام الحسيني في العمل المؤسساتي الاجتماعي المنظم, وأسست " جمعية التقدم النسائي" التي كان أساس عملها الاجتماعي والسياسي، ثم رأت الإدارة المصرية ضرورة جمع المؤسسات النسوية في مؤسسة واحدة تحمل اسم " الاتحاد النسائي" برئاسة يسرى البربري , فانضمت عصام الحسيني بمؤسستها إلى الاتحاد.  كان محظورا بقرار من الاحتلال الإنجليزي أنه من يعمل في التعليم ممارسة أنشطة اجتماعية ,  فقامت السيدة أم عصام الشوا ، وهي شفيقة علي النقيب الحسيني من القدس ، زوجة الحاج  رشدي سعيد الشوا ،  بتشكيل " جمعية النهضة النسائية " وكانت أمينة سر هذه الجمعية السيدة " آليست ترزي ".  ثم تشكلت جمعية أخرى هي فرع للاتحاد النسائي المعروف في فلسطين وقد شكلتها  أم الطاهر السيباسي "سنية السيباسي" وكانت أمينة السر هي السيدة : ميري الطويل (حرم الأستاذ  شفيق ترزي). بعد العام نكبة 1948 م  ، وزوال الانتداب بقراراته شكلت عصام الحسيني مؤسستها "جمعية التقدم النسائي " واسم الجمعية هنا يلفت الانتباه  فقد ربطت بين المرأة وحركة التقدم الاجتماعي , ومن أعمال جمعية التقدم : معارض ,و ندوات اجتماعية , وندوات في التدبير المنزلي ،  ثم حفلات مختلفة على أنواعها , ومسرحيات , وقد بدأت بعض أعضاء هذه الجمعية السفور في عام 1950. أسست عصام الحسيني معهد المعلمات في غزة وكان يطلق عليها عميدة معهد المعلمات. وقد ساعدها في تأسيس المعهد السيدة : سعاد الأعظمي ، والسيدة بهادر صوان. كانت عصام الحسيني تسعى إلى تطوير معهد المعلمات إلى ما بعد الثانوية العامة.  كتبت في بعض الصحف عن القضايا العامة الخاصة بالمرأة , وما تحتاجه من إرشادات تربوية وتعبوية , وقد كتبت عن الحجاب والسفور , يعرف البعض أن عصام الحسيني هي أول من رفعت الحجاب وكانت تسير من سباط  المفتي إلى الساحة مشياً دون حجاب حتى لا يراها والدها. كانت تقول : أن المرأة الفلسطينية قادرة على أن تعمل أشياء مهمة جداً , سياسية واجتماعية وعلى الرجل أن يفكر أنه ليس أعظم من المرأة بل أنهما متساويان.  شاركت في إذاعة فلسطين من القدس – قبل النكبة -  في برنامج لها بعنوان  " من الفتاة إلى الفتاة " وهي عبارة عن أحاديث تربوية ثقافية موجهة للشابات ، وربات البيوت ،  كانت تذهب أسبوعيا إلى القدس لتسجيل هذه الحلقات .   في غزة ألقت عصام الحسيني الكثير من الخطب , والكلمات حول السياسة وقضايا المرأة , وكانت أول محاضرة ألقتها أمام الرجال في غزة عام 1956 ، بعنوان " تأهيل الرجال من خلال سلوكهم " , حيث قالت : أنني أقف للمرة الأولى محاضرة أمام الرجال ولن يمنعني شيء من هذه المحاضرة أمامكم , عدا عن العادات والتقاليد السيئة الموجودة في مجتمعنا , التي كانت تؤثر على نفسيتي , كان بودي أن يكون مجتمعنا أكثر حضارة. لا يعرف الكثير أن عصام الحسيني قد كتبت مسرحية بعنوان " جهاد فلسطين " , وتم تمثيلها عام  1950م ، كذلك كانت تقرض الشعر وتلقيه على المقربين لديها . التقت الزعيم جمال عبد الناصر في القاهرة ضمن وفد من غزة.  كان يزورها في المدرسة الحاكم العسكري المصري اللواء يوسف العجرودي , وكانت علاقتها جيدة مع زوجته ، حيث كانت تستقبله بتعظيم سلام عسكري , وكانت تخطب أمامه مطولاً , فقد كانت خطيبة مفوهة . كانت رحمها الله نموذجا للأناقة  والرقي ، كذلك كانت طيبة القلب , كريمة لم تلبس في يدها خاتماً ذهبياً ، كانت تمنح كثيراً للمقاتلين ولمنظمة التحرير. توفيت بصمت شديد ورحلت عنا عصام حمدي فهمي الحسيني عام 2004 بعد أن ملأت الدنيا خيراً وعملاً سديداً في حياتها ، ولا زالت الأجيال تذكرها بخير وتعتد بها .