مآلات الدولة الواحدة

مآلات الدولة الواحدة
دكتور ناجى صادق شراب
                                              
الحد ألأدنى الذى يقبل به الفلسطينيون دولة على حدود 1967، وهو ما يعتبر من قبلهم أقصى درجات التنازل عن الأرض، والتى بموجب القرار الأممى 181 والذى نص على قيام دولتين عربية وهودية وعلى مساحة تقارب الخمسة وألأربعين، وهو ما يعنى تنازل عن خمس وعشرين فى المائة من ألأرض ،وهو ما لم يحدث فى كل تاريخ حركات النضا ل الوطنى أن يتم هذا التنازل من أجل السلام ، ويضاف إليه من وجهة النظر ذاتها تنازل عن ثامنين فى المائة من مساحة فلسطين التاريخية. والحد الأقصى لإسرائيل عدم القبول بأى شكل من أشكال الدولة او الهوية الكينونية القومية للفلسطينيين، لما يعنية ذلك من تقلص وإختزال فكرة إسرائيل الكبرى وعودتها من جديد لفكرة الغيتو الحدودى أو القومى ، وهذه المرة بفضل قيام الدولة الفلسطينية . ولم تكن فكرة الدولة الفلسطينية على مدار تاريخ الصراع،احد مكونات الفكر الصهيونى والسياسى الرسمى للحكومات الإسرائيلية . وحتى عندما تم توقيع إتفاقات أوسلو، الفلسطينيون إعترفوا بإسرائيل الدولة ، وإسرائيل لم تعترف،إعترفت بالمنظمة الممثل الوحيد للفلسطينيين. وشتان بين الإعترافين فى القانون الدولى المنشأ للدول. وهذا خطأ إستراتيجيى وقع فيه الفلسطينيون، كان يفترض ان يكون الإعتراف متبادلا ومتماثلا أى إعتراف بالدولة الفلسطينية تحت الإحتلال، وبعدم إعتراف إسرائيل كأنها لم تعترف بأنها دولة إحتلال ، ومن ثم تصرفت بكل حريتها ، وتحت مظلة هذا الإتفاق والإعتراف بكل الأراضى الفلسطينية، بتهويدها وإستيطانها وبزيادة عدد المستوطنيين ليزيد عن نصف مليون ، أى أنها قد نجحت فى خلق دولة إستيطان كاملة. وإذا كان لهذه السياسات من دلالة سياسية فهى عدم الإيمان بفكرة الدولة للفلسطينيين تحت اى شكل من ألأشكال، فإسرائيل ترفض فكرة الدولة ذاتها، والحديث هو فى حلول تتعامل مع السكان.من هنا تبرز فكرة الحكم الذاتى ، وفكرة حكم البلديات،او فكرة السلطة الوظيفية واخيرا فكرة السلام الإقليمى والوطن البديل فى ألأردن. وفكرة الدولة المؤقتة فى غزة دون ذكر فكرة الدولة حتى على نموذج غزة وقكرة الدولة المنقوصة. هذه الرؤية تتوافق مع الفكر الصهيونى ، وفكرة القومية اليهودية ، وأرض إسرائيل الكبرى ، وان قبول إسرائيل بصيغة الدولة بكل أشكالها مرفوض، وخصوصا فكرة الدولة الواحدة التى تعتبر نقيضا للأيدولوجية الصهيونية وكل مقولاتها ، ومن ثم إنهيار الأساس الذى قامت علية إسرائيل كدولة تسعى ان تكون لشعبها فقط.وكما اشار بيريز إلى أن خيار الدولة الواحدة يعنى فقدان إسرائيل يهوديتها وديموقراطيته اليهودية ، و قول بن جوريون الذى فضل دولة يهودية فى جزء من أرض إسرائيل على دولة غير يهودية تقوم فى كل البلاد. وحذر شلوموغزيت من خيار الدولة الواحده، وأنه يسير بإسرائيل نحو خرابها، ودعا إلى تكرار نموذج غزة فى الضفة الغربية. ودعا المعلق أرييه شافيط إلى رفض عودة اللاجئيين الفلسطينيين، وإعادة تأهيلهم فى دول اللجؤ. هذا الرفض هو القاسم المشترك فى الفكر والخطاب السياسى لكل الأحزاب السياسية فى إسرائيل يمينها ويسارها ووسطها. لا للدولة الواحدة تحت اى شكل ومسمى. والإشكالية لا تقف عند حدود رفض فكرة الدولة الواحدة ثنائية القومية او الدولة الديموقراطية الواحدة ، بل رفض فكر أن يكون للفلسطينيين دولة خاصة بهم فى حدود 1967,وإذا كان منطق رفض الدولة الواحدة يقف ورائه الحفاظ على الهوية اليهودية من الطغيان السكانى الفلسطينى ، فإن منطق رفض قيام دولة فلسطينية ملاصقة وفى قلب إسرائيل يحكمه منطق وإعتبارات أمنية وسيكولوجية وإستراتيجية ، ويستند هذا المنطق الذى يروج له وزير التربية والتعليم نفتالى رئيس حزب البيت اليهودى ان اى دولة فلسطينية فى حال قيامها ستكون ضعيفة وغير قابلة للحياة ، وتفتقد للموارد الإقتصادية والطبيعية ، ولا تتمتع بالتكامل الجغرافى ، من شأن مثل هذه دولة ان تقع فى يد الحركات المتشددة مثل حماس، مما يعنى ان تكون كل الكتل السكانية الإسرائيلية تحت رحمة هذه الحركات. ولذلك يطالب بضم كل المستوطنات ، وحزبه من وقف وراء قانون التسوية وشرعنة الإستيطان. هذا عن الموقف الإسرائيلى الذى يدعم من نظرية جدلية الصراع وديمومته.وما عبر عنه ميرون بنيفييستى إن هذا البلد ويقصد إسرائيل لا يحتمل حدودا فى وسطه، ولا هو يطيق دولتين سيدتين بين البحر والنهر. وماذا عن الموقف الفلسطينى ؟ الفلسطينيون فى خط تراجع واضح  من المطالبة بفلسطين التاريخية ،إلى الدولة ثنائية القومية إلى الدولة الديموقراطية الواحدة  وأخيرا لخيار حل الدولتين، والتلويح ألان بالعودة لخيار الدولة الواحدة ، ولومن باب الضغط على إسرائيل وتخييرها بين حل الدولتين، اوبين حل الدولة الواحدة مع إدراكهم أن إسرائيل قد دفنت خيار حل الدولتين ، ورفضها المطلق لخيار الدولة الواحدة. ورغم ذلك ما زال هناك أمل بأن إسرائيل والمجتمع الدولى والولايات المتحدة ستدرك ان خيار حل الدولتين هو الخيار الواقعى ، والوحيد لتسوية الصراع، وانه لا مفاوضات بدون الإلتزام بخيار الدولتين. ولو تساءلنا ايهما أفضل للفلسطينيين خيار الدولتين ام الدولة الواحدة ، بالتأكيد ستكون الإجابة خيار الدولة الواحده، فهو الخيار ألأكثر جاذبية ، يركز على الحقوق الفردية والمدنية لا على تقرير المصير، وتغيير مفهوم الصراع حول صوت واحد لمواطن واحد، ويحول عناصر الضعف الفلسطينى إلى قوة ، ويفقد إسرائيل مقومات القوة لديها ، وأن هذا الخيار يحقق ويحافظ على فكرة فلسطين من البحر للنهر. إلا ان الحديث عن حل الدولة الواحده يقف ورائه الإحساس بفشل إتفاقات أوسلو ،والفشل فى قيام الدولة الفلسطينية ، وأن الحجة الأساسية التى تقف وراء هذا التفكير أن فكرة حل الولتين باتت مستحيلة ، ولذلك لا حديث إلا الدولة الواحدة ، وهو حديث يعود إلى عقود طويلة ، وكان ممكنا فى عشرينيات القرن الماضى عندما كان اليهود اقلية كما أشار إلى ذلك الكاتبان اليهوديان بوير وماغنس ،اما اليوم وبعد ان اصبح اليهود هم ألأغلبية ، وما تم من إنجازات سياسية وإقتصادية وتكنولوجية وأمنية ، لا يمكن تصور تنازل إسرائيل عنها، لذلك يبقى هذا الخيار فى عالم الطوبابويات المثالية البعيده، فكيف إذا كان خيار الدولتين وهو ألأقرب للواقع لم يعد قائما كيف فى حل الدولة الواحدة؟وفى هذا السياق على الفلسطينيين ان يعيدوا ترتيب أهددافهم الإستراتيجية ، وتحديد اولوياتهم فى نهاء الإحتلال اولا ، ثم الحديث عن فكرة الدولتين، وبدون إنهاء الإحتلال لا مجال للحديث عن دولة فلسطينية ، وهو ما يستلزم التركيز على خيارات وآليات ووسائل إنهاء الإحتلال، والتركيز على خيار الحقوق الإنسانية والمدنية للفلسطينيين، وتفعيل خيار المسؤولية الدولية بإنهاء الإحتلال، بالتوازى مع العمل على الإرتقاء يمستوى تمثيل الدولة الفلسطينية فى ألأمم المتحدة لدولة كاملة العضوية تحت الإحتلال  وتشجيع الدول بإعترافها بالدولة الفلسطينية الكاملة ، والخطوة ألأول تبدأ بالعمل على إنهاء الإحتلال وجعل له ثمنا إسرائيليا وعربيا ودوليا. 

[email protected]