الراعي جانب الصواب

الراعي جانب الصواب
نبض الحياة 

الراعي جانب الصواب

عمر حلمي الغول 

البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وقع في خطيئة فادحة حين حَّملْ الفلسطينيين مسؤولية الحروب في لبنان الشقيق، وطالب بترحليهم من الجمهورية اللبنانية قبل ايام في لقاء مع إحدى الفضائيات الخليجية. وتناسى غبطته أن من أشعل فتيل الحرب الأهلية هم من أطلقوا نيران رصاصهم الحاقد على الباص الفلسطيني في عين الرمانة في نيسان/ ابريل 1975، وقتلوا كل من فيه وهو متجه إلى المنطقة الشرقية من بيروت، وهم عائدين لمخيمهم. ومع ذلك حرصت القيادة الفلسطينية آنذاك على تفادي توسيع رقعة المعارك، التي نشبت إثر الهجوم الغادر. لكن قرار القيادات اللبنانية الإنعزالية مدعوما من قوى الشر وخاصة أميركا وإسرائيل كان مواصلتها بإصرار، لإنهم شاؤوا تصفية الوجود العلني للثورة في لبنان مما زاد من نيران الحرب القذرة، وأدخل لبنان في إتون حروب لسنوات توجت بإجتياح إسرائيل للأراضي اللبنانية في حزيران / يونيو 1982، ثم مجزرة صبرا وشاتيلا في 16 ايلول 1982، التي نفذتها القوات اللبنانية والجيش الإسرائيلي بقيادة شارون، وذهب ضحيتها الألآف من ابناء المخيمين الفلسطينيين.

ورغم خروج قوات الثورة الفلسطينية في ايلول/ سبتمبر 1982 من لبنان إلآ أن الحروب لم تتوقف ضد المخيمات الفلسطينية، فكانت حرب مخيمات بيروت وخاصة مخيم برج البراجنة من قبل حركة "أمل" 1985/ 1987 بقرار ودعم النظام السوري. والمعارك، التي قادها النظامان السوري والليبي عبر أدوات فلسطينية في مايو/ أيار 1983، ثم إمتدت إلى مخيمات الشمال اللبناني (نهر البارد والبداوي)، وثم تم إدخال مجموعات إسلاموية إلى مخيم نهر البارد بإسم "فتح الإسلام" وما نجم عنها من تدمير للمخيم بمدافع واسلحة الجيش اللبناني، ومازال المخيم حتى الآن يعاني من ويلات تلك الحرب القذرة. ولاحقا تم إدخال مجموعات إسلاموية من قبل أنظمة عربية وإسرائيل وغيرهم إلى كل المخيمات وخاصة مخيم عين الحلوة منها: "جند الشام" و"انصار بيت المقدس" و"جماعة عبدالله عزام"، التي تعمل بشكل متواتر على إدامة الحروب داخل المخيمات الفلسطينية لتبديد السلم الأهلي فيها، والعمل على تهجير الفلسطينيين إلى مهاجر جديدة. وبالتالي الفلسطينيون كانوا ضحية مخطط إجرامي، يستهدف حياتهم ووجودهم في لبنان. مع ان القيادة الفلسطينية أكدت الف مرة للقيادات اللبنانية المتعاقبة وآخرها قبل عشرين يوما خلت أثناء زيارة الرئيس أبو مازن للبنان عن حرصها على سيادة لبنان، ورفضها لإي تجاوز يمكن ان يمس مكانة الدولة اللبنانية الشقيقة. 

ولو تركنا حروب المخيمات جانبا، وأعدنا البطرك الراعي للحروب اللبنانية اللبنانية، فإن المرء يذكره بحرب الأشقاء في النصف الثاني من الثمانينات بين حزب الله وحركة أمل، ثم حرب التصفية لتنظيم المرابطين في بيروت الغربية، وحرب الإلغاء بين الجنرال عون والقوات اللبنانية 1989 و1990، ومجزرة إهدن، التي نفذتها القوات اللبنانية على بلدة إهدن، والتي راح ضحيتها القائد الماروني طوني فرنجية ومعه عائلته والعديد من مناصريه في يونيو 1978، وتفجير طائرة رشيد كرامي، رئيس وزراء لبنان في مطلع حزيران 1987 .. وغيرها من حروب التصفيات اللبنانية.

وبالعودة للفلسطينيين ودورهم في لبنان، نعيد نيافتك إلى مقالة الأستاذ طلال سلمان في آب/ أغسطس 2008 "الفلسطينيون جوهرة الشرق"، التي عدد فيها الإسهامات العظيمة لإبناء الشعب الفلسطيني في لبنان، فهم من شكل رافعة لمكانة لبنان على الصعد المالية والإقتصادية والفنية الثقافية، والتي أكد عليها الفنان الراحل قبل رحيله بايام ملحم بركات. وبالتالي لجؤهم القسري للبنان بعد النكبة لم يكن عبئا على لبنان الشقيق، بل كانوا نعمة وذخرا للبنان. ومع ذلك الفلسطينيون ليسوا متمسكين بالبقاء في لبنان، وعندما يتم الوصول إلى التسوية السياسية سيعودون إلى ديارهم ووطنهم الأم، وجميعهم يلهج بالعودة إلى الوطن الفلسطيني، الذي لا وطن لهم سواه.

فضلا عن ذلك، عندما زرت فلسطين 2014، أكرم الفلسطينيون وفادتك، ورحبوا بك ترحيبا غير مسبوق، رغم إن زيارتك ولقاءاتك جنود وضباط العميل سعد حداد في بلدة عسفيا في الجليل حملت الكثير من علامات الإستفهام بعد ان برأتهم من العمالة لدولة إسرائيل الإستعمارية.

لا يريد المرء ان ينكأ الجراح كثيرا نيافة الكردينال مار بشارة الراعي. لإننا الأحرص على لبنان وإستقلاله وسيادته، وإدراكا من الرئيس ميشال عون لموقف الفلسطينيين الإيجابي والداعم للبنان على كل الصعد، أعلن قبل أيام انه سيكون الداعم والمدافع عن حقوق الفلسطينيين وعودتهم لديارهم. لذا نأمل من نيافتك سحب دعوتك غير الإيجابية والمرفوضة. لإن أي دعوة الآن لترحيل الفلسطينيين  في خضم التطورات الخطيرة، التي تشهدها المنطقة العربية والعالم، هي دعوة مشبوهة، ولا تخدم علاقات الإخوة الفلسطينية اللبنانية.

[email protected]

[email protected]