أصوات من طوباس لـ"الإعلام":صديقة: حارسةُ القمح وأمينةُ السرَّ!

رام الله - دنيا الوطن
خصصت وزارةالإعلام في محافظة طوباس والأغوار الشمالية الحلقة (62) لسلسة "أصوات منطوباس" لمناسبة يوم المرأة العالمي، وتتبعت سيرة الناشطة صديقة عبد الرحمنصوافطة، التي غيبّها الموت عام 1999، ولا زالت حاضرة بمبادراتها وبصماتها.

رأت صوافطة النور عام 1915، وعاشت تسعة قرون، وتمسكت بزيطوباس، فرافقها اليانس، الذي يحجب شعر الرأس، وميزها الوشم الأخضر أو (السيّال)،واشتهرت بصراعها مع جنود الاحتلال البريطاني، الذين كانوا يلاحقون القمح ويصادرونهخلال سنوات المحل، ودشنت أول جمعية خيرية في مدينتها، واحتفظت بصداقة الشاعرة فدوىطوقان، وتجرعت مرارة النكبة والنكسة، وبادرت إلى تنظيم جنازة رمزية يوم رحل الزعيمجمال عبد الناصر.

مبادرات

يروي أبن أخيها الثمانيني عزت: رافقت عمتي طويلاً، وسكنتمعها في عليّة (بيت يُصعد إليه بدرج)، وعاشت وهموم طوباس في قلبها، ولم تتمكن منإكمال تعليمها. وكانت تعهد 700 دونم تزرعها بالقمح والبطيخ والخضار في أراضيالأغوار الشمالية، واحتضنت كل المربيات والمديرات اللواتي علمن في البلد، وافتتحتروضة أطفال، وأسست مع صديقاتها: رحاب خضيري، ونوال العمري، وسكينة ضبابات، وسعدة المبسلطوأخريات أول جمعية خيرية.

يتابع: اهتمت عمتي باستضافة المعلمات الجديدات، وقامتبواجبهن، وقدمت لهن الدعم، وشاركتهن في حل مشاكل الطالبات. ولا أنسى يوم زارتناأول مديرة للمدرسة المرحومة آمنة عبد الهادي، التي ساهمت في تأسيس مستشفى الاتحادالنسائي بنابلس، وليلى الكرد أول معلمة من نابلس.

مقاومة
واستنادًا إلى صوافطة، فإن عمته عملت مُسعفة متطوعةلأهالي المدينة، وكانت صاحبة باع طويل في مقارعة جنود الاحتلال البريطاني، الذينكانوا يلاحقون الحنطة، وصارت تخفي الغلال في كهوف المدينة وجبالها، وتوصل القمحإلى المحتاجين في جوف الليل. وحين اقتحم الجنود المنزل تشاجرت معهم، فنقلوا أسمهاإلى مسؤولهم الكبير.

يتابع: حضر حاكم اللواء الإنجليزي واسمه (دقليش) ومساعدهإلى منزل صديقة، وقال إنها تتسبب بالشغب مع جنوده، وأن المحصول ليس من حقها. فردتعليه بأن ما يتوفر لديها لإطعام أسرتها، فكل الجيران والحي هم أولادها، وأخبرتهبأن والدها متوفي ( رحل عام 1928)، وليس في المنزل غير أمها شفيقة، وشقيقتها صدقيةووجيه، فسلمها ورقة تأمر الجنود بعدم تفتيش بيتها مرة أخرى.

شجعت صوافطة أهالي المدينة على تعليم الفتيات؛ كونهاحرمت من ذلك. وكانت تذكرهم بأختهم وجيه، وكريمة يوسف، وحليمة محمود، اللواتي كنيجلسن في الصف نفسه مع التلاميذ، وهن بنات وجهاء المدينة، الأمر الذي سر مفتشالتربية يوسف مختار.

تنظيم
فيما يروي سمير أبو محمود المبسلط: كانت المرحومة "أمالجميع"، وتفوقت على الكثير من الرجال، وقاومت المحتل البريطاني، وأسست للعملالخيري، وظلت أشهر من نار على علم. وفي أيلول 1970 بدأت بالإعداد لجنازة رمزية للزعيم الراحل عبد الناصر، وطلبتمني أن أنشر الدعوة بين أصدقائي، وأن نحضر الشعارات، وجندت من طرفها النساءوالرجال، ولا ينسى أهالي مدينتا ما حدث حتى اليوم، فقد خرجنا ليومين في المسيرة،وحرصت على توفير الماء للمشاركين.

يفيد: حملني الشبان على الأكتاف، وكنا نهتف شعاراتحماسية تبكي الزعيم الذي خسره العرب، وتدعو لتحرير الأرض المحتلة، وكانت المرحومةصديقة أول الصفوف، وتسير خلف النعش. وفي الأيام التالية، بدأ حاكم الاحتلالالعسكري باستجواب الوجهاء، واستغرب من كون طوباس "مدينة قومية" تهتمكثيراً برئيس مصري.

ولا تسقط من ذاكرة المبسلط كيف أن جدته المريضة خضرةالحامد أصرت على حمل جالون ماء حديدي ( كانوا يسمونه جلن دبابة) لتغسيل صوافطة يومرحيلها بماء زمزم، الذي كانت تحتفظ به، وسارت مسافة طويلة، وهو على رأسها.

فيما تقول مها دراغمة رئيسة جمعية طوباس الخيرية، الإطارالذي كانت صديقة أول مؤسساته: في أرشيف الجمعية وثائق عديدة تشير إلى حجم نشاطالمرحومة، ونسمع كثيراً عن عطائها وتشجيعها للعمل الخيري،  ونحترم دعمها لتعليم الفتيات.

 تكريم
بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في محافظة طوباسوالأغوار الشمالية، عبد الباسط خلف إلى أن "أصوات من طوباس" منحت النساءحيزًا خاصًا خلال الأعوام الأربعة الماضية، فحاورت نوال الخضيري أول ممرضة، والمربيةدلال صوافطة التي خرّجت 34 جيلاً، وتتبعت سيرة رشيقة دراغمة أول شهيدة خلالانتفاضة الحجارة، وتميمة دراغمة الأسيرة الأولى بعد النكسة، كما واكبت مبادراتجمعية طوباس الخيرية، وناشطات مجتمع وصاحبات أعمال، وحارسات مهن أفل نجمها.