تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي ... الوجه الآخر للحقيقة

تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي ... الوجه الآخر للحقيقة
 د. وليد القططي

بعد نشر تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي ( يوسف شابيرا ) مساء الثلاثاء الماضي انهالت بعض الأوساط الإعلامية والسياسية الفلسطينية بالتعليقات المحتفية والفرحة بفحوى التقرير كدليلٍ آخر على هزيمة العدو ونصرنا في حرب غزة الثالثة وفق منهجية " وشهد شاهدٌ من أهلها " . في رأيي هذه المعالجة للتقرير غير منهجية وليست بالعميقة وفيها قدر لا بأس به من المبالغة والتهويل وتخفي الوجه الآخر للحقيقة التي ينبغي التركيز عليها وتخص معالجتنا لأمورنا الداخلية .

تشكيل لجان التحقيق تصرف اعتاد الكيان الصهيوني القيام به عقب معظم حروبه وعملياته العسكرية وفعالياته المدنية، ومنها لجان : أجرانات بعد حرب اكتوبر 1973، وكاهان بعد حرب 1982، وفينوجراد بعد حرب 2006... وغيرها من اللجان التي يأتي تقرير مراقب الدولة في إطار هذا السياق. وهذه اللجان تأتي لتحقيق أهداف محددة تخدم الكيان الصهيوني يمكن تقسيمها إلى نوعين من الأهداف :

النوع الأول من الأهداف موّجه للداخل تدخل في إطار النقد الذاتي واستخلاص العبر والدروس والمراجعة والتصحيح ومعرفة نقاط الضعف لعلاجها، ونقاط القوة لتعزيزها... من أجل زيادة القدرة على إدارة حروبه المستقبلية بطريقة أكثر نجاعة وفاعلية . والنوع الثاني من الأهداف هو موّجه للخارج لإظهار الكيان أمام الرأي العام الدولي بمظهر الحريص على احترام حقوق الإنسان والقوانين الدولية كدولة ديمقراطية متحضرة، ولإغلاق الطريق أمام التحقيقات الدولية في جرائم الحرب الإسرائيلية والهروب من الملاحقة الدولية، وتبرئة نفسها من الجرائم التي ترتكبها على اعتبار أن المجرم والمحقق والقاضي هو نفس الشخص. إضافة إلى تثبيت الرواية الإسرائيلية للحروب والمجازر وجرائم الحرب التي ترتكبها باعتبارها دولة ضحية تدافع عن نفسها .

وعلى الرغم أن تقرير مراقب الدولة الإسرائيلي يؤكد على فشل العدو في تحقيق الكثير من أهدافه العسكرية وإخفاقه في الكثير من المجالات كالتصدي للصواريخ ومواجهة الأنفاق وتحديد الأهداف الإستراتيجية للحرب، وانتقاده لطريقة اتخاذ القرارات في الكابينيت وغيرها... وبالرغم من أنه فشل في كسر إرادة القتال للمقاومة وإرادة الصمود للشعب، فإنه اتبع منهجية صحية وسليمة في مراجعة الأخطاء والنقد الذاتي واستخلاص العبر والدروس يجعلنا نتساءل حول عدم إتباعنا نفس المنهجية لتصحيح أخطائنا وتصويب طريقنا .

وإذا كان الكيان الصهيوني الذي يُعد دليلاً حياً على نجاح المشروع الصهيوني يتبع هذه المنهجية النقدية، فإننا أولى بذلك منه بعد أن فشلنا في تحقيق مشروعنا الوطني، وبدلاً من ذلك لا زلنا نُلقي باللوم على العوامل الخارجية في فشلنا، على الرغم من أن الله تعالى قد وجه المسلمين للبحث عن العوامل الذاتية في الفشل والهزيمة بعد معركة أُحد وفيهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – "  أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّاللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ "، وبدلاً من ذلك نمارس النرجسية الفصائلية وتمجيد الذات والثناء على النفس وفق منهجية " كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَديْهِمْ فَرِحُونَ " .

فعندما نسمع عن تشكيل لجان تحقيق حول فشل القيادة السياسية الرسمية الفلسطينية في تحقيق ما وعدتنا به بعد اتفاقية أوسلو بإقامة الدولة الوطنية الفلسطينية المستقلة، وعندما نسمع عن تشكيل لجان تحقيق حول طريقة إدارة حروب غزة الثلاثة لتطوير قدرات المقاومة في الحرب... أو تحقيق لجان تحقيق في أي شيء نفشل فيه ... فإننا سنكون حينذاك على الطريق الصحيح .