"التحطيب".. مهنة أفرزتها ظروف غزة!

"التحطيب".. مهنة أفرزتها ظروف غزة!
صورة ارشيفيه
خاص دنيا الوطن- كمال عليان
يلجأ الفلسطينيون خلال فصل الشتاء الى ما يسمى بـ"التحطيب"، وهو مصطلح آخر أفرزته الظروف الصعبة التي يحياها قطاع غزة على مدار السنوات الأخيرة، وشجّعه زيادة الطلب على الأحطاب كمصدر بديل للتدفئة بعد أزمة الكهرباء التي تشتد وتيرتها في الشتاء.

وتعتبر مهنة التحطيب من أقدم المهن على الإطلاق، غير أنها بعثت من جديد في غزة المحاصرة منذ أكثر من عشر سنوات، بفعل الأزمات التي تجتاحه بين الفينة والأخرى وخاصة أزمتي انقطاع الكهرباء ونقص غاز الطهي.

وعلى الرغم من أن قطاع غزة يعاني أساسا من اختفاء مهنة التحطيب بعد اندثار الأحراش والغابات وبيارات الحمضيات بسبب الزحف العمراني والحروب الإسرائيلية، إلا أن الشاب الأربعيني أنس مصطفى مازال يمارس هذه المهنة التي يصفها بالـ"موسمية" والمرتبطة بالشتاء.

ويعزو الرجل أسباب لجوؤه لهذه المهنة إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها بعد أن أصبح عاطلا عن العمل منذ سنوات، وإقبال الناس على شراء الحطب مؤخرا بكثرة.

ويوضح لـ"دنيا الوطن" أنه يخرج يوميا من بيته الواقع شمال غزة بأدوات بسيطة لا تزيد على ساطور ومنشار، ويذهب إلى الأراضي الحدودية أو المناطق التي يعلم بوجود أشجار كبيرة فيها وتحتاج إلى تحطيب، ليوفر كمية أحطاب جيدة ويبيعها لإحدى المحلات المختصة بهذا الشأن.

وبدأت تنتشر في الآونة الأخيرة محلات مختصة في بيع أحطاب الحمضيات والزيتون والحرشيات في جميع محافظات قطاع غزة، فيما أصبح الإقبال عليها كبيرا.

ويقول مصطفى إنه بهذا العمل يوفر لأسرته الحياة الكريمة، بدلا من أن يجلس بدون عمل،خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها قطاع غزة، وقلة فرص العمل.

 وأضاف "مهنة التحطيب اختفت من غزة منذ عقود، لكنها عادت مجددا، مع اشتداد أزمتي الكهرباء وغاز الطهي، وبحث الأسر عن بدائل متوفرة، خصوصا وأن الحطب أرخصها وأوفرها".

أما الشاب أشرف عمران فقد اتخذ من التحطيب مهنة يعتاش من ورائها منذ ثلاث سنوات على الرغم من المشقة الكبيرة والخطورة المستمرة لها.

ويقول لـ"دنيا الوطن" إنه يخاطر بحياته يوميا خلال مهنة التحطيب من الأراضي الحدودية التي يقتلع أشجارها الاحتلال الاسرائيلي بين الفينة والأخرى، مبينا أنه لا يوجد بديل له عن هذه المهنة الصعبة.

وأضاف "إن الإقبال على شراء الحطب وخصوصا الحمضيات أصبح كبيرا في الفترة الأخيرة، نظرا لظروف غزة  والأزمات التي تعاني منها، وأيضا لبيوت العزاء التي يحتاجون فيها للحطب لغلي القهوة بشكل مستمر".

وأوضح أنه يستطيع توفير ما يقارب من 30-40 شيكلا يوميا، من وراء بيعه للحطب إلى المحال المختصة ببيعه، والتي يستطيع من خلالها تلبية احتياجات بيته ومتطلبات أسرته.

ولم يخف عمران وجود شح كبير في الحطب بقطاع غزة، بعد توقف المزارعين عن زراعة أراضيهم بالحمضيات أو الزيتون، واستبدالها بالزراعة الفورية مثل الفراولة والبطاطا وغيرها من الزراعة التي لا توفر حطب، مشيرا إلى أنه يضطر في بعض الأحيان لحفر الأرض للبحث عن جذور الأشجار القديمة.

فيما يؤكد الشاب خليل عوض أنه يقضي ساعات طويلة وهو يقطع الأغصان الجافة من الأشجار الكبيرة، ويضعها في حزم يمكن حملها، ليقوم بعدها ببيعها إلى زبائن تعود على بيعهم الحطب بشكل يومي.

ويقول لـ"دنيا الوطن" إنه يربط هذه الحزم بالحبال ثم يحملها على مراحل ويبيعها للناس الذين يحتاجونها"، مبينا أنه ليس كل الناس يشترون الحطب للطهي أو غيره، إنما بعضهم من ميسوري الحال يشترونها كنوع من الرفاهية لإشعالها في مداخن خاصة داخل بيوتهم في أوقات الشتاء كنوع من التدفئة والشعور بأجواء الشتاء.

ومن الملاحظ أن مهنة التحطيب لم تقتصر على الرجال فقط، فثمة نساء ريفيات يبحثن عن الخشب وسيقان الأشجار الجافة، التي تساعدهن في أعمالهن.

وتبذل تلك النسوة جهودا كبيرة في البحث عن الحطب، ويعتمدن على جمع الأغصان الصغيرة التي تتكسر بفعل الرياح، إضافة إلى بقايا مزارع البندورة والفلفل، حيث سيقانها الجافة، القابلة للاشتعال.

وبحسب صاحب أحد محلات بيع الحطب في شمال غزة محمود عبد الجواد فإن ثمن الرطل الواحد -ثلاثة كيلو غرام-، يتراوح ما بين خمسة إلى سبعة شواكل.

ويقول عبد الجواد لـ"دنيا الوطن" إن سعر الحطب حسب نوعه إن كان من أشجار حمضيات أم زيتون أم حرجيات، وحسب نوعية الغصن ذاتها أيضا، مؤكدا وجود إقبال كبير على شراء الحطب خصوصا في بيوت العزاء وبعض الناس للتدفئة في الشتاء.

ويمتهن عشرات الرجال والشبان مهنة التحطيب مطلع كل شتاء خاصة في المناطق الحدودية التي تشهد بين الحين والأخرى عمليات تجريف واسعة للمزارع والحقول الزراعية.

والتحطيب في هذه المناطق يمثل مغامرة كبرى قد تنهي حياة الفرد بسبب انتشار المئات من أبراج المراقبة على الحدود بين قطاع غزة واسرائيل.