في الذكرى 23 للمجزرة.. الحرم الإبراهيمي يشتاق للمصلين

في الذكرى 23 للمجزرة.. الحرم الإبراهيمي يشتاق للمصلين
الحرم الابراهيمي
خاص لدنيا الوطن - عبدالله العرامين
في صلاة الفجر وأثناء السجود، فوجئ المصلون بصوت إطلاق للرصاص بداخل الحرم الإبراهيمي الشريف بمدينة الخليل، تخللهم الذعر والدهشة، اندفعوا إلى الأمام ليستظلو بالأمان، فالتفت من نجا منهم ليرى الدماء تجوب المكان، سائلاً كل منهم نفسه هل العبادة جريمة؟

بعد ثلاثة وعشرين عاماً ما زالت ذكرى مجزرة الحرم الإبراهيمي راسخة في أذهان أهالي مدينة الخليل، وقعت المجزرة في مثل هذا اليوم 25 فبراير/ شباط عام 1994م، الموافق 15 رمضان من عام 1415هـ، نفذها المجرم المتطرف "باروخ غولدشتاين" وراح ضحيتها 29 شهيداً وأكثر من 150 مصاباً داخل الاسحاقية في الحرم الإبراهيمي، قبل أن ينقض المصلون عليه ويقتلوه.

أغلق الاحتلال أبواب الحرم الإبراهيمي بعد انتهاء المذبحة، لمنع المصلين من الخروج، كما منعوا القادمين من الخارج من الوصول للمسجد لإنقاذ المصابين، تفاقمت الاشتباكات في ذلك اليوم إلى أن ارتفع عدد الشهداء لـ 50، إضافة إلى مئات الجرحى.

شكلت حكومة الاحتلال بعد المجزرة لجنة تحقيق "شمغار" التي أوصت بتقسيم المسجد الإبراهيمي بين المسلمين والمستوطنين اليهود، وبموجبها استولى اليهود على 54% من مساحة المسجد، وما تبقى للمسلمين.

القاتل باروخ غولدشتاين من سكان مستوطنة كريات أربعة، عمل طبيباً في أحد المستشفيات الإسرائيلية، تتلمذ على يد حركة (كاخ) المتطرفة، وكان دائماً يستفز المصلين عند الحرم الإبراهيمي، وتدرب على تنفيذ مهمته في معسكرات الاحتلال، وكان معروفاً بحقده الشديد للعرب.

الحاج محمد موسى أبو الحلاوة البالغ من العمر (57 عاماً) أحد الذين كانوا في صلاة الفجر وقت المجزرة، استذكر أحداثها وقال لـ "دنيا الوطن": " كنا نصلي صلاة الفجر، وفجأة بدأ صوت إطلاق النار على المصلين داخل المسجد، وتدافعنا إلى الأمام نحو المحراب نختبئ وراء بعضنا البعض، وأصبت برصاصة في النخاع الشوكي، أدت بي لفقدان الإحساس بأطرافي على الفور، دون أن أفقد وعيي".

هذه الإصابة أدت بي إلى شلل رباعي غير مكتمل، جعلتي على كرسي متحرك أصارع الحياة، لكني راضٍ بإرادة الله عز وجل، وأمضي معظم وقتي في جمعية الإحسان الخيرية التي تهتم بي وتعالجني، مضيفاً أحن إلى ممارسة موهبتي المفضلة "كرة القدم" وأمارس لعبة "كرة الطاولة" في بعض الأحيان، لكن الإعاقة بقيت ماثلة أمامي، لم أنساها وكيف أنساها.

وأوضح الشاهد على جريمة المجزرة أبو الحلاوة، أنه يدخل لبيته في البلدة القديمة بتصريح خاص وبتنسيق من التواجد الدولي والصليب الأحمر، " وضعوا أمام بيتي كاميرات مراقبة وأسلاك شائكة، وكلما أدخل وأخرج أتفاجأ بوجود المستوطنين أمام البيت يدققون في تصريح دخولي البيت".

مدير أوقاف الخليل إسماعيل أبو الحلاوة قال في حديث خاص لـ"دنيا الوطن":  أن أسر الحرم الإبراهيمي خصوصاً في الآونة الأخيرة، هَدَفَ الاحتلال منه تهجير الحرم، وعدم وصول المصلين إليه، واستباحته للمستوطنين كمرحلة للقضاء على الحرم وتهويده بشكل كامل من خلال الهبة الجماهيرية الأخيرة، التي كان أكثر شهدائها من مدينة الخليل.

وأكد، "فشل الاحتلال في زرع هاجس الخوف لدى الزائرين والمصلين إلى الحرم الإبراهيمي، بسبب الأعداد الكبيرة التي يشهدها الحرم أثناء صلاة الجمعة، إضافة إلى الزائرين للحرم بالأمسيات الثقافية، التي تعقد كل يوم أربعاء، يصل عددهم إلى أكثر من 1000زائر، هذه كسرت حاجز الخوف الذي فرضه الاحتلال من خلال الإعدامات وتشدد الخناق والقيام بحملات مسعورة من تفتيش المنازل المحيطة بالحرم ومصادرتها وإحلال المستوطنين مكانها".

المجزرة جاءت بعد خمسة أشهر من اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال، وعلى إثرها أغلق الاحتلال شارع الشهداء الذي يعتبر الشريان الرئيسي بين الخليل والبلدة القديمة، ووضع الحواجز الإلكترونية على مداخل الشارع وأمام المسجد، إضافة إلى إغلاق أكثر من 500 محل تجاري في البلدة القديمة ومنطقة السهلة و البركة والحسبة القديمة.

الاحتلال بإجراءاته عقب مجزرة الحرم عاقب المجني عليه الذي لا يمتلك لا حول ولا قوة سوى إصراره على التمسك بذرات تراب الحرم الإبراهيمي الشريف وحجارة البلدة القديمة ومياه بركة السلطان المعرضين للتهويد والسرقة من قبل قرابة 400 مستوطن إسرائيلي يحاولون السيطرة على قلب الخليل النابض بالتاريخ والحضارة ورائحة الشهداء.