الشعبوية والقومية تحولات عابره أم ثابته؟

الشعبوية والقومية تحولات عابره أم ثابته؟
صورة الكاتب
دكتور ناجى صادق شراب

العالم فى حالة من التحولات الكبرى فى منظومته القيمية والفكرية ، والهيكلية فى بنية النظام الدولى ، وركائز العلاقات بين الدول. أبرز هذه السمات أزمة التحولات التى بدأت تبرز بشكل كبير ويهدد النظام الديموقراطى كنظام عام يحكم مسار العلاقات بين الدول. العودة لما يعرف اليوم بالشعبوية والقومية العنصرية تهدد كل الإنجازات التى تحققتت، ولكنها فى الوقت ذاته تعكس الفشل فى إصلاح النظام الديموقراطى ليواكب الإحتياجات الإنسانية ، وتحوله لنظام للكل وليس للنخب الحاكمة والإقتصادية ، لدرجة تحول النظام السياسى الديموقراطى لأداة قهر الطبقات الفقيرة والمحرومة من مقومات القوة اللازمة للتأثير فى السياسة العامة ،والقرار السياسى، والمشاركة السياسية الحقيقية. وقد أدت التراجعات فى النظام الديموقراطى إلى إحياء ظاهرة الشعبوية والقومية من جديد ولكن بشكل عنصرى .وفرضت الإنتخابات الأخيرة فى الولايات المتحدة والتى فاز على أساسها الرئيس ترامب على أساس إحياء هذه الشعبوية ، وقبلها ظهرت ملامحها فى بريطانيا وإنفصالها عن الإتحاد ألأوروبى ، واليوم تظهر فى صورة العديد من ألأحزاب اليمينية التى تسعى للفوز فى الإنتخابات فى أوروبا ، مستفيدة من تنامى ظاهرة الإرهاب، والإسلامو فوبيا. وتثير الشعبوية الكثير من الجدل بشأن تحديد أبعاد ومكونات هذا المفهوم، وعلى أى أساس يتم تحديد إطاره النظرى سياسيا أو إقتصاديا أو إجتماعيا أو قيميا.فهى من ناحية حركة سياسية لها أهدافها الإقتصادية وألإجتماعية ، وحركة لها بعدا أيدولوجيا مكونها ألأيدولوجى أن الشعب هو المحرك ألأساسى للفعل السياسى، ومكون الوطنية الذاتية . وتبنى فكرة التحول من مفهوم السلطة من أعلى إلى القاعدة ، فالشعب هو الفاعل الرئيس فى تحديد قواعد اللعبة السياسية ، وبالتالى إختزال دور الأحزاب السياسية ، كمكون للنظام الديموقراطى ، وبروز دور القائد الشعبوى الكارزمى الذى لديه القدرة على إثارة المشاعر الوطنية للشعب، والذى لا يعتمد على آلية الحزب، ورأينا هذا فى حالة ترامب إلى حد كبير.فهى حركة تقوم على العلاقة المباشرة بين القائد الكارزمى والشعب دون وساطة ألأحزاب السياسية.وتعرف بأنها ظاهرة سياسية يستطيع من خلالها الرئيس ان يتعامل مع الطبقات الإجتماعية المختلفة بذكاء سياسى ،لكسب تأييدها فى وجه معارضيه. فالشعبوية أكبر من كونها حالة تكتيكية ، أو آلية نفسية لدغدغة المشاعر الوطنية لدى فئات إجتماعية معينه، ولكنها تقدم نفسها على أنها البديل للنظام القائم، وتقديم الحلول للإزمات السائدة ، وهذا ظهرت بعض ملامحه فى خطاب التنصيب للرئيس ترامب،الذى رأى الحول فى أمريكا أولا ، وفى السياسات الحمائية ، ومنع الهجرات إلى داخل الولايات المتحدة ، وفى فك الشراكات مع العالم الخارجى ، وتقليص دعم الولايات المتحدة للمنظمات الدولية ،.وتتميز الشعبوية بإحتضان التيارات اليمينية والقومة الجديدة ، هذا وجوهر الصراع الشعبوى الذى لاحظنا إرهاصاته فى الإنتخابات الأمريكية والغربية ألأن الصراع بين ألأقلية النخبوية الحاكمة والتى تستأثر بالسلطة وإمتيازاتها، وألأغلبية الشعبية المحرومة من منافع السلطة ، ولكنها من توصل الأقلية الحاكمة للحكم، والمطلوب ألأن شعبويا عودة السلطة والحكم لهذه الأغلبية.ويراعى فى الشعبوية الخصائص الذاتية لكل شعب، ويبدو انه لم تعد قاصرة على شعب دون ألآخر، بل إن أعراضها السلبية والخطيرة بدأت تغزو الحالة العربية . فخطورة هذه الظاهرة أنها تدفع الشعوب ألأخرى ان تبحث عن ذاتها، وهو ما قد ينبئ بتحولات خطيرة على مستوى العلاقات ليس فقط بين الدول بل بين الشعوب، وقد تعمق حالة الكراهية والحقد ، والثأر ، والإستعلاء العنصرى لدى الشعوب ، وقد تعنى وهنا مصدر الخطورة العودة لعهد التفوق الغربى ، والرجل الأبيض . وما دونه التخلف والجهل، وتزداد الشعبوية خطورة بتوظيفها للدين لدعم هذه الرؤى الشعبوية إزاء الآخرين وتحويل الصراع العالمى لصراع دينى ، وإستعادة ذاكرة الحروب الصليبية ، وخصوصا حصر الصراع بين الحضارة الغربية والإسلامية ، وهذا ما رأينا جذوره الفكرية فى كتاب صراع الحضارات لهانتنجتون ، وغير ه من المفكرين أمثال برنارد لويسن وقد إنعكس هذا الخطاب الدينى على الخطاب السياسى الذى بدأنها نسمع عن مفرداته لدى الكثيرين فى الولايات المتحدة وأوروبا، ومحاولة إستعادة التاريخ ألإسلامى ، وتصوير المسليمن على أنهم غزاة ، بربريون متخلفون وإرهابيون. وإمتدت هذه الظاهرة فى الصور المسيئة لمحمد علية الصلاة والسلام. واليوم نرى تحالفا غيبا بين أقطاب هذه الدعوات من الديانة المسيحية واليهودية فى مواجهة الإسلام . هنا تكمن خطورة البعد السياسى لهذه الشعبوية . وما قرارات المنع لسبع دول إسلامية للولايات المتحدة إلا تعبيرا عن هذا التحالف.والشعبوية بهذه ألأبعاد والمحددات والرؤى لن تكون قاصرة على دولها وشعوبها، بل قد تتحول لحركة عالمية تتجاوز حدود العولمة والديموقراطية والليبرالية. ومما ساعد الشعبوية من البروز القوى ان البيئات السياسية والإقتصادية والإجتنماعية فى دولها قد وفرت لها هذا الظهور، فهى أصلا موجوده ، ومتجذرة فى تكوينات كل الشعوب، إلا ان إنتشار مشاكل الفقر والبطالة والحرمان الإجتماعى ، والتفاوتات الإجتماعية والإقتصادية بين الطبقات الإجتماعية المختلفة ، قد هيأ لها البيئة الناضجة ، وتوفرت البيئة الخارجية وما صاحبها من إنتشار لظاهرة الإرها ب ، وهى الأزمة والتحدى الكبير الذى بات يشكل تهديدا لها ،ومع توفر قائد شعبوى تتوفر له صفات الكارزمية ، هذه العوامل مجتمعة ساهمت فى إستعادة هذه الشعبوية الجديدة المغلفة بثوب يمينى قومى. مما زاد ألأمور تعقيدا الإنفصال والإستعلاء الطبقى بين طبقة عليا تحكم، وطبقات إجتماعية تزداد فقرا ، وتبحث عن الخدمات الإنسانية. وغياب التواصل السياسى بين هذه الطبقات بإستثناء لحظة التصويت فى الإنتخابات والتى تتحكم فيها الطبقات المسيطرة على المال والإقتصاد. تفشى ظاهرة الفساد السياسى الذى صاحب النخبة الحاكمة .وتفاقمت ألأمر تعقيدا مع موجات الهجرة الكبيرة التى توافدت على أوروبا فى حالة غير مسبوقة شعرت معها العديد من الطبقات الدنيا بالخطر الوجودى. والتى ساهمت فى بروز الأفكار العنصرية والكراهية ضد ألآخر وخصوصا إذا كان  قادما من دول الجنوب والمسلمين. ويبقى أن أشير وأحذر من مظاهر الشعبوية التى بدأت تطل برأسها فى عالمنا العربى. وبدأنا نسمع تركيز الخطاب السياسى فى العديد من الدول العربية على هذه النزعة الوطنية ، التى لا تعلوها وطنية أخرى ، وبدأنا نلمس بعضا من الكراهية وعدم القبول للآخر حتى لو كان عربيا،او قادما من دولة عربية اخرى. ولا شك ان الشعبوية العربية ستجد فى الشعبوية الغربية وألأمريكية دافعا لها. 

[email protected]