حمى بدائل حل الدولتين

حمى بدائل حل الدولتين
صورة الكاتب
مهند عبد الحميد

«نتنياهو المحافظ المتطرف الرافض المتعالي أسير في ايدي اليمين من دون اي قدرة على التحرر من الكارثة التي يقود إليها دولة إسرائيل» عضو الكنيست تمار زانتبرغ/ ميرتس. نعم نتنياهو متطرف بل أبو التطرف، لكنه يخضع لمن هم أكثر تطرفاً أمثال نفتالي بينيت، وأييليت شاكيد وليبرمان وغيرهم ممن يدعون الى ضم المستعمرات و60% من الضفة الغربية  فضلاً عن تهويد مدينة القدس الشرقية. جل ما يهم نتنياهو هو الحفاظ على الائتلاف الحاكم الذي يضم عتاة اليمين والمتطرفين والمستوطنين، فقد يفرط هذا الائتلاف إذا لم يف  نتنياهو بقرار بناء مستعمرة جديدة لمستعمري عمونا، وكان نتنياهو قد حال دون انضمام المعسكر الصهيوني لائتلافه ولحكومته كي لا يضطر الى تجميد الاستيطان خارج الكتل الاستيطانية الكبيرة. ذلك العنوان الكفيل بانسحاب كتل برلمانية وبرلمانيين من الائتلاف، فظل نتنياهو أمينا على حماية ذلك الائتلاف ومبادئه المتطرفة الرافضة لانهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. 

قمة العقبة قبل عام التي كشفت عنها صحيفة هآرتس يوم أمس، تضع الجميع أمام حقيقة الحل الذي يرغب نتنياهو في التوصل اليه. القمة ضمت جون كيري والعاهل الاردني الملك عبدالله والرئيس عبد الفتاح السيسي ونتنياهو. كان كيري قد تقدم بمبادرة من ست نقاط: تتلخص بدولة فلسطينية منزوعة السلاح مع تبادل الأراضي المقامة عليها الكتل الاستيطانية. وتتحدث عن دولة يهودية بحسب قرار 181، وحل عادل ومتفق عليه لمشكلة اللاجئين لا يؤثر على الطابع الأساسي للدولة اليهودية. القدس عاصمة للدولتين باعتراف دولي، وإنهاء الصراع، وإنهاء المطالب وتطبيع العلاقات مع الدول العربية. مبادرة كيري كانت خليطاً من أفكار الرئيس الأميركي السابق بل كلينتون، ومن بنود في مبادرة السلام العربية، وبنود من خارطة الطريق. ورغم الإجحاف الذي تلحقه بنود مبادرة جون كيري بالشعب الفلسطيني، ورغم استجابتها للشروط الإسرائيلية السابقة إلا أن نتنياهو رفض المبادرة الأميركية وقدم مبادرة أخرى عرضها على المؤتمرين.

مبادرة كيري لم تعجب نتنياهو، الذي قدم أفكاراً بديلة من 5 بنود، تقفز عن إقامة دولة فلسطينية، وتستبدلها «بمنح تراخيص للبناء على نطاق واسع والدفع بمبادرات اقتصادية في مناطق سي، ومشاريع بنية تحتية في قطاع غزة، وتعزيز التنسيق الأمني مع السلطة، والتفاوض مع الدول العربية حول مبادرة السلام العربية، قمة علنية بمشاركة مندوبين رفيعي المستوى من السعودية والإمارات ودول سنية أُخرى ونتنياهو للبحث في مبادرة سلام إقليمي، وتعهد أميركي باستمرار البناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى وتجميد البناء في المستوطنات النائية خلف الجدار، ضمانات ضد الإجراءات في مؤسسات الأمم المتحدة واستخدام «الفيتو» ضد كل مشروع قرار له صلة بالنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. 

أفكار نتنياهو لا تستحق إعادة القراءة كونها محاولة مكرورة  للتملص من أي عمل سياسي يطرح مصير الاحتلال، وتستبدل مطلب إنهاء الاحتلال الذي يرقى الى كارثة تحل بالشعب الفلسطيني الى لغز اسمه «السلام الاقليمي». لقد تناسى نتنياهو ان المبادرة العربية طرحت إنهاء الاحتلال عن كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس وحل قضية اللاجئين، مقابل السلام مع دولة إسرائيل، مغفلاً جوهر المبادرة وهو إنهاء الاحتلال وداعياً للسلام الإقليمي مع بقاء الاحتلال، معادلة تقرير مصير شعب من قبل المستعمرين، بمعزل عنه وعلى النقيض من ميثاق الامم المتحدة طالب نتنياهو بأخذ كل شيء، ولم يقدم إلا شيئاً تافهاً هو «تجميد البناء في المستوطنات النائية شرق جدار الفصل العنصري» هذا «التنازل» قبض ثمنه من المعارضة الإسرائيلية (المعسكر الصهيوني) الذي هرول للانضمام الى الائتلاف والحكومة  وتبرع زعيمه يتسحق هيرتسوغ بتسويق البناء في الكتل الاستيطانية الكبيرة عالمياً مقابل الشروع بذلك الحل العتيد، الذي سيغير الشرق الأوسط على حد قول هيرتسوغ.  لكن هذا التجميد الطفيف في المستوطنات النائية تراجع عنه نتنياهو بعد أن رأى فيه تهديداً للائتلاف الحاكم، بل لقد اعتمد الكنيست قراراً يقضي بترسيم البؤر الاستيطانية غير الشرعية من وجهة نظر القانون الإسرائيلي بعيداً عن الكتل الاستيطانية الكبيرة. وانفتحت شهية وزراء نتنياهو لضم المستعمرات في الأراضي الفلسطينية القريبة والنائية، وإقامة مستوطنة جديدة بديلاً لبؤرة عمونا. 

إن قيمة كشف مبادرة نتنياهو لصنع سلام إقليمي بعد عام  من عرضها في السر هي تعريف القاصي والداني بأن ائتلاف اليمين الديني القومي – الوسط، معاد جملة وتفصيلاً لأي حل سياسي ينطوي على مجرد تجميد الاستيطان في الاماكن النائية، والتعريف بإفلاس المعارضة الاسرائيلية وبغياب إسرائيليين يطالبون ويعملون لإنهاء الاحتلال والسيطرة العنصرية على شعب آخر.

العداء للحل السياسي وإفلاس المعارضة عن تقديم مشروع بديل لعدمية الائتلاف الحاكم لم يتمخض بعد عام من تقديم مبادرتي كيري ونتنياهو، إلا عن مشاريع هزيلة تدور في فلك القطبين الفاشلين. بدءاً بمشروع نتنياهو الجديد «دولة ناقص» القدس وكل المستوطنات والأغوار ضمن صفقة شاملة في المنطقة لمواجهة ما يسمى الخطر الإيراني. ومشروع كونفدرالية إسرائيلية- فلسطينية، وكونفدرالية اردنية – فلسطينية، ومشروع ليبرمان : كيان فلسطيني داخل الدولة اليهودية يجري فيه تبادل سكاني وضم الكتل الاستيطانية والسكان الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الاراضي المقامة عليها. ومشروع بينيت: الذي يدعو الى ضم «مناطق ج» والمستعمرات والقدس مقابل سيطرة السلطة على التجمعات الفلسطينية. واقتراح رئيس الدولة ريفلين الذي يدعو الى ضم الكتل الاستيطانية ومعها 90 الف فلسطيني يمنحون الجنسية الإسرائيلية. كل المشاريع تقدم كبديل لحل الدولتين، وكلها تقرر مصير الشعب الفلسطيني نيابة عنه، وكلها تتعامل مع الشعب الفلسطيني بسياسة التمييز العنصري وبعلاقة الابارتهايد وضمن القبضة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وكلها مرفوضة فلسطينياً وغير قابلة للحياة. 

مقابل حمى بدائل حل الدولتين. لا يكفي رفض كل هذه الحلول المسخ، ولا يكفي التمسك بالمبادئ العامة، حق تقرير المصير، وإقامة دولة في جميع الأراضي المحتلة عام 67، والتمسك بالشرعية الدولية، وبالاعتماد على النظام الدولي والوساطة الأميركية الخ المعزوفة التي باتت تثقل على السامعين. التحدي الكبير الذي ينتصب في وجه الشعب الفلسطيني الآن هو تنظيم الاحتجاج والمقاومة والضغوط  الفلسطينية ضد التوحش السياسي ومشاريعه العدمية ورموزه الإسرائيلية الأميركية. فكما خرج الأميركيون احتجاجاً على سياسات ترامب، وكما يخوضون المعارك الإعلامية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفنية يومياً، مطلوب خوض المعارك ضد الترامبية الإسرائيلية بالخروج الى الحيز العام، وبالعودة الى بناء التحالفات مع المجتمعات المدنية العربية والعالمية، ونبني الجسور للالتقاء بنضال المقاومين للترامبية في كل مكان، فنحن اقوياء فقط عندما نكون جزءا من جبهة الاحتجاج المناهضة للترامبية العالمية وبخاصة امتدادها الاسرائيلي، حينئذ ستتهاوى المشاريع المسخ. 

[email protected]