اللامنطق الترامبي

اللامنطق الترامبي
صورة الكاتب
نبض الحياة 
اللامنطق الترامبي 
عمر حلمي الغول 

المراقب لمواقف الرئيس دونالد ترامب في القضايا الداخلية والخارجية، لاحظ انها تحمل تشوش وإرباك وعدم تجانس وغياب المنطق في تراكيبها. فشعار "أميركا اولاً"، الذي اطلقه يوم التنصيب قبل شهر خلا، يتناقض مع العولمة، التي طرحها بوش الأب بعد إنهيار نظام القطبين، ولا يستقيم مع مكانة الولايات المتحدة الدولية. ولا يتوافق مع قرار الرئيس الجديد نفسه تجاه المهاجرين وحملة الجنسية الأميركية من الدول الإسلامية والعربية والملونين عموما. فعن اي اميركا يتحدث صاحب الشعر الأصفر، وهو يعمل على إثارة الفتنة والعنصرية في اوساط الشعب الأميركي؟ وحتى قراره بعودة المصانع الأميركية للداخل الأميركي يتصادم مع المصالح الحيوية الأميركية في دول العالم الحليفة لإميركا، وحتى مع أصحاب الشركات الأميركية الأم. لانها لم تقم مصانع هنا او هناك نتاج جهل او قراءة متسرعة لمصالحها، انما نتاج قراءة متأنية وبما يخدم الإمبراطورية الأميركية واباطرة المال فيها. وكيف يريد "أميركا أولاً"، وهو يدخل في مواجهة مع مؤسسات الدولة العميقة ومرتكزات النظام السياسي الأميركي؟ 
وحدث ولا حرج في العلاقة مع دول الجوار وحلفاء اميركا التاريخيين، اولا التصادم مع المكسيك، واللجوء لسياسة لي الذراع وفرض الإملاءات والضرائب على شعب ودولة بمكانة المكسيك لبناء جدار لم تستشار به القيادة المكسيكية، ولم تعلم به إلآ عبر وسائل الإعلام؟ ثم إلغاء إتفاقية المحيط الهادي دون طرح المسألة مع الدول المعنية، وإتخاذ الموقف بشكل تعسفي كردة فعل نزقة على تحدي قرارات الإدارة الأميركية السابقة (إدارة أوباما). ولم يكن نصيب حلف الناتو واوروبا افضل حالا لا في المجال الأمني ولا في المجال الإقتصادي ولا في اي من اشكال الشراكة التاريخية بين دول الغرب الرأسمالي. ولم يترك دولة من دول العالم بإستثناء إسرائيل المارقة والخارجة على القانون من إفتعال ازمة معها، وكان نصيب العرب كبيرا من حيث الإصرار على "تدفيعهم" نصف ارباحهم من النفط، ومصادرة ودائعهم وغيرها من المواقف المتناقضة مع طبيعة العلاقات التحالفية مع العرب عموما ودول الخليج خصوصا. ورغم انه حاول تلطيف مواقفه نسبيا في الآونة الأخيرة، غير ان ركائز سياساته وقراراته لا تستقيم ولا تقبل القسمة على المنطق الأميركي التاريخي، ولا مع منطق العلاقات الدولية.
 ونفس الشيء جاءت مواقفه متناقضة مع الرؤية الأميركية للسلام على المسار الفلسطيني الإسرائيلي. الثابت لديه الدفاع الأعمى عن دولة التطهير العرقي الإسرائيلي. لكن رؤيته لعملية السلام مضطربة ومشوشة وغير محددة المعالم. فهو لم يتمسك بخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عم 1967، ولا هو مع الدولة الواحدة او بتعبير آخر، ليس ضدها إذا إتفق الطرفان؟! كيف ؟ وعلى اي اساس سيتفق الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي، والقيادة المتطرفة في إسرائيل تعلن على الملأ رفضها الإنسحاب من اراضي دولة فلسطين المحتلة، وتعلن مواصلة هيمنتها وسيطرتها وسيادتها على الأرض الفلسطينية المحتلة، وتصر على الوجود الأمني الإسرائيلي في الغور وكل الأرض الفلسطينية؟ وهناك الكثير من المواقف، التي أعلنت عنها إدارة ترامب بهذا الشأن تحمل عدم الوضوح، ويسيطر عليها الغموض.
مع ذلك القراءة اللامنطقية لإدارة ترامب وسياساتها، تشير إلى انها تحمل في طياتها المتناقضة إنفراجا سياسيا في كل الملفات. وستضعف مكانتها الدولية والداخلية، وخيار "أميركا اولاً" سيفشل في ظل سياستة الحالية. وبالتالي الإلتباس والغموض في سياسة الإدارة الجديدة من حيث الشكل سيخلق شروطا جديدة لا تخدم اميركا، وسيعمق تصادمها مع الواقع والمنطق السياسي والديبلوماسي الأميركي والدولي الناتج عن القرارات والسياسات الأميركية الإنفعالية والنزقة. كما ان ذلك سيكسر التابوهات القائمة، وبخلق ميكانيزمات جديدة أكثر فعالية، لإن رهان اميركا ببقاء العالم في حالة المتلقي ، هو رهان ساذج وخاسر، وبالتالي العالم يسير في حالة تحول وتغير دراماتيكي، لا يجوز قراءة مركباته كما هو الآن. ونفس الشيء ينطبق على حليفتها الإستراتيجية إسرائيل، التي ستخسر اميركا واوروبا والعرب في حال إفترضت بقاء شروط الواقع على ما هي عليه، وواصلت جرائم حربها على السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. والمستقبل المنظور سيحمل الجواب والبرهان.