سد وادي الفارعة يتحول إلى مستنقع للمجاري!

سد وادي الفارعة يتحول إلى مستنقع للمجاري!
رام الله - دنيا الوطن
أكد مركز العمل التنموي/  معا،  أن أول سد في فلسطين في وادي الفارعة والممول من الحكومة الهولندية، تحول من وسيلة لتجميع مياه الأمطار لتغذية المخزون الجوفي إلى مستنقع لمياه المجاري. 

من هنا، يناقش التقرير أسباب فشل السد بعد تسرب مياه الأمطار من شقوقه وتجمع العادمة بدلاً منها، واختلاطها مع المياه النقية.

مدير دائرة الدراسات والرصد الهيدرولوجي في سلطة المياه  م.عمر زايد يشير إلى أن فكرة السد قديمة، وبدأت سنة 1998 بعد زيارة خبراء من هولندا، وكان في مخططهم تقديم مساعدة للشعب الفلسطيني من ضمنها مشروع للتغذية الصناعية، عبر استخدام مياه الفيضان وتخزينها في باطن الأرض وتغذية الخزانات الجوفية، نظرًا لوجود طلب متزايد على المياه بسبب الاحتياجات الزراعية، التي تحتاج كميات ضخ زائدة، وهذا يؤدي إلى هبوط في مستوى سطح المياه. وهذه الفكرة الأساسية لسد وادي الفارعة.

ويضيف:" بدأنا بتنفيذ دراسات في المنطقة، وركّبنا أكثر من محطة لقياس كميات الأمطار، ورصدنا كميات الفيضان القادمة من منطقة وادي الفارعة ووادي الباذان، وتوصلنا حسب الإمكانات المتاحة والموازنة المتوفرة، وحجم السد الممكن إقامته إلى اختيار الموقع الحالي، وقد أخذت إقامة السد وقتًا طويلًا حتى بدأ عام 2004، وسبق أن تأجلت دراسته وأعماله قبل ذلك بسبب اندلاع الانتفاضة، وتعذر وصول الخبراء الهولنديين الذين أقاموا السد وأشرفوا على إنشائه، ولم يكن بمقدورهم الوصول إلى المنطقة بين عامي 2000 و2008."

تصميم عن بعد

واستنادًا لزايد، فإن تصميم السد يعود إلى مهندس هولندي، لم يزر وادي الفارعة، وصمم السد بناءً على الدارسات التي وصلته من الخبراء في الميدان، الأمر الذي اعتبرته سلطة المياه إشكالية، إذ لا يمكن تصميم سد عن بعد. وقد نقل احتجاج السلطة إلى الممولين، لكنهم أفادوا بأنهم أرسلوا كل الدراسات والصور والخرائط للخبير، ومضوا في التنفيذ.

يتابع: "وصلتنا المخططات والتصاميم، وطرحنا العطاءات، وبدأت شركة بتنفيذه حتى بني السد، ولم تظهر مشكلة مجاري مياه مخيم الفارعة خلال إقامة المشروع، ولكن بعد إكمال البناء تفاجأنا أن مياه المجاري تتدفق على بحيرة السد، الأمر الذي سيسب لنا إشكالية ويحدث تلوثًا؛ لأن هدفنا الاستفادة من مياه الفيضان وتخزين المياه في الطبقة الجوفية. 

خلل وتخريب

وبحسب زايد، فإن سلطة المياه بدأت بحلّ مشكلة مجاري مخيم الفارعة، وأسست خطاً ناقلًا لمياه المجاري من خارج بحيرة السد، مروراً بأسفله لنقل المجاري إلى المنطقة المقابلة، وبدأت تعمل بالفعل، إلى إن تعرضت المناهل والأنابيب الناقلة للتدمير بفعل فاعل، وباستخدام جرافة حطمته، ما أدى إلى تجمع المجاري من جديد في بحيرة السد.

يوالي:" وجدنا خللًا في بداية التنفيذ، يتمثل في عدم إيصال الأسمنت إلى المنطقة الصخرية في جزء من السد، وطلبنا من المقاول إصلاحه وإيصال الاسمنت إلى الصخر الأساسي بعمق إضافي، وقد أعدنا المناهل وخطوط المجاري إلى طبيعتها".

ويشرح:" يسرّب السد الماء الآن، وهناك ثغرة فيه، والماء لا تصمد فيه. ومن البداية، صممنا أن لا تصمد المياه فيه غير أسبوع- عشرة أيام، حتى تتسرب إلى باطن الأرض، واتصلنا بعدة جهات لتمويل تأهيله، وتابعنا مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ووفرا 40 ألف دولار للعمل على أكثر من مرحلة لإعادة تأهيل الخط الناقل للمجاري حتى لا تتحول المنطقة إلى مكرهة صحية، والمبلغ متوفر الآن، وسنباشر بالعمل في أقرب فرصة متاحة. كما سنعمل في المرحلة الثانية على تأهيل المنطقة الجانبية التي يحدث فيها تسرب المياه، وطلبنا الاستعانة بخبراء لمساعدتنا."

زايد: السد تجريبي

ويضيف زايد بأن سد وادي الفارعة تجريبي من الأساس على مستوى إقليمي ( فلسطين والأردن ودولة الاحتلال)، وهو قابل للنجاح والفشل، مع الاعتراف بأن خبرتهم بسيطة في هذا المجال، لكنهم يأملون التعلم من خلاله للمشاريع المستقبلية بسلطة المياه، ويعملون حاليًا على تعديل الخلل، آملين من الأهالي منحهم القليل من الوقت لإصلاح السد.

وحول وجود سدود أخرى، ينهي زايد: "لدينا خطة إستراتيجية للبناء في الضفة الغربية، وسننشئ سدين بالتعاون مع وزارة الزراعة في منطقة بني نعيم وبيت الروش، وقريبًا سنباشر في التنفيذ،  بسعة تقريبية نصف مليون متر مكعب لكل واحد منهما. ولن ننتظر الاحتلال حتى يوافق على السدين، وبدأنا بإستراتيجية العمل على أرض الواقع بغض النظر عن ممارسات الاحتلال، ولن نطلب تراخيص لهما."

مستنقع للمجاري

لكن رئيس مجلس قروي وادي الفارعة حسين الحمود يؤكد بأن السد تحول إلى مستنقع للمجاري، وهو يحاول الاتصال مع المسؤولين دون أن يلقى رداً من أحد، كما نقل الموضوع إلى وسائل الإعلام، واتفق مناقشة المسألة عبر شاشة تلفزيون فلسطين، إلا أن البرنامج قُدّم دون مشاركتهم.

وأضاف: "سمعنا من مسؤولي "سلطة المياه" أنهم حصلوا على تمويل لرفع الأذى من مياه المجاري التي تصب في السد، وتحوله إلى مستنقع للمجاري ومكرهة صحية. وقد كان مصمماً لخطوط المجاري الإسمنتية المغلقة أن تعبر تحت السد، وتصب بعيدًا في جسر الملاقي، وتلتقي مع مجاري نابلس لحين حل جذري لمياه المجاري كلها. وللأسف، كسر منفذ السد تجمع مياه المجاري، خلال أعمال إعادة تأهيله بعد ستة أشهر من إنهائه."

ويلفت إلى أن هناك سوء في التنفيذ، وعدم خبرة في السدود، والحديث هنا عن السد الأول في فلسطين، بالرغم من اقتراحهم السابق على مسؤولي "سلطة المياه" الاستعانة بخبير من الأردن لإنجاح فكرة السد والاسترشاد برأيه.

سوء تنفيذ

ومما قدّمه الحمود، فإن المنطقة الشرقية المحاذية للجبل ضعيفة، وكانت تحتاج للحفر أكثر مما جرى، وحدث تسريب للمياه، ولم يثبت أي كوب في السد، بالرغم من كميات الأمطار الجيدة التي هطلت في كانون الأول هذا العام.

يوالي رئيس مجلس الفارعة:" دون مبالغة، فقد كانت التقديرات تشير إلى تجميع 250-300 ألف متر مكعب فيه، وهو "سُديد" وليس "السد العالي"، وفكرته المبدئية تجريب السدود لتغذية المياه الجوفية وتقويتها، وإذا نجحت السدود نعممها، بدلاً من أن تذهب مياه الأمطار في القنوات وتختلط مع مياه المجاري، وتذهب هباء إلى نهر الأردن. ولكن للأسف فشل السد فشلاً ذريعًا في التخطيط والسوء في التنفيذ أيضًا، وأنا مسؤول عن كلامي."

 ويشير إلى استغراق الأعمال في السد نحو خمسة أشهر منذ ثلاث سنوات، وبالرغم من متابعاتهم الفنية رغم أن الأمور الهندسية ليست من اختصاصهم. حيث اقترح العطاء ونفذه وأشرف عليه سلطة المياه. إلا أن المشاكل كان يجب معالجتها سريعاً دون انتظار الإذن من الدول المانحة التي نفذت المشروع للحصول على المزيد من المال.

ويدور الحديث عن نحو ربع مليون دولار أمريكي، مولتها الحكومة الهولندية، إضافة إلى خمسين ألف دولار أخرى لإعادة تأهيل المنطقة، ذهبت دون فائدة. وقد تم وضع أسلاك شائعة حول السد إلا أنه تعرض للسرقة والتخريب.

ويكمل الحمود: "لو نجح السد، لكنا عيّنا له حارسًا، وننفذ حوله حركات جميلة، لكن من أول غزواته كسر عصاته، فبعد أول شتوة ذهبت المياه كلها، وهذه مهزلة."

الحمود: من سد إلى مكرهة صحية

ويزيد: "المصيبة الكبيرة الآن أننا لم نعد نريد للسد أن يُثبّت الماء، وما نطلبه رفع مستنقع المجاري والمكرهة الصحية التي نشأت، حيث أصبحنا نندم على الساعة التي عملنا فيها السد. فهناك بحيرة كبيرة، ورائحة كريهة جديدة، ويمكن أن تسبب قريباً أمراضًا، كما أنها تجلب الخنازير والوحوش والطيور. وبدأ المواطنون بالكتابة والمناشدة، وأنا لست سلطة تنفيذية، وأكثر ما أستطيع فعله إيصال صوت المواطنين إن استطعت الوصول إلى أحد مسؤولي سلطة المياه، كما أننا نحاول الاتصال برئيسها الوزير مازن غنيم، وسبق أن اقترحت عليه خلال لقاءٍ في بلدية عصيرة الاستعانة بخبير أردني".

مخاوف من استمرار الوضع على حاله

ويشير: "كنا نطمح تحويل منطقة السد إلى واحة خضراء، نزرعها بالنخيل، إلا أنه تحول إلى مزرعة للخنازير، ومستنقع للمجاري. وتلقيت 50 اتصالاً من أهالي الفارعة قالوا إنهم بدأوا بجمع تواقيع لتوفير جرافة لهدم السد، الذي تحول لمكرهة صحية بدلًا من كونه منفعة للتربة."

ويكشف الحمود عن أن السد خطير بوضعه الحالي على المياه الجوفية،  فبئر بلدية نابلس لا يبعد أكثر من 50-60 مترًا هوائياً، ومياه المجاري تترسب وتذهب إلى المياه الجوفية.

ويعود رئيس مجلس وادي الفارعة إلى ما قبل تنفيذ السد، فيفيد أن مسوحات جرت للمنطقة، وتم تحديد أكثر من موقع، وقُدّم حينها اقتراحٌ بإعادته 20—30 مترًا إلى الوراء؛ لاستيعاب كميات مياه أكثر، وليتحول إلى موقع استراتيجي، لكن الممول الهولندي حدد مساهمته في المشروع، وتحكم في الموقع.

يتابع:" هناك ضعف في الموقع الحالي، ولا نشكك في أحد، ولكن كان يجب فحص التربة والصخور ضمن معايير قانونية ودقيقة، والاستعانة بخبراء لهم باع في تنفيذ السدود. ولكن للأسف ذهب مليون – مليون ونصف شيقل في الأرض هباء، ولو أنجزنا بها خطوطًا ناقلة للمياه لكان أفضل."

ينهي: "لو نجح المشروع لاستطعنا تعميم فكرة السدود في فلسطين، فنحن بحاجة إلى تجميع مياه الأمطار والاستفادة منها، وقد عانينا في سنوات ماضية كثيراً بفعل انخفاض منسوب المياه في المنطقة، ففي العام الماضي جفت 3 آبار ارتوازية في وادي الفارعة بفعل قلة الأمطار."

 

داوود: إنشاء السدود ليس سهلاً

من جهته، يفيد مدير فرع الشمال في مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين م. سامي داوود: "زرت موقع السد مع فريق سلطة المياه، وعلمت منهم أنه ليس لجمع المياه وحجزها، وإنما لإعاقة حركة المياه للتجمع خلف السد، وتغذية المياه الجوفية والآبار في سهل سميط ومنطقتي النصارية والعقربانية."

ويشير إلى أن إنشاء السدود ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى مختصين من ناحية جيولوجية وهيدروجيولوجية وبناء، ويتطلب أكثر من تخصص، كاختيار المكان الصحيح، والبناء، ومن معلوماته فإن سلطة المياه استشارت خبراء  هولنديين، وكان بالإمكان الاستعانة بخبراء أردنيين لهم باع في السدود.

ومن منظور داوود، فإن تحديد موقع السد ليس من السهل الجزم بكونه صحيحًا أو غير ذلك؛ لأن ذلك بحاجة إلى دراسات دقيقة لتكوينات الصخور الموجودة، وهل هي نفاذة أم لا؟ وهل هناك فوالق؟ والهدف من السد، وكيفية البناء.

يتابع:" السد لا يحجز المياه خلفه حاليًا، وهناك مياه مجاري مخيم الفارعة التي لا تسير في أنبوب يسير من تحت السد، فأصبحت تختلط مع مياه الأمطار، وباتت مسألة حجز المياه صعبة؛ لأنها ملوثة."

ويزيد داوود: "في الوضع الطبيعي يجب أن نقيم السدود؛ لوجود كميات كبيرة من مياه الأمطار، التي تذهب سدى، وخاصةً مع حلول الصيف وبدء معاناة نقص المياه في هذا الموسم".

ويؤكد أن معظم السدود الممكن إقامتها موجودة في المناطق (ج)، التي يسيطر الاحتلال عليها، مانعاً حجز أمتار مكعبة قليلة في الوديان بدعوى تدمير الطبيعة والبيئة!

تكلفة باهظة

ويضيف داوود:" تكلفة السدود باهظة، لكن إقامتها ضرورية لتخفيف العبء على المياه الجوفية، وللحصول على مياه بتكلفة أقل، ولتربية الأسماك، ولمشروعات أخرى، وقدمنا للهولنديين مشروعات لإقامة مشاريع سدود صغيرة بسعة 50-100 ألف متر مكعب،  ونأمل خلال السنتين القادمتين أن نبدأ بهما، دون اعتراض الاحتلال."

وينهي: "نحتاج إلى ما لا يقل عن 450- 500 ملم من الأمطار لعودة ينابيع الفارعة من جديد، الذي كان يعطي 600 متر مكعب في الساعة بالمتوسط،  لكنه الآن وحتى في أفضل الأحوال، وإن فاقت الأمطار 700 – 800 ملم في العام لن يعود النبع؛ بسبب حفر الكثير من الآبار، وانخفاض مستوى المياه الجوفية في منطقة الفارعة، الأمر الذي أثر بشكل كبير على النبع."