الاسرى تحت الهجوم..

الاسرى تحت الهجوم..
 عيسى قراقع 

رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين

بسقوط الشهيد الجريح الاسير محمد الجلاد يوم 8/2/2017، يرتفع عدد شهداء الحركة الاسيرة منذ عام 1967 الى 210 شهيدا قتلوا تعذيبا و اهمالا طبيا واعدموا تعسفيا داخل السجون او خلال اعتقالهم ، وتتكرر الجريمة المنظمة وتتصاعد بشكل غير مسبوق الى درجة انه خلال السبع سنوات الاخيرة سقط 10 شهداء داخل سجون الاحتلال، وفي هذا الزمن القياسي الذي يشير ان السجون والممارسات التعسفية  بحق الاسرى تحولت الى أداة للموت والقتل العمد للاسرى الذين تحولوا الى رهائن للانتقام والانتهاكات الخطيرة.

منذ استلام نتنياهو السلطة في اسرائيل اصبح الاسرى تحت الهجوم وهدفا للانقضاض على حقوقهم وإنسانيتهم، وبدأت حكومة الاحتلال تستخدم الاسرى أداة ضغط سياسي وعنوان سهل لشن عدوانها عليهم وتكريس التعامل معهم كانهم ليسوا من بني البشر، وكل ذلك مصحوبا بالتحريض الايديولوجي العنصري وعدم الاعتراف بشرعية نضالهم الوطني والانساني من اجل الحرية والاستقلال.

ان اسرائيل كسلطة قائمة بالاحتلال تستغل عجز المجتمع الدولي وإرادته وتفكك العالم العربي للتمادي بشكل مسعور في هجومها وعدوانها على حقوق الشعب الفلسطيني استيطانا متسارعا واعتقالات واسعة وجماعية طالت الصغير والكبير، وتشريع كل هذه الممارسات في إطار ما يسمى القانون ، عندما تحول الكنيست الاسرائيلي الى ورشة عمل عنصرية بسن قوانين تعسفية  وفرض اجراءات لا إنسانية ولا أخلاقية ضدهم.

لم يستطع المجتمع الدولي بكافة مكوناته القانونية والانسانية من الزام اسرائيل كدولة محتلة بالاعتراف بانطباق اتفاقيات جنيف على الاراضي المحتلة، ولا على الاسرى المعتقلين القابعين في السجون، ولا زالت حكومة الاحتلال تسعى لتجريد الاسرى من مكانتهم القانونية ومن شرعية نضالهم الوطني ضد الاحتلال، وتعمق مفاهيم التعاطي معهم كمجرمين وارهابيين على المستوى القانوني والاعلامي والسياسي لنزع الشرعية عنهم وعن النضال الوطني الفلسطيني المشروع.

وخلال السنوات القليلة الماضية اصبح الاسرى هدفا للانقضاض على حقوقهم وبشكل ممنهج، يتعرضون  لعمليات قمع واعتداءات على ايدي قوات قمعية مسلحة ومدججة، وفرض عقوبات فردية وجماعية عليهم، إضافة الى تصعيد الاعتقال الاداري التعسفي والعزل الانفرادي والاهمال الطبي والحرمان من الزيارات والتصعيد باستخدام التعذيب،وغيرها من الممارسات التي تنتهك ابسط حقوق الاسرى الانسانية والمعيشية.

ولعل الاخطر في السياسات الاسرائيلية هو تشريع القوانين ضد الاسرى كقانون التغذية القسرية بحق الاسرى المضربين، واعتقال القاصرين من اعمار 12 عام ورفع الاحكام بحقهم، والاعتقالات لمجرد الاشتباه ، وقوانين اعفاء المحققين من توثيق التعذيب صوتا وصورة، وغيرها من القوانين الجائرة التي تضع الاسرى عنوانا واضحا للهجوم الاسرائيلي.

وقد لاحظنا في الآونة الاخيرة ما تقوم به المحاكم العسكرية الاسرائيلية من فرض احكام عالية على القاصرين مصحوبة بغرامات مالية باهظة، اضافة الى فرض تعويضات مالية كبيرة على المعتقلين، بحيث اصبح الضحية الذي يدافع عن نفسه وكرامته يدفع تعويضا للمعتدي والمجرم.

ما تبغيه اسرائيل من هجومها السياسي والقانوني الميداني على الاسرى هو تحطيم المعنى الذي يمثله الاسرى كأسرى حرية ومناضلين ضد الاحتلال، وبالتالي تحطيم مفهوم النضال التحرري الفلسطيني وشرعية المقاومة الفلسطينية التي اقرتها قرارات الامم المتحدة وكافة القوانين الدولية والانسانية ، بحيث تتصرف حكومة الاحتلال مع الاسرى والشعب الفلسطيني كانها دولة غير محتلة ، وان الشعب الفلسطيني هو المعتدي عليها.

من المهم في ظل هذه المآسي الخطيرة التي يتعرض لها الاسرى وضع آليات لحمايتهم وطنيا وقانونيا ما دامت دولة الاحتلال تتصرف كدولة فوق القانون وتستهتر بالقيم والثقافة ومباديء العدالة الانسانية، وأهم أداة في ايدي الفلسطينيين الآن هي إحالة حالات جرائم الحرب وجرائم ضد الانسانية وانتهاكات جسيمة يتعرض لها الاسرى الى المحكمة الجنائية الدولية وحث المحكمة على فتح تحقيقات مع المسؤولين الاسرائيليين حتى لا تبقى اسرائيل كسلطة محتلة منفلتة من المحاسبة والعقاب الدولي.

بعد ان اصبحت الشخصية القانوينة لدولة فلسطين ذات اهمية فاعلة بالانضمام للكثير من المعاهدات والاتفاقيات الدولية ودولة عضو مراقب في الامم المتحدة، من الضروري ان يتم رفع طلب عاجل لمجلس الامن وللامم المتحدة لاتخاذ قرار رادع حول انتهاكات دولة الاحتلال الاسرائيلي لحقوق الاسرى واستمرارها في ارتكاب الجرائم الانسانية بحقهم، والطلب بإرسال لجان تحقيق دولية حول اوضاع الاسرى في السجون وما يتعرضون له من سياسات القمع والبطش و سلب الحقوق.

ومن الاهمية تنشيط العمل الدبلوماسي والاعلامي لتعزيز مقاطعة دولة الاحتلال الاسرائيلي على المستوى الدولي ، والطلب من الدول المبرمة اتفاقيات شراكة عسكرية وامنية وتجارية وسياحية وثقافية مع اسرائيل ان تجمد أو توقف هذه الاتفاقيات بسبب انتهاك اسرائيل لحقوق الانسان الفلسطيني بشكل عام وللاسرى بشكل خاص.

هناك خطر حقيقي وجدي على الاسرى وطنيا وانسانيا وقانونيا، والخطر يمس حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي ناضل الاسرى وضحوا في سبيله ، ويمتد اكثر ليمس شرعية النضال الوطني الفلسطيني ، وابعد من ذلك المجتمع الفلسطيني الذي تستهدف الاعتقالات تدميره وتحميله اعباء لا تطاق من المعاناة الانسانية والاجتماعية.

لقد اصبح الاسرى مكشوفين، عرضة للهجوم المتواصل داخل السجون ومراكز التحقيق والتوقيف، وعرضة لاستلاب حقوقهم على المستوى الدولي بالتحريض الاسرائيلي السافر عليهم، ومحاولات الضغط الاسرائيلي وخاصة في الجانب المالي لوقف دعم موازنة السلطة الفلسطينية بسبب العناية الاجتماعية بالاسرى وذويهم.

ان اقوال الفيلسوف سارتر هي ما تنطبق على المحتل الاسرائيلي في تعامله مع الاسرى والمعتقلين عندما قال: ان المُستعمِر ليس شبيه الانسان، وانه يسعى الى تخفيض مستوى البشر الى مستوى القرود ومعاملتِها معاملة الدواب، فالعنف الاستعماري لا يريد المحافظة على اخضاع هؤلاء البشر المستعبَدين ، وإنما ان يجردهم من إنسانيتهم.