القيادة وترامب

القيادة وترامب
نبض الحياة 

القيادة وترامب 

عمر حلمي الغول

الرئيس دونالد ترامب، كما قال احد الأصدقاء يتعامل مع السياسة وفق معايير شركته العقارية، متجاهلا الفرق والبون الشاسع بين إدارة إمبراطورية بمكانة الولايات المتحدة، التي تملك أقوى إقتصاد وترسانة اسلحة عالمية، ويتشكل نسيجها القومي من خليط من المهاجرين الجدد، مازالت روابطهم عميقة مع جذروهم الأم، وبين إدارة شركة او مجموعة شركات. وبسبب عدم تعمقه في علم السياسة وفنون إدارته، يلحظ المراقب تعثر إدارته في العديد من المسائل نتاج التسرع في إصدار القرارات والمراسيم الرئاسية، التي جاءت نتاج ردود فعل، وإسقاطات رغبوية على الواقع. مما نتج عن ذلك تصادم مع مؤسسات الدولة العميقة ومركبات صنع القرار في الولايات المتحدة الأميركية، منها وزارة العدل والقضاء عموما والرعاية الصحية والإقتصاد والأجهزة الأمنية بالإضافة للتنافر مع العديد من حكام الولايات وخاصة فيما يتعلق بقانون منع دخول ابناء الدول العربية وإيران : سوريا، العراق، السودان، الصومال، ليبيا إلى الولايات المتحدة بما في ذلك حملة الكرين كارت (الإقامة الدائمة) في حملة عداء عنصرية ضد اتباع الديانة الإسلامية؛ وأيضا التصادم مع دول العالم كلها تقريبا: المكسيك واميركا اللاتينية وكندا واستراليا واوروبا وجنوب شرق آسيا وأفريقيا. 

هذه الرعونة السياسية للإدارة الجديدة، وجدت طريقها وثقلها غير الإيجابي إلى الساحة الفلسطينية نتاج إنحياز الرئيس ترامب لدولة إسرائيل الإستعمارية ولتيارها اليميني المتطرف الحاكم. حيث إتخذ ساكن البيت الأبيض موقفا سلبيا من القيادة الفلسطينية دون مبرر واقعي سوى تأثير الفريق المحيط به من اليهود المستوطنين كديفيد فيلدمان، محاميه الخاص وسفيره في إسرائيل، وصهره كوشنير اليهودي الأميركي، ونائبه بينس، وهناك ثمانية آخرين، جميعهم يقفوا على يمين بينت وليبرمان وشاكيد وبالضرورة نتنياهو. مما إنعكس سلبا على العلاقات الثنائية الأميركية الفلسطينية، وأيضا على عملية السلام برمتها. لإن ذلك فتح شهية المستعمرين المنفلتين من عقالهم للمصادقة على قانون سرقة الأرض الفلسطينية وأسرلتها، وإعلان العطاء لبناء قرابة ال6000 وحدة إستيطانية في المستعمرات المقامة في الضفة عموما والقدس خصوصا. أضف لتعالي الأصوات الإسرائيلية المنادية بإسقاط خيار حل الدولتين، او كما اطلق عليه وزير التعليم الحالي خيار "بار إيلان"، وهو ما نادت به مظمة "نساء بالإخضر الإستيطانية" بطريقة أخرى، "فرض السيادةالإسرائيلية على الضفة الفلسطينية المحتلة عام 1967" امس في مؤتمرها، الذي عقدته في فندق كروان بلازا. 

صحيح الرؤية الأميركية الجديدة لم تتبلور نهائيا حتى الآن، لكنها تتشكل تدريجيا، حيث لاحظ المراقب تراجع الرئيس الجمهوري النسبي عن سياساته الفجة، ومنها تراجعه عن قراره في نقل السفارة الأميركية للقدس. بالإضافة لأعلانه أن الإستيطان لا يساعد في الوصول للسلام. وهو التدحرج النسبي للإبتعاد عن مواقفه السابقة. هذا التحول الجزئي في خطاب السياسة الأميركية تجاه عملية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يملي على القيادة الفلسطينية التعامل بمنتهى الحكمة والمثابرة والشجاعة في آن مع سياسة اميركا الجديدة. والإبتعاد كليا عن ردود الفعل المتسرعة والمتطيرة. لإن ذلك لا يخدم بحال من الأحوال التوجهات الوطنية. ويصب في ذات الوقت في مصلحة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. من السهل إطلاق المواقف العنترية والأقصوية، ولكن النتائج، التي يمكن ان تتمخض عن ذلك ستكون وبالا على القضية الفلسطينية. لاسيما وان الإدارة الأميركية مازالت حتى اللحظة الراهنة اللاعب الأساسي في المنطقة، والحاضن الإستراتيجي لإسرائيل الإستعمارية. وبالتالي التعامل مع  إدارة ترامب ومواقفها، يفترض أن يأخذ بعدين الأول الحكمة والمرونة والشجاعة؛ وثانيا الإستعانة والإتكاء على الأشقاء والأصدقاء في توضيح مركبات الصراع للرئيس الجديد. وإزالة الغموض والإلتباس والتشوش، الذي تشكل لديه من فريقه المعادي للمصالح الوطنية الفلسطينية وخيار السلام. وهو ما يمكن إعتباره في المدى المنظور المدخل الطبيعي لإنقاذ ترامب والسلام والمصالح الوطنية في آن. 

 لا يضيف المرء جديدا حينما يذكر بالمقولة، التي تقول، أن السياسة، هي "فن الممكن"، وبالتالي لبلوغ هدف حماية الذات الوطنية من الأزمة الخانقة، التي تعصف بالساحة الفلسطينية، على قيادة منظمة التحرير إدارة الأزمة بحنكة ودراية وقوة لتجاوز التداعيات الخطيرة، التي قد تطال الأخضر واليابس في الساحة. ولذا يفترض وضع رؤية تكتيكية وإستراتيجية تخدم التوجهات الوطنية دون ركوب الرأس ورفع شعارات جميلة، ولكنها ذات إنعكاسات خطرة على السلام والشعب والقضية والنظام السياسي الفلسطيني.

[email protected]

[email protected]