المطران عطا الله حنا: " نحن بحاجة الى انتفاضة فكرية ثقافية لتصحيح كافة الاعوجاجات والمفاهيم الخاطئة "

رام الله - دنيا الوطن
 قال المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس بأن ظاهرة الارهاب والعنف والتطرف والكراهية انما هي مظاهر وظواهر خارجة عن السياق الانساني والحضاري والاخلاقي والروحي ، ووجب علينا جميعا ان نتصدى لهذه المظاهر السلبية التي تعصفب بمجتمعاتنا بمزيد من اللحمة والوحدة والاخوة والحوار والتفاهم لان الارهاب يستهدفنا جميعا ولا يستثني احدا على الاطلاق .

لست من المعتقدين بأن الحملات الامنية والعسكرية قادرة لوحدها على انهاء هذه الظاهرة التي تعصف بمشرقنا العربي وفي غيرها من الاماكن في عالمنا فهنالك حاجة لمواجهة ومعالجة ثقافية فكرية انسانية اخلاقية يكون فيها دور ريادي للقيادات الدينية ولدور العبادة مرورا بالمناهج التعليمية والمؤسسات التربوية والمدارس والجامعات والمؤسسات الاعلامية .

لم يعد كافيا اختصار ردود الفعل على الارهاب الذي يحيط بنا ببيانات شجب واستنكار نسمعها من هنا اومن هناك ، بل هنالك حاجة ماسة لاطلاق مبادرات خلاقة هادفة لمعالجة هذه الافة التي هدفها الاساسي هو تدمير مجتمعاتنا ونسف قيمنا والنيل من وحدتنا واخوتنا وتدمير كل ما هو حضاري وانساني في مشرقنا العربي .

ان داعش وغيرها من المنظمات الارهابية بمسمياتها واوصافها المختلفة والمتعددة انما اوجدها لنا الاستعمار لكي تكون اداة دمار وخراب وتفكيك لمجتمعاتنا والنيل من ثقافتنا وحضارتنا وهويتنا الوطنية ولكن هذه المنظمات وجدت لها حاضنة في بعض الاماكن في مشرقنا العربي بسبب الفقر والجوع والكبت والظلم والقهر وانعدام التربية الصحيحة وغيرها من العوامل الاجتماعية، ولذلك وجب ايضا معالجة هذه الظواهر الاجتماعية .

قبل ايام معدودات شهدنا في اردننا العزيز سلسلة عمليات ارهابية ادت الى استشهاد عدد من الابرياء ناهيك عن الجرحى والمصابين وترهيب وتخويف المواطنين وهذا الارهاب ذاته هو الذي عصف بالقاهرة في الكنيسة المرقسية وفي غيرها من الاماكن .

انها المدرسة ذاتها التي تستهدف سوريا والعراق وكافة ارجاء مشرقنا العربي .

انه ارهاب عابر للحدود تغذيه وتموله اطراف نعرفها جميعا ، انها مؤامرة كونية على شعوبنا العربية وعلى مشرقنا العربي ، انه مخطط مشبوه يستهدف المسيحيين والمسلمين في مشرقنا وفي منطقتنا العربية ، يستهدف هويتنا الوطنية وثقافتنا الانسانية والروحية ، انه ارهاب هادف لتقسيم مجتمعاتنا وتجزئة المجزء وتفكيك المفكك ، انه سايسبيكو جديد يراد منه تقسيم ما قسم سابقا .

ولذلك فإننا في ذكرى القائد القومي الكبير جمال عبد الناصر لا بد لنا ان نقول بأنه لم يعد كافيا التغني بأمجاد الماضي فجمال عبد الناصر ترك لنا مدرسة ، مدرسة الوحدة الوطنية ومدرسة الكفاح والنضال من اجل مواجهة الفقر والتضامن مع الشرائح المهمشة ومعالجة كافة المسائل الاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتنا .

علينا ان ننظر الى واقعنا المأساوي وان نتعلم من تجربة القائد جمال عبد الناصر وان نسعى اليوم بكافة انتماءاتنا والتعددية الفكرية القائمة في مجتمعاتنا الى ان نواجه هذه الافة التي تعصف بنا ويراد من خلالها حرق الاخضر واليابس .

هنالك حاجة لانتفاضة فكرية ثقافية تصحح من خلالها كافة الاعوجاجات والمفاهيم السلبية ، هنالك حاجة لمخاطبة شبابنا والانتقال من القاعات المغلقة التي نخاطب فيها شريحة المثقفين والمفكرين الى ساحات اخرى نلتقي فيها مع الجيل الطالع ، علينا ان نهتم اكثر بشريحة الشباب وبطلاب المدارس ، علينا ان نكون الى جانب هذا الجيل الطالع الذي تعصف به ايديولجيات وثقافات غريبة ودخيلة تهدف الى تغريبه واقتلاعه من هويته وجذوره وانتماءه العربي النقي .

علينا ان نواجه آفة التكفير والتطرف والتحريض المذهبي بثقافة التسامح الديني وقبول الاخر واحترام خصوصيته الفكرية والدينية الثقافية ، ان انتماءنا للامة العربية الواحدة لا يلغي خصوصية الجماعات المتعددة المكونة لهذه الامة ، علينا ان نحترم التعددية الفكرية في مجتمعاتنا .

ولا يجوز ان يظلم او ان يضطهد اي انسان بسبب انتماءه الديني او المذهبي او العقائدي ، علينا ان ننتقل من مرحلة التكفير الى مرحلة التفكير والابداع والرقي وخدمة الانسانية وتكريس الثقافة الوحدوية ذلك لان البشر كافة ينتمون الى اسرة بشرية واحدة خلقها الله ، ونحن في هذا المشرق العربي ننتمي الى امة عربية واحدة بكافة التعددية الفكرية والدينية وغيرها الموجودة في مجتمعاتنا .

اتيتكم من فلسطين الارض المقدسة التي منها انطلقت الرسالة المسيحية الى مشارق الارض ومغاربها ، اتيتكم من فلسطين ارض الميلاد والقداسة والنور والبركة ، حاملا اليكم رسالة فلسطين وحاملا اليكم رسالة القدس عاصمة فلسطين وهي رسالة محبة واخوة وسلام وتضامن مع كل انسان مكلوم ومعذب ومتألم .

اعداءنا يخططون لتقسيمنا وشرذمتنا وذلك بهدف تهميش القضية الفلسطينية وتصفيتها ، اعداءنا يريدوننا ان ننسى فلسطين وان نشطب القدس من قاموسنا ، يريدوننا ان نتخلى عن عروبتنا التي هي قاسم يجمعنا ويوحدنا وان نتحول الى قبائل وحمائل وعشائر ومذاهب وطوائف متناحرة فيما بينها .

القائد جمال عبد الناصر دافع عن الوحدة العربية ، ونحن اليوم ابعد ما نكون عن هذه الوحدة بسبب ترهلنا وضعفنا وبسبب ما تعرضنا له من نكبات ونكسات وبسبب المؤامرات التي تستهدفنا والتي يغذيها بعض العرب بأموالهم النفطية .

نلتفت الى سوريا والتي وصفها القائد جمال عبد الناصر بأنها قلب العروبة النابض ، اعداءنا يريدون تحويل القطر السوري الى ساحة دمار وخراب ودماء وعنف وقتل ونحن نتمنى لسوريا الصمود والثبات والبقاء والانتصار على اعدائها ، واعداء سوريا هم اعداء فلسطين وهم اعداء الاردن ومصر والعراق هم اعداء امتنا العربية من المحيط الى الخليج وهم اعداء الانسانية ، ان من يمول ويغذي الارهاب والعنف انما هو خارج عن السياق الانساني والروحي والحضاري .

وقدم في كلمته بعض الاقتراحات العملية مؤكدا على اهمية اطلاق مبادرات خلاقة وعدم الاكتفاء بالتغني بأمجاد الماضي ، علينا ان ننظر الى المستقبل وان نخطط من اجل المستقبل .

 واكد بأن كافة المؤامرات الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية وتدمير مشرقنا العربي مآلها الفشل ولكن هذا يحتاج الى جهد والى برامج عملية واستراتيجية ويحتاج الى تخطيط ويحتاج اولا وقبل كل شيء الى الانسان العربي المخلص لعروبته النقية المتحلي بالوعي والحكمة والاستقامة والرصانة ، الانسان الرافض للعنصرية والتطرف والكراهية ، الانسان الذي يؤمن بالوحدة الانسانية والوطنية ، كم نحن بحاجة الى اناس من هذا النوع في مجتمعاتنا العربية لكي نفشل المؤامرات والمخططات الكونية التي تعصف بنا مهددة وجودنا وثقافتنا ووحدتنا ولحمتنا .