شكراً لذوي الإعاقة.. خيّبتم ظني بكم

شكراً لذوي الإعاقة.. خيّبتم ظني بكم
هاجر حرب 

تقول  الرواية  المتداولة عبر السنين إن الكثير من عباقرة العالم ممن لمعت اسمائهم، واستطاعوا أن يحجزوا لـأنفسهم مكانه بارزة على صدر صفحة التاريخ هم من الاشخاص ذوي الإعاقة، لكن أي من هؤلاء ، كطه حسين ، وأبو العلاء المعري، ومصطفى الرافعي، وفي التاريخ الحديث العالم البريطاني، ستيفن هاوكنغ، وفرانكلين رزوفلت، الذي أصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية وهي أكبر دولة في العالم عام 1932، لم يستسلم لليأس ولم يركن لنظرة هنا أو لمز هناك، قد تستخف بهم أو تقلل من أهمية فعلهم بسبب ما ألم بهم من إعاقة أياً كان نوعها، بصرية أو سمعية أو حركية، أوجزوا الزمن والتاريخ وتحدوا الإعاقة، ولا أراني في استحضار النماذج السابقة بعيدة عن الإرادة الصلبة التي يتمتع بها الأشخاص ذوى الإعاقة في المجتمع الفلسطيني.

بالأمس القريب التقيت ومجموعة من زملائي بعدد منهم، ضمن مبادرة شبابية إعلامية توعوية وتنموية نظمها المنتدى الاجتماعي التنموي وشبكة غزة أونلاين ، بالشراكة مع الائتلاف من أجل المساءلة والنزاهة (أمان).، للوقوف على طبيعة الخدمات المقدمة لهم، وكنت أظنهم- وأحمد الله أن خاب ظني- غير قادرين على التعبير عن واقعهم ليس تقليلاً من شأنهم، بل لقناعة سلبية رسخت في ذهني لسنوات عديدة، على أنهم لم يصلوا بعد لمستوى القدرة على التعبير، لكنني وقفت مشدوهة، وغير قادرة إلا  على رفع القبعة احتراماً لملكاتهم التي حباهم بها الله، فأعجزوني عن التعبير وخالفوا توقعاتي.

تناقشناً، واستعرضنا واستعرضوا العديد من الإشكاليات التي تعيق وصولهم للخدمات الأساسية التي توفر لهم سبل العيش، في تجاوز واضح من قبل المجتمع بكل مكوناته، إلا من رحم ربي لقيم العدالة المنصوص عليها في المواثيق المحلية والدولية، فلا التعليم ولا الصحة، ولا العمل ولا حتى المؤسسات الخاصة ولا الحكومية على اختلافها استطاعت أن تمنحهم كافة حقوقهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لم يتحرك أحد باتجاه رفع نسبة العمل للأشخاص ذوى الإعاقة داخل المؤسسات الحكومية لأكثر من 50%، وحتى هذه النسبة عند مقارنتها بالواقع سنجدها مجرد حبر على ورق.

وزارة التربية والتعليم كذلك لم تُفكر بعد في إقرار مناهج تعلمية خاصه لتعليم لغة الإشارة للأشخاص غير المعاقين من أجل تأًصيل ثقافة دمج المُعّوقين  في المجتمع، وتسهيل وصولهم لكافة الخدمات والمرافق 

وحتى  بعض الجامعات والمعاهد، لا زالت تأبى على نفسها أن تتيح لعدد منهم دراسة بعض التخصصات التي لا تحول الإعاقة دون ممارستها بشكل أو بأخر، كتخصص الصحافة والإعلام، الذي لو نظرنا إليه من الداخل لوجدناه يحوى عدداً من الأشخاص غير لمُعّوقين لكنهم في حقيقة الأمر أبعد بكثير عن أن يمارسوه بإتقان، ولا يتسع المقام في هذا المقال للخوض في التفاصيل، ولكن حتى وإن أتيح  للأشخاص ذوي الإعاقة فرصة لدراسته فلن يكون مآلاهم إلا خلف المكاتب والأرفف لينفضوا عنها الغبار ويمارسوا أدواراً أبعد ما تكون عن مجال دراستهم، ولا أدرى ما السبب.

وأرجوكم لا تنكروا هذه الحقيقة، واسألوا إن شئتم "أرجوان"  الفتاة التي تعمل الآن موظفه  لاستقبال المكالمات الهاتفية في ديوان الموظفين العام، وتقطع يومياً عدة كيلومترات هي المسافة الفاصلة بين مكان سكانها في رفح جنوباً، وحتي مقر عملها وسط مدينة غزة.!!!

المحاكم والمستشفيات، وشركات الهواتف الخلوية، وحقوق التأمينات الصحة وغيرها جميعها تلفظهم إما بكثير من التبجح وإنكار وجودهم تماماً، والتقليل من قيمة ما يملكون ، أو لعدم وجود قوانين تلزم الجميع باحترام هذه الفئة، وتقدرها حق تقديرها، وفي الحالتين  فإن أحداً لا يملك من سعة الصدر ما تخوله للتعاطي معهم بكثير من الإيجابية وهذا أصل الإشكال.

لنجد أنفسنا أمام حقيقة أنه لا يوجد معوّق، بل يوجد مجتمع مُعيق ،يريد لهم أن يكونوا مجرد أرقام، لكن لقاءاً واحداً معهم، كفيل بأن يثبت لك عزيزي القاري عكس ذلك تماماً، فقظ آمن بكونهم قادرين، وأنهم منّا.. فلماذا لا نكون معهم؟ ونفُسح لهم المجال  ليقولوا كلمتهم في مجتمع قلنا يوماً أنه يتسع للجميع.