إلى أين نمضى .. بعد مؤتمر فتح السابع

إلى أين نمضى .. بعد مؤتمر فتح السابع
د. عبير عبد الرحمن ثابت *

انتهى المؤتمر السابع لحركة فتح بانتخاب لجنة مركزية ومجلس ثورى، وبحضور دولى وعربى لافت إضافة إلى حركتى حماس والجهاد الاسلامى، ورسائل عديدة وجهها الرئيس أهمها أن القرار الفتحاوى  والفلسطينى قرار مستقل وأن الفلسطينيين قادرين على إدارة شأنهم الداخلى  دون الحاجة لوسطاء من الخارج، وقد أظهر الرئيس أنه  قادر على جمع كل التناقضات الفلسطينية  إن أراد ذلك، وخطا خطوته الأولى في هذا المؤتمر وإن كانت تبدو للبعض خطوة  صغيرة إلا أنها تفتح طريق أوصد لعقد من الزمن نحو لَمَ التناقض السياسى الفلسطينى  بمعزل عن أن أى تدخل خارجى وهذا هو أقصر الطرق لتكريس الوحدة الوطنية الفلسطينية التى غابت كثيرا عن المشهد السياسى الفلسطينى، وماضون إلى إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67وعاصمتها القدس الشرقية ولن نعترف بيهودية الدولة الاسرائيلية، والجميع تابع عن كثب مجريات المؤتمر والخطابات ولكن بانتظار إجابة واضحة إلى أين نمضى بالقضية الفلسطينية ومشروعنا الوطنى ما بعد مؤتمر حركة فتح  والتى تشكل القرار الفلسطينى وهنا نسلط الضوء على أهم القضايا التى ستحدد طريق مضينا إلى أين :

اولا: إنهاء الانقسام أم إدارته  

حرصت حركة حماس على تسهيل مرور أعضاء المؤتمر من غزة ولم تشكل عائق ضدهم وقبلت دعوة فتح للحضور بالمؤتمر وتقدمت بأكثر من ذلك بخطاب موجه من خالد مشعل للرئيس محمود عباس وحركة فتح ومد يده للمصالحة والشراكة السياسية، وناغمت حماس عبر العديد من التصريحات حركة فتح وهنأتها على نجاح المؤتمر منتظرة منها تحقيق المصالحة والتى أشار إليها السيد الرئيس محمود عباس في خطابه ولم ينعت ما حدث بغزة بانقلاب كالعادة بل بين قوسين(الى حصل حصل) كإشارة للاستجابة لدعوة قطرية بعد المؤتمر للحوار مع حركة حماس، تلك قطر التى لعبت دوراً من خلال العمادى على وصول عناصر حركة فتح من غزة والخارج حسب تصريحات مردخاى الأخيرة والذى كان لها الدور في دفع حماس لتلبية الدعوة بالمؤتمر، وهنا التساؤل الأكبر هل قطر تريد إنهاء الانقسام أم السعى لادارته، وأمام الاختلاف الأيدلوجي والسياسى بين الحركتين والتعنت وتمسك كل طرف بوجه نظره، نرى السيناريو القابل للتنفيذ في هذه المرحلة وهو إدارة الانقسام والتدرج مرحلياً نحو إنهائه بخطوات يبنى عليها  وتكون أول تلك الخطوات أن تتحمل أحد الدول الخليجية فاتورة رواتب موظفى غزة واتمام مصالحة قد تكون أشبه بزواج بروتوكولى على الورق فقط، بمعنى غزة تحكمها أجهزة حماس الأمنية والضفة الغربية أجهزة السلطة الفلسطينية ويدير الشؤون المدنية حكومة توافق برعاية قطرية تركية خليجية، وخاصة أن الرئيس أكد في خطابه تمسكه بالمقاومة السلمية والتى تتناقض مع أيدلوجية حماس المدججة بالسلاح، بالاضافة إلى تمسك حركة حماس بموقفها تجاه شروط الرباعية وهذا ما قد يعيق تشكيل أى حكومة تكون حركة حماس جزء منها خوفا من مقاطعتها وعدم التعاطى معها كما حدث سابقاً، ولهذا تتطلب المرحلة القادمة برغماتية سياسية عالية المستوى من حماس وفتح أيضا حتى نصل مرحلياً وبأسرع وقت ممكن نحو انهاء الانقسام.

ثانيا: إعادة ترتيب البيت الفلسطينى

وهنا وبتوازى مع ما سبق وجب الحديث عن كيفية تفعيل منظمة التحرير وضم كافة الحركات الفلسطينية لها خلال مراحل انهاء الانقسام، وهو ما يتطلب إعادة صياغة القانون الأساسى وتحويله لدستور لدولة ضمن التوافق على خارطة طريق فلسطينية جامعة لسياسات ورؤى سياسية بعيداً عن أى أيديولوجية وبما يتوافق مع الظرف الاستثنائى لقضيتنا ولحالة البلازما للجغرافية السياسية للإقليم وبواقعية وموضوعية وبما يخدم قضية الاستقلال الفلسطينى وتجسيد الدولة بمفهومها الواسع والذى مضمونه إنشاء نظام الحكم الرشيد الذى جوهره الانسان الفلسطينى 

ثالثاً: البرنامج السياسى  والتسوية السياسي

 لم يحمل المؤتمر أى مفاجئات حول الخط السياسى الفلسطينى المستقبلى غير التأكيد على التصعيد للمقاومة الدبلوماسية للاحتلال والتهديد بالسير فيها حتى منتهاها ولدينا العديد من الوسائل بالأمم المتحدة والمجتمع الدولى، ولم نشهد تغيير في ما تم طرحه حول البرنامج السياسى وما زال التمسك بخيار السلام بالرغم من الاعتراف بفشل المفاوضات والعملية السلمية والمراهنة قائمة على المجتمع الدولى والولايات المتحدة الأمريكية، وجدد رفضه للمقاومة المسلحة التى قد تسبب فوضى السلاح ويصعب السيطرة عليها كما الحراك العربى في العديد من دول المنطقة ، وهنا تبرز ضرورة التوافق الفلسطينى على آليات المقاومة والنضال بما يعزز صمود الشعب بالقدس والضفة الغربية لمواجهة الاستيطان،  والتصدى لسياسة التعنت التى تنتهجها الحكومة الاسرائيلية وعرقلة أى مساعى لحل الدولتين وآخرها المبادرة الفرنسية التى تسعى جاهدة لافشالها، والبحث عن خيارات أخرى مساندة لقضيتنا من خلال المحاور الدولية التى بدات في الظهور كالمحور الروسى الذى بدأ يركز قواعده بقوة في الإقليم والاستفادة من الدعم الدبلوماسى الأوروبي كشرعية دولية ملزمة لاسرائيل والخروج من دوامة الرعاية الأبدية والحصرية للولايات المتحدة الأمريكية لعملية السلام . 

إن المرحلة تبدو قاتمة وضبابية ، والاقليم  بأسره غارق في مستنقع ما بعد الربيع العربى واسرائيل تسعى لإبقاء الحال على ما هو عليه خاصة الانقسام الفلسطينى، والمنقسمين أنفسهم غير قادرين أو غير راغبين فى إنهائه، وبالرغم من ذلك فإن نجاح المؤتمر السابع هو لبنة جيدة للبناء عليها ليس فتحاويا بل فلسطينيا، والاهتمام الاقليمى والدولى بهذا المؤتمر يدعونا للتفكير  في ما هو قادم بامكانية  ترتيب البيت الفلسطينى لتعزيز صمود شعبنا في أرضه .

أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية