قراءة في مذكرات د. نبيل شعث: حياتي من النكبة الى الثورة (2-5)

قراءة في مذكرات د. نبيل شعث: حياتي من النكبة الى الثورة (2-5)
خاص دنيا الوطن - مازن صافي
تحدثنا في الحلقة الأولى عن الظروف السياسية والاجتماعية والدولية التي إنطلقت من خلالها مجموعات المقاومين، وصولا الى البذور الأولى لحركة فتح، ومن ثم تحدثنا عن دواعي كتابة د.نبيل شعث لمذكراته، مع نبذة قصيرة عن مولده وتنشئته الأولى حتى صباه.

في هذه الحلقة الثانية نذكر:

يصف رحلة حياته بأنها "جميلة" ولكنها لا تخلو من التعقيد، والدموع والمغامرة، والفرح، والالتزام، وانعكس كل ذلك على مذكراته، فتارة تشعر بأنك قد إمتلأت بالحزن حد البكاء معه، وتارة أخرى يأخذك حد الفرح حتى تكاد تصفق وتبتسم من أعماق قلبك، ولذا فإنني قد أكملت قراءة الكتاب وكأنني في حديقة متنوعة، فيها الورود الجميلة برغم الأشواك، نراه في فصول كتابه شغوفا بالتاريخ الاسلامي والسيرة النبوية والأدب، ويمارس هواياته المختلفة بين جمع الطوابع، والموسيقى الكلاسيكية وموتسارت، ويطرب لفيروز والفيس بريسلي، ويقول أنه استخدم مقطع أغنيته "الآن أو لا للأبد" عشرات المرات أثناء مفاوضاته مع الإسرائيليين والأمريكان والمانحين الدوليين. 

يجبرك أن تبكي حياة الناس أثناء التشريد في نكبتهم 1948م، وقسوتها وهم في الشتات موزعين تحت الوصاية والتبعية والتغريب، لاجئين بلا هوية، ويستذكر قول قدوته ومثله الأعلى والده وهو يقول: "المعركة طويلة وسوف تستمر لعدة أجيال وعلينا جميعا أن نستعد لها بعقولنا وسواعدنا ولا مكان لليأس في حياتنا".

في مذكراته تجد شفافا جدا، وكتابا مفتوحا، فيصف علاقته بتنظيم الاخوان المسلمين في سنوات شبابه الأولى، وأثرها عليه من ناحية الالتزام بالصلاة ومواجهة الابتلاءات والصعاب بالأعمال الصالحة، والصيام، وبالرغم من مغادرة التنظيم عن اقتناع إلا أنه احتفظ بعلاقات شخصية مع بعض اعضاءه، ويذكر أن البعض من مؤسسي الحركة كأبوجهاد، وأبوإياد، وكمال عدوان وأبويوسف النجار كانوا في بداياتهم بتنظيم الاخوان، وقد غادروه ليبدؤوا في تأسيس حركة التحرر الوطني الفلسطيني "فتح".

يكتب الدكتور نبيل شعث عن حياته السياسية، ونتعرف على علاقته بالقومية، والناصرية وحبه وتأثره بالرئيس جمال عبد الناصر ويتذكر تكرار موقف والده حين وقف بجانب عبدالناصر ليحميه، وموقفه هو من أبوعمار وقد كان يتذوق كل طعامه في الأمم المتحدة 1974 ليحميه من أي مؤامرة لتسميمه.

درس التجارة والعلوم الادارية في جامعة الاسكندرية، 1954، بعد ضغوط من والده، حيث كان يرغب في دراسة القانون للدفاع عن قضية وطنه، وفي الجامعة تعرف على صفاء زيتون التي أصبحت زوجته "أم علي" وشريكة حياته، حافظة أسراره والقوة الدافعة له وحافزه على النجاح وتحدي الصعاب، ونلمس في مذكراته قداسة الحياة الزوجية كأهم جوانب الحياة الإنسانية، وقد شكلت الجزء الأكبر من حياته القائمة على الحب الصادق والوفاق التام والتفاهم الكامل،وساعده كل ذلك على بناء أسرة ناجحة وتحقيق حلم والده فيه ودعوات أمه.

يتحدث عن مآسي ومعاناة اللاجئين في البلاد العربية، ووثائق سفرهم كالوثيقة المصرية للاجئين الفلسطينيين، والمجازر التي ارتكتبها اسرائيل في خانيونس ورفح حيث يسكن الغالبية من أهله من آل شعت (شعث)، ومن ثم ينتقل للحديث عن السماح لهم بالعمل في مصر ودول الخليج، وأنه حمل بندقية سيمينوف السوفيته، دفاعا عن فلسطين ومصر وكرامة العرب، ويسجل استشهاد العقيد مصطفى حافظ وتحول عبدالناصر للمعسكر السوفيتي، وميلاد السد العالي وتأميم قناة السويس، وتطور الزراعة والصناعة في مصر، وكتب عن مظاهرات رفض سكان غزة للتوطين، وزيارة عبدالناصر لها وقتاله وحصاره في الفالوجة، والعدوان الثلاثي ويذكر أن احتلال غزة بعد العدوان الثلاثي كان أكبر الدافع للشباب الفلسطيني لتوجههم للمقاومة والكفاح المسلح، ويكتب عن مرحلة اطلاق عبد الناصر شعاره "الوحدة العربية طريق تحرير فلسطين" وأنه تأثر بالمناخ الناصري وأعجب به، وتحدث في مذكراته عن الارتباط المصيري بين فلسطين ومصر، ويقول:"ليس هناك قرية لم يقاتل ابناءها مع فلسطين ويستشهد أحدهم دفاعا عنها." 

ومتأثرا بوالده وبكل من تعامل معهم في حياته، يترك للقاريء وصيته من خلال تجربته الشخصية، أن العلاقات المتينة مع الآخرين من عناصر النجاح، ويمكن توظفيها في أي مرحلة لصالح قضيتنا الفلسطينية والعربية، وأن زملاء الأمس في حياته اصبحوا قادة الغد في بلادهم، مما سهّل الكثير من الإنجازات لفلسطين والمستمرة حتى اليوم، ويذكر الكثير من المواقف والمهام التي خدمته هذه العلاقات لانجازها، مما انعكست بالايجاب على تراكمات إنجازات الثورة والانتقال من محطة لأخرى، كما يذكر أن إجادته التامة للغة الانجليزية واحترافه استخدام اساليبها مكنته من إدارة مفاوضات شاقة مع الأمريكان والاحتلال، حتى أنهم أعلنوا في إحدى المرات أنهم لا يحبونه ولكنهم يحترمونه لبراعته في استخدام مفرداتها واساليبها وتسخيرها لعرض ما يحتاجه في نجاحه بالمفاوضات.

ويقول عن حياته في الولايات المتحدة وحصوله على درجة الماجستير والدكتوراة بإمتياز من جامعة بنسلفانيا إحدى أهم الجامعات الأمريكية 1959 -1963، ويكتب عن مرحلة مهمة في حياته وصعوبات قاهرة واجهته وتمييز عنصري عانى منه، ويقول أن هذه المرحلة تعلم منها، كيف يفكر ويحلل ويقرر ويحصل على المعلومات، ويدير الاجتماعات بالطرق والأساليب العصرية التي مكنته من الارتقاء بحركة فتح وترأسه مؤتمراتها الحركية العامة وإدارته وإعداده لكثير من المهام والاجتماعات التي كلفه بها القائد أبوعمار.

التعليقات