خيارات حل المعادلة الفلسطينية بين الدولة والثورة

خيارات حل المعادلة الفلسطينية بين الدولة والثورة
د. عبير عبد الرحمن ثابت

ما وصلنا إليه اليوم من حالة متردية هو نتاج طبيعى للخلط بين مفهومى الدولة والثورة، وهو ما خططت إليه إسرائيل لخلط الأوراق الفلسطينية وهى المستفيد الأول منه، فمنذ قدوم السلطة الفلسطينية وإسرائيل تسعى أن يتحول الصراع من إسرائيلى فلسطينى إلى صراع فلسطينى فلسطينى على سلطة وهمية، وهى لم ترد إنهاء للصراع بل إنشاء صراع آخر ذو طبيعة فلسطينية وهو ما نحياه اليوم للأسف وما أوصلتنا إليه من شبه دولة وشبه ثورة وجدلية الصراع على السلطة أصبحت الأولوية، فلم نفلح في إدارة الثورة ولم نحسن إدارة السلطة، ولعله شخص محترف واحد من تمكن من إدارة هذه العملية المعقدة بحدودها الدنيا وهو الراحل ياسر عرفات الذى استشعر هذا الخطر وفجر انتفاضة ثانية وأرسل حينها رسالة لإسرائيل مفادها إما الدولة وإما الثورة، وقد فهمت إسرائيل الرسالة ودفع حياته ثمنا لموقفه الوطنى، ومع وفاته إنهارت هذه الآلية في إدارة الحد الأدنى بين الدولة والثورة، ودخلنا في انقسام فلسطينى قد تحول إلى انقسامات فلسطينية متتالية وصلت إلى داخل التنظيمات نفسها وبدرجات متفاوتة . وهو ما يدعونا اليوم لإعادة النظر لنظامنا الفلسطينى برمته، وقبل ذلك الاعتراف بأننا وقعنا في شرك كبير عندما بقيت السلطة كما هى،  ولم تتحول إلى دولة مع ثورة تحمل عشرات البنادق ببرامج سياسية مختلفة، وعلينا أن نعيد الموائمة بين مفهومى الدولة والثورة،  وأن نعيد إرسال رسالة الراحل عرفات ولكن بصيغة أخرى تتلائم مع ما وصلت إليه قضيتنا، وعلينا أن ندرك أن انسداد أفق التسوية السياسية سوف يبقينا لوقت طويل في هذا الوضع بين الثورة والدولة. وعليه يتوجب الان التحرر ولو مرحلياً من اتفاق أوسلو الذى أسقطته اسرائيل بسياساتها المتطرفة والتوسعية في الضفة الغربية والقدس، وعلينا أن ندير مفهوم الدولة في شأننا الداخلى بشكل صحيح فالدولة لها سلاح واحد وحكومة واحدة ولا مكان لأى مليشيات عسكرية في مفهوم الدولة ولا يجوز المزج بين السلطات وعلينا أن نتهيأ لليوم الذى نتحول فيه من النظام المختلط بين الدولة والثورة الى نظام الدولة الفلسطينية المستقلة .

لم يعد أمامنا الوقت الكثير للبحث عن خيارات أمام المتغيرات العربية والاقليمية والدولية المحيطة بنا، ونحن الأحوج الآن إلى السعي لصياغة برنامج وطنى شامل وفق رؤية وحدوية جامعة للكل الفلسطينى على أساس الشراكة السياسية، وعلى الجميع أن يعى أن الحالة الراهنة لا تحتمل الحفاظ على الأجندات الحزبية الخاصة فمصلحة الوطن توجب على الجميع التخلى عن أجنداتهم الحزبية الضيقة والعمل على أجندة وطنية جامعة وتسخير كل الأفكار والاستراتيجيات والأيدلوجيات لإنجاح مشروع  الاستقلال الوطنى الفلسطينى، وكخطوة أولى وأساسية يجب إنهاء الانقسام السياسى بين حركتى فتح وحماس ولملمة البيت الفتحاوى التى هو عمود الخيمة الفلسطينية لمواجهة إسرائيل التى تسعى أن تكون جزء معترف به بعالمنا العربى  مع التنصل من حقوقنا المشروعة، وإعادة الاعتبار لقضيتنا الفلسطينية في الأروقة العربية والتمسك بالشرعية الدولية الداعمة لحقنا بإقامة الدولة . والذهاب لحوار جماعى مفتوح للخروج من الحالة الراهنة ووضع حلول جذرية أهمها البدء في إعادة بناء منظمة التحرير الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى بما يكفل انضمام الحركات (الاسلامية) ليلتئم الشمل الفلسطينى تحت مظلة وطنية واحدة ولتكوين قيادة موحدة قادرة على توجيه الشعب الفلسطينى تجاه مشروع التحرر والاستقلال.

وهنا من الضرورى الاشارة إلى أنه أضحى بشكل واضح أنه ليس بوسع أى فصيل إقصاء الآخر عن الساحة السياسية خاصة حركتى فتح وحماس،  ولا يمكن لأى منهما تمرير برنامجه السياسى دون توافق مع الآخر، فالطرفان خاسران والكاسب الوحيد اسرائيل والمنقسمون لا يحرروا أوطان .

أستاذ علوم سياسية وعلاقات دولية