تراثٌ عريق على حافة النسيان

تراثٌ عريق على حافة النسيان
خاص دنيا الوطن - روزين أبو طيون

تغمر عينيك وقلبك بأروع قصور باتت في خانة النسيان، تدخلها بقدمك اليمنى وتأخذ نفسا ًعميقاً، فيدخل صدرك هواء منعش من رائحة الماضي يملاً عليك حكاياه، تنظر إلى كلِ شبرٍ فيها وعيناك تلمع، لا تتمنى الخروج منها، وكأن التاريخ حفر على جدرانها، وعقلك يتساءل عن حجارتها التي مرت بكل حقبة تاريخة، وشجرها الذي نما مع كل حجر وضع فيها، وعن أناسها الذين بقوا فيها رغم هلاكها.

قصة نابلس (البلدة القديمة)، التي تعود بعض حجارتها إلى أكثر من 400 عام، تمتد فيها الأسواق المسقوفة، والبيوتات (القصور) العتيقة، وتنتشر فيها مساجد ومقامات وحمامات تعود إلى العهدين التركي والمملوكي، ومن أبرز معالمها مسجد الخضراء والجامع الصلاحي الكبير، بالإضافة إلى قصورها، قصر النمر، وقصر عبد الهادي، وقصر طوقان.

متخصصون

يقول المهندس نصير عرفات وهو مدير مركز إحياء التراث" القصور هي عبارة عن ملكيه خاصة, وبحكم التشعب أصبح المالكون لها عدداً كبيراً من الناس لهذا هنالك إشكالية في أخذ القرار من أصحابها فهم لا يستطيعونَ الاتفاق على رأيٍّ واحد. وأموال الدعم تأتي للعامة وليس للخاصة، لهذا هناك مشكلتان الأولى إشكالية من المانح هدفها النفع العام وليس الخاص والقصور هي عبارة عن ملكية خاصة، ثانياً الملكية الخاصة متشعبة يصعب أخذ القرار فيها ".

يضيف عرفات "فيما يتعلق بعمليات الترميم حصل ترميم جزئي لقصر عبد الهادي، وكان الممول الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت من خلال مؤسسة التعاون, وككل بيت قديم يجب أن يتم ترميمه ولكن هنا نتحدث نحن عن تكلفة عالية ومبالغ طائلة غير متوفرة، لذا يجب أن يكون هناك توالٍ في العمل باتجاه حمايتها وجانبٌ فيزيائى بالترميم وجانبٌ اجتماعي في توعية أصحابها ورفع قيمتها لديهم وتمكينهم من الاستفادة منها".

يشير الدكتور مازن رسمي من قسم الآثار في جامعة النجاح الوطنية" الجيل الجديد بعيدٌ كلَ البعد عن تراثه، اهتماماتهم اليوم أصبحت بأمور العصر والحداثة والتكنولوجيا، وبالتالي إما أن يستعر من تراثهِ وهويتهِ التاريخية أو أن يجهلها كل الجهل بدرجة قد تكون حتى على أناسٍ متعلمين، ونحن بدورنا نقوم بعمل دورات ومؤتمرات وندوات ورحلات ميدانية لهذه المناطق كجزء من الوعي التراثي للطلاب". 

يكمل رسمي "دورنا للأسف محدودٌ جداً كون المؤسسات لا تتعاون في هذا المجال، وخاصة الدور الأساسي الواقع على وزارة الآثار فتقصيرها رهيب، بحيث لا تحظى هذه القصور باهتمامٍ كافٍ بالترميم، فالدول المتحضرة اليوم تعمل على إعادة الحياة لها وانعكاسه إيجابياً على الجانب المحلي، وبالنسبة لوسائل الإعلام فمن الضروري عليها أن تعمل على ترسيخ هذا الموضوع وتقريب المواطن إلى التراث ونقله إلى كل بيت، وبدل من أن تقدم جل تركيزها على المسسلسلات التركية، عليها أن تركز على المسلسلات التي ترسخ التراث".

سكان ومهتمون

يتحدث معين عبد الهادي (46 عاماً) القصر هو تراث فلسطيني وشيء من رائحة الأجداد، ومن أجل أن لا تتم محاولة لبيعه من قبل الأبناء عمل الجد على وقفه بالمحكمة وفي حال انقطاع النسل يحول إلى بيت مال المسلمين".

تقول كلثوم حجير "لم يبق من فلسطين سوا تراثها، وللأسف الجيل الجديد لا يهتم إلا بكل ما هو جديد، لا يعرف أهمية هذا التراث لنا نحن الجيل القديم، ولفلسطين، فالتراث يعبر عن كل ما هو قديم، وأتمنى أن يتم الاهتمام والحفاظ عليه".

قصر عبد الهادي

ﺘﻌﻭﺩ ﺃﺼﻭل ﺁل ﻋﺒﺩ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ إﻟﻰ ﺍﻟﺸﻘﺭﺍﻥ ﻭﻫﻡ ﻤﻥ ﺃﺼل ﻭﺍﺤﺩ ﻤﻊ ﺁل ﺠﺭﺍﺭ ﺍﻟﻤﻭﺠﻭﺩﻴﻥ ﻓﻲ ﺠﻨﻴﻥ ﺤﺎﻟﻴﺎ ﻭﺠﺩﻫﻡ ﺍﻷﻜﺒﺭ ﻫﻭ ﻤﺤﻤﺩ ﺍﻟﺯﺒﻥ، ﻭﺍﻟﺸﻘﺭﺍﻥ ﻫﻲ ﺤﻤﻭﻟﺔ ﻤﻥ ﻗﺴﻁل ﺍﻟﺒﻠﻘﺎﺀ ﻭﻏﺎﺩﺭﻭﺍ ﺍﻟﻜﺭﻙ ﻓﻲ ﺜﻭﺭﺓ 1669 ﻭﺠﺩﻫﻡ ﺍﺴﺘﻘﺭ ﺒﻌﺩ ﺫﻟﻙ ﻓﻲ ﻤﺭﺝ ﺍﺒﻥ ﻋﺎﻤﺭ.

ﻴﻌﺘﺒﺭ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻘﺼﺭ ﻤﻥ أﻀﺨﻡ ﻗﺼﻭﺭ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ، ﻓﻘﺩ ﺸﻴﺩﻩ ﻤﺤﻤﻭﺩ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ ﻋﻨﺩﻤﺎ ﻜﺎﻥ ﻤﻠﺘﺯﻤﺎﹰ إﻗﻁﺎﻋﻴﺎﹰ ﻟﻤﻨﻁﻘﺔ ﺠﺒﺎل ﻨﺎﺒﻠﺱ آﺒﺎﻥ ﺍﻟﻌﻬﺩ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻨﻲ ﻋﺎﻡ 1820، ﻭﻭﺭﺙ ﺍﻟﻘﺼﺭ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺭﺤﻴﻡ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ ﻋﺎﻡ 1865 ﻭﺃﺠﺭﻯ ﻋﻠﻴﻪ ﺘﺤﺴﻴﻨﺎﺕ، ﻭﻫﻭ ﺤﺎﻟﻴﺎﹰ ﺠﺯﺀ ﻤﻥ ﻭﻗﻑ ﺍﻟﻌﺎﺌﻠﺔ، ﻴﺴﻜﻨﻪ ﻓﺭﻉ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺭﺤﻴﻡ ﻭﻓﺭﻉ ﻋﺒﺩ ﺍﻟﺭﺤﻤﻥ2، ﻜﺎﻨﺕ ﺘﺴﻜﻥ ﻓﻴﻪ 12 ﻋﺎﺌﻠﺔ ﻤﻥ ﺁل ﻋﺒﺩ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ، ﻭﻫﻭ ﻴﻘﻊ ﻋﻠﻰ ﺴﻔﺢ ﺠﺒل ﺠﺭﺯﻴﻡ ﻓﻲ ﻤﻨﻁﻘﻪ ﺘﺘﻭﻓﺭ ﻓﻴﻬﺎ ﻴﻨﺎﺒﻴﻊ ﺍﻟﻤﻴﺎﻩ، ﻭﻗﺩ ﺸﻴﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﺭﺽ ﺘﺒﻠﻎ ﻤﺴﺎﺤﺘﻬﺎ ﻫﻜﺘﺎﺭﻴﻥ، ﻭﻴﺸﻐل ﺒﻨﺎﺀ ﺍﻟﻘﺼﺭ ﻫﻜﺘﺎﺭﺍ ﻭﺍﺤﺩﺍ ﻭﺘﺸﻐل ﺍﻟﻬﻜﺘﺎﺭ ﺍﻟﺜﺎﻨﻲ ﺤﺩﻴﻘﺔ ﻭﻟﻪ ﻤﺩﺨل ﻜﺒﻴﺭ ﻨﻭﻋﺎ ﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺎﺭﻉ ﻴﺩﺨل ﻤﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺩﺭﺠﺎﺕ إﻟﻰ ﺴﺎﺤﺔ ﺴﻤﺎﻭﻴﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﺭﻑ ﻭأﻤﺎﻤﻬﺎ أﻭﺍﻭﻴﻥ ﻓﻭﺍﺤﺔ، ﻭﻟﻬﺎ ﻤﺼﺎﻁﺏ ﺤﺠﺭﻴﺔ، ﻭﻫﺫﺍ ﻫﻭ ﺍﻟﺴﻼﻤﻠﻙ، ﺜﻡ ﻤﺩﺍﺨل ﻷﺠﻨﺤﺔ ﺃﺨﺭﻯ ﻟﻠﺤﺭﻴﻡ ﻓﻴﻬﺎ ﻏﺭﻑ ﻤﺘﻘﺎﺒﻠﺔ، ﻭﺒﻴﻨﻬﺎ ﺃﻭﺍﻭﻴﻥ ﻭﻟﻬﺎ ﺩﻜﻙ ﺤﺠﺭﻴﺔ ﻭﻤﺴﺎﺤﺎﺘﻬﺎ ﻭأﻭﺍﻭﻴﻨﻬﺎ ﻤﺒﻁﻠﺔ ﺒﺒﻼﻁ ﺤﺠﺭﻱ ﻭﺍﻟﻐﺭﻑ ﺃﻭ ﺒﻌﻀﻬﺎ ﺒﺒﻼﻁ ﺭﺨﺎﻡ، ﻭﻴﺤﻭﻱ ﻜل ﻁﺎﺒﻕ ﻤﺠﻤﻭﻋﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﻐﺭﻑ ﺍﻟﻜﺒﻴﺭﺓ ﺍﻟﺤﺠﻡ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﺘﻘل ﻤﺴﺎﺤﺔ ﺍﻟﻭﺍﺤﺩﺓ ﻤﻨﻬﺎ ﻋﻥ 60 ﻤﺘﺭﺍً ﻤﺭﺒﻌﺎً، ﻜﻤﺎ ﻻ ﻴﻘل ﺍﺭﺘﻔﺎﻋﻬﺎ ﻋﻥ ﺴﺒﻌﺔ أﻤﺘﺎﺭ ﻴﺘﻭﺴﻁ ﺴﻘﻔﻬﺎ ﺼﺤﻥ.

 أﻤﺎ ﺴﻁﺤﻬﺎ ﻓﻬﻭ ﻋﻠﻰ ﻨﻅﺎﻡ ﺍﻟﻘﺒﺎﺏ، ﻭأﻤﺎ ﻗﺼﺎﺭة ﺍﻟﺠﺩﺭﺍﻥ ﻓﻜﺎﻨﺕ ﺘﺘﺄﻟﻑ ﻤﻥ ﺨﻠﻁﺔ ﻤﻥ ﺍﻟﺸﻴﺩ ﻭﺍﻟﻠﻴﻑ ﻭﺘﻌﺠﻥ ﺒﺎﻟﺯﻴﺕ ﺒﺩﻻﹰ ﻋﻥ ﺍﻟﻤﺎﺀ. ﻭﻴﺒﻠﻎ ﻋﺩﺩ ﺍﻟﻐﺭﻑ ﻓﻴﻪ 144. ﻭﻓﻲ ﺒﺎﺤﺔ ﺍﻟﺴﺎﺤﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺭﺓ ﻟﻠﻘﺼﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﺘﺘﻭﺴﻁﻬﺎ ﺤﺩﻴﻘﺔ ﺘﻘﺒﻊ ﻨﺨﻠﺔ ﺒﺎﺴﻘﺔ ﻋﻤﺭﻫﺎ 150 ﺴﻨﺔ، ﻭﺘﺒﺩﻭ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻬﺔ ﺍﻟﻐﺭﺒﻴﺔ ﺒﻘﺎﻴﺎ ﺍﻟﺩﻤﺎﺭ ﺍﻟﺫﻱ ﺨﻠﻔﹼﻪ ﺍﻟﺯﻟﺯﺍل ﺍﻟﺫﻱ ﻀﺭﺏ ﻨﺎﺒﻠﺱ ﻋﺎﻡ 1927، ﻭﻻ ﺠﺩﺍل ﻓﻲ أﻥ ﻤﺒﻨﻰ ﺍﻟﻘﺼﺭ ﺍﻟﻘﺩﻴﻡ ﻴﻌﺘﺒﺭ أﻀﺨﻡ ﻤﺒﻨﻰ ﻟﻭﺍل ﻤﺤﻠﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻬﺩ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻨﻲ ﻤﻥ ﺤﻴﺙ ﺍﻟﺴﻤﺎﺕ ﺍﻟﻤﻌﻤﺎﺭﻴﺔ.

" هذه المعلومات مقتبسه من كتاب نابلس مدينة الحضارات لنصير عرفات"

تقصيرٌ إعلاميّ

في نطاق الحديث عن أهميةِ هذه القصور وقيمتها الأثرية، كان للبعض نقدٌ ولوم للإعلام بسبب تقصيره الواضح وعدم اهتمامها بشكلٍ كافٍ، وبحسب قول البعض الإعلام هو الأساس في ترسيخ التراث لدى الشعب وللأسف هي لا تقوم بدورها.

تحدث الصحفي والإعلاميّ أمين أبو وردة "للإعلام اعتبارات كثيرة في التعاطي مع الكثير من القضايا خاصة المتعلقة بالقصور، أولها حاجة الجهات التي يعمل بها في التطرق لهذه القضايا في ظل انشغالها بقضايا أخرى خاصة التي ممكن أن يكون لها عائدٌ ماديّ، ثانياً غياب الثقافة التاريخية لدى قسم كبير من الصحافيين، وبالتالي لا يشعر بأهمية معالجة قضايا تحمل البعد التاريخي والثقافي، والسبب الثالث عدم توجه القائمين على المؤسسات التي تُعنى بالقصور نحو الإعلام لإبراز أهميتها قديماً وحاضراً".

يقول الصحفي رائد عمر "أعتقد أن السبب الحقيقيّ ليس التقصير من الإعلام وإنما كون هذه القصور مملوكة لأفراد، هو ما يمنع الإعلام من تسليط الضوء عليها، لأن الأولى بالحفاظ عليها في الدرجة الأولى هم أصحابها، ويبدأ دور الإعلام حين تكون هذه القصور الأثرية ملكاً عاماً".