"ملائكة" في قفص الاتهام: الأخطاء الطبية في فلسطين .. جرائم بلا أدلة وضحايا بدون حقوق

"ملائكة" في قفص الاتهام: الأخطاء الطبية في فلسطين .. جرائم بلا أدلة وضحايا بدون حقوق
خاص دنيا الوطن ـ محمود الفطافطة

ما إن تطرق الأذن كلمة المستشفيات إلا ومفردة " الأخطاء الطبية" هي المهيمنة على أطراف الحديث. هذه المفردة كثيراً ما يتم تداولها بين عموم الجمهور؛ فتجد البعض يضخم من حجمها إلى حد وصفها بالظاهرة المقلقة والوباء الفتاك، في حين نجد طرفٌ آخر يرى في هذه الأخطاء مجرد حالات تحدث في هذا المستشفى أو ذاك، وأنها ليست بالأمر المستغرب طالما تقع بنسبٍ قليلة، فضلاً عن أن أفضل مستشفيات العالم لا يمكن لها أن تتجنبها.

فالأخطاء الطبية أصبحت ظاهرة في العالم، وليس في مشافينا فقط، وهناك ضحايا فقدوا حياتهم أو أصيبوا بإعاقاتٍ دائمة، وتوجد الكثير من الأمثلة عن الضحايا الذين سقطوا بسبب الإهمال وسوء التقدير أو ضعف الكفاءة، فضاعت حقوقهم مع صعوبة إخضاع الطبيب للمساءلة الجنائية والمدنية وعدم القدرة على إثبات ارتكابه للخطأ الطبي. فالحديث عن ظاهرة الأخطاء الطبية في فلسطين أصبح أمراً واجباً، وضرورة بحثية ملحة، سيما بعد تزايد الادعاءات والشكاوى بوقوع أخطاء طبية، وتقصير بحق مرضى في المستشفيات الخاصة منها والعامة.

وفي ظل طغيان عقدة أو جدلية إطلاق الأحكام المجردة من تقارير طبية تثبت صحة وقوع معظم هذه الأخطاء، وفي خضم الحساسية القصوى لمثل هذه القضية، فإن طرح موضوع الأخطاء الطبية يتطلب المتابعة للوقوف على حقيقة هذه المسألة، وهل هي مجرد حالات تحدث في هذا المستشفى أو ذاك، أم هي ظاهرة واسعة الانتشار؟ وما هي أسبابها وتجلياتها ونتائجها والآليات الكفيلة بمعالجتها؟ وأيضاً من المسؤول عن وقوعها، هل الطبيب بمفرده، أم إدارة المستشفى التي يعمل بها الطبيب، والتي قد تكون في حالة افتقار إلى التمويل اللازم أو التجهيزات التقنية؟ وكذلك، هل يمكن القول بأن السبب يكمن في جزءٍ منه بمدى وعي المريض وذويه؟ أم  في القدر؟ أم في كل ما ذكر؟.

المفهوم والانتشار

يُعرَف شرف الدين محمود في كتابه "المسؤولية التقصيرية للأطباء" الخطأ الطبي بأنه " انحراف الطبيب عن السلوك الطبي العادي والمألوف، وما يقتضيه من يقظةٍ وتبصَر إلى درجة يُهمل معها الاهتمام بمريضه"، أو هو "إخلال الطبيب بالواجبات الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، وهو ما يسمى بالالتزام التعاقدي". ويتبين لنا من خلال التعريفين السابقين أن الخطأ الطبي يقوم على توافر مجموعة من العناصر تتمثل بعدم مراعاة الأصول والقواعد العلمية المتعارف عليها في علم الطب، والإخلال بواجبات الحيطة والحذر، وإغفال بذل العناية التي كانت باستطاعة الطبيب فعلها، إلى جانب مدى توافر رابطة أو علاقة نفسية بين إرادة الطبيب والنتيجة الخاطئة.

وبخصوص مدى انتشار الأخطاء الطبية عالمياً، فإن الدراسات العلمية والمعطيات الإحصائية تؤكد عدم اقتصارها على مجتمع دون سواه، فوقوعها ليس مستحيلاً، بل هو أمر ممكن الحدوث حتى في أكثر الدول تقدماً في مجال الطب وعلومه. ففي أمريكا ودول أوروبا الغربية هناك نسبة عالية من وقوع الأخطاء الطبية رغم التقدم العلمي والتكنولوجي، فقد أفادت دراسة أن المرضى أبلغوا عن معدلات عالية من الأخطاء الطبية وعدم انتظام زيارة الأطباء، وأن 34%  من المرضى الأمريكيين يحصلون على أدوية خاطئة وعلاج غير مناسب أو غير صحيح.

وفي دراسةٍ علمية تبين أن ما بين (44ـ 98 ألف) مواطن أمريكي يموتون في المشافي العامة والخاصة سنويا نتيجة ما يعتقد أنه من الأخطاء الطبية، كما أن هذه الظاهرة تكلف الموازنة الأمريكية حوالي 29 مليار دولار كل عام، وهذا ما أدى بالنظام القانوني الأمريكي بإلزام دفع تعويضات للضحايا وأسرهم عن خسائرهم المالية، وعما عانوه من فقدان لأعضاء جسدية أو تعطيل استخدامها، أو فقدان قريب، فضلاً عن الآلام المصاحبة لكل ذلك، وقد تكون هذه التعويضات عالية القيمة، فقد مُنحت مؤخراً أسرة في ولاية واشنطن (17,1 مليون) دولار نظير عطب أصاب طفلتها بالمخ.

هذا في دولة متطورة مثل أمريكا، أما في مصر التي تعتبر من دول العالم الثالث فقد اتهم خلال عام 2005 (850) طبيباً بأخطاء جراحية، بحيث تحدثت الصحف المصرية مؤخراً عن حالات تجميل تعرض أصحابها لمضاعفات عقب العملية، فقد أجرى أحد الأطباء لمريض خمس عمليات في وقت واحد، ونجم عن ذلك نزيف أدى إلى وفاته. وفي حالة ثانية توفيت فتاة تناولت أدوية خاطئة أدت إلى إصابتها بالسرطان، وعلى إثر ذلك تقرر حبس الطبيب وتغريمه مبلغ (25) ألف جنيه على سبيل التعويض المادي والأدبي لأسرة المجني عليها.

الواقع والمعطيات

إن المشكلة في الحالة الفلسطينية ليس في وقوع الخطأ الطبي فحسب، فهو يحدث في معظم مشافي العالم، بل بعدم التعاطي المناسب لمعرفة جذور أسباب الخطأ أو الجرأة والاهتمام بمعالجته. ورغم أن قضية الأخطاء الطبية في المشافي العامة والخاصة بفلسطين كثر الحديث عنها، وحدا بالكثيرين وصفها "بالظاهرة الخطيرة والمقلقة" إلا أنها لم تلقَ التجاوب الكافي، ولم يتم التعاطي معها بشكل جدي من الجهات المختلفة الرسمية وغير الرسمية. 

تبين معطيات الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن أنه خلال الفترة الممتدة من (1996ـ 2001) استقبلت الهيئة 65 شكوى يدعي فيها أصحابها بوقوع أخطاء طبية لهم، أو لأقربائهم من قبل أطباء وممرضين في مشافي عامة وخاصة. وتشير الهيئة إلى أن عدد هذه الادعاءات ما هو إلا عدد قليل من مجمل حالات الإهمال الطبي التي تقع فعلاً، فهناك وفق الهيئة حالات إهمال طبي تحل بدون تدخل أو معرفة المؤسسات الرسمية أو الأهلية، إلى جانب وجود عدد آخر من قضايا الأخطاء الطبية التي تحل عشائريا، أو لا يتم تقديم شكوى بخصوصها. وكذلك فان هناك بعض القضايا التي لا يتم معرفة سبب الضرر الذي أصاب المريض أو السبب الذي أدى إلى الوفاة نتيجة لاعتقاد أهل المريض أو المتوفى أن ما حدث كان وضعاً طبيعياً بعيداً عن أي إهمال أو خطأ طبي من الطبيب المعالج، فلا يتم متابعة الحالة والتحقيق في الموضوع ومساءلة محدث الضرر.

كذلك، فإن سلسلة تقارير أعدها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان كشفت عن وجود عشرات الحالات المتضررة بسبب الأخطاء الطبية في مشافي قطاع غزة العامة منها والخاصة. ويرى المركز أنه في خضم وجهتي النظر المتناقضتين، وجهة نظر المتضررين وذويهم، ووجهة نظر الأطباء ووزارة الصحة عموماً، فإن ملف الأخطاء الطبية بحاجة ماسة لوقفة جادة، لا لكيل الاتهامات لطرف أو لآخر، بل المطلوب وضع اليد على حقيقة ما يحدث في محاولة لتصويب الخلل، حال ثبات وقوعه.

شكاوى وتهميش!

يذكر وزير الصحة الأسبق د. فتحي أبو مغلي أن الوزارة تهتم بأوضاع مستشفياتها حتى تقدم أفضل الخدمات إلى المواطنين والمرضى، منوهاً إلى أنه رغم قلة الأجهزة والمعدات والقدرات إلا أن المستشفيات الفلسطينية تقدم خدمة مميزة للمواطن.  وبخصوص الخطأ الطبي فإن الوزير يعرفه بأنه " جنوح بالممارسة" وأنه تدخل فيه وجهات نظر مختلفة ومتعددة.  ويوضح أن الوزارة تُحاسب على الإهمال والتقصير وليس على " الخطأ الإنساني" الذي ممكن حدوثه، مشيراً إلى أن تجاوب وتعاطي الوزارة مع بعض الشكاوى التي تقدم إلى وحدة الشكاوى التابعة للوزارة منح المواطنين الثقة بالوحدة وبالوزارة.

وفيما يتعلق بالتأمين على الأخطاء الطبية يرى د. أبو مغلي أن هذا التأمين قد يحمي الطبيب عبر توفير تعويض للمريض لكنه في المقابل ليس حلاً لهذه الأخطاء، حيث قد تزيد الاتهامات وتتداخل كثير من الأمور لأن المسألة فيها مصالح ومال، مؤكداً في الوقت ذاته على أهمية ضرورة وجود مثل هذا التأمين وإن كان لا يفي بالغرض ( وفق الوزير).

وبخصوص نقابة الأطباء الفلسطينيين فليس لديها إحصائيات دقيقة عن عدد الأخطاء الطبية التي تقع في المستشفيات والمراكز الصحية الخاصة أو العامة، غير أنها كشفت عن تلقيها 160 شكوى بالخصوص في أعوام أربعة، 35 شكوى منها عام 2008، و39 شكوى عام 2009، و54 شكوى أخرى عام 2010، و32 شكوى خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2011. وقد تعددت هذه الشكاوى، بحسب النقابة، بين الكيدية والتحريضية والسعي للابتزاز، وبعضها كانت شكاوى موضوعية تعود إلى حدوث مغالطات أو مضاعفات منصوص عليها بالمراجع الطبية أو تعود إلى إهمال أو تجاوز، حيث تراوحت العقوبة التي اتخذتها النقابة ضد المخطئين والمقصرين ما بين اللوم والتوبيخ أو التحويل إلى النيابة العامة أو إغلاق عيادة الطبيب لمدة عام. غير أن النقابة لم تبين عدد الشكاوى الكيدية أو التحريضية أو التي كان فيها سعي للابتزاز أو التي اعتبرت أن ما حدث فيها يعتبر من قبيل المضاعفات أو أن فيها خطأ طبيًّا حقيقًّيا، ولا كيفية التعاطي مع هذه الشكاوى، وكانت معلوماتها محدودة جدًّا بهذا الخصوص.

بندول الاثبات!

إلى ذلك، يقول المحامي والباحث في قضايا الأخطاء الطبية معن ادعيس: من يعمل قد يُخطئ، والخطأ قد يكون ناتجاً عن إهمال وتقصير، وقد لا يكون هناك أي إهمال أو تقصير، غير أن الخطأ يكون قد وقع بعد أن بذل من وقع منه الجهد والحذر الكافيين والمطلوبين منه في مثل الظروف التي كان فيها".

ويؤكد  أن ظاهرة بروز الأخطاء الطبية أصبحت تقع بين فترة وأخرى في المستشفيات والعيادات المختلفة في مناطق السلطة بشكلٍ ملفت، وأنه رغم بروز هذه الظاهرة إلا أنها لم تلق التجاوب الكافي، ولم يتم التعاطي معها بشكلٍ جدي من الجهات المختلفة، موضحاً أن هناك بعض القضايا التي لا يتم معرفة سبب الضرر الذي أصاب المريض أو السبب الذي أدى إلى الوفاة، ناتجة لاعتقاد أهل المريض أو المتوفى أن ما حدث كان وضعاً طبيعياً، بعيداً عن أي إهمال أو خطأ  طبي من الطبيب المعالج، فلا يتم متابعة الحالة والتحقيق في الموضوع ومساءلة موقع الضرر.

ويبين الباحث أن إحدى أهم المشاكل التي تظهر في دعاوى مساءلة الأطباء مدنياً عن أخطائهم المهنية هي مسألة الإثبات. فالمريض يجب عليه أن يثبت وقوع الخطأ، وأن يثبت وقوع الضرر، ثم يثبت علاقة الخطأ بالضرر، وأن هذا الخطأ هو الذي أوقع ذلك الضرر، وأن هذا الضرر ما كان يقع لولا وقوع ذلك الخطأ . ويوضح الباحث أن ثقل هذا العبث ( عبء الإثبات) يظهر خاصة إذا ما نظرنا إلى أنه من الصعب على الخبراء الذين  تدعوهم المحكمة، وهم من الأطباء، أن يحملوا زملاءهم في المهنة أي نوع من أنواع المسؤولية لدى إدلائهم بأي إفادات أو شهادات أمام المحاكم.

ووفق الباحث، فإن تشريعات بعض الدول قد ذهبت إلى ابتكار حلول جديدة لمواجهة هذه الإشكالية، بحيث افترضت قيام مسؤولية الأطباء دون حاجة إلى تحميل المريض عبء الإثبات، فيما جعلت عبء إثبات العكس يقع على الأطباء. وقد أخذت بهذا النهج تشريعات كل من السويد  ونيوزيلندا.

بزنس الصحة!

من جانبه،  يذكر الباحث وائل عساف، الذي أعد رسالة ماجستير حول المسؤولية المدنية للطبيب أن المسؤولية المدنية للطبيب هي صورة من صور المسؤولية المدنية، إلا أنها اكتسبت أهمية خاصة نظرا لحجم الأخطاء، وكذلك الدعاوي التي تتعلق بالمسؤولية الطبية أمام القضاء، موضحاً أن السبب في زيادة هذه الدعاوي بالمقارنة مع السنوات السابقة هو زوال العلاقة الشخصية بين الطبيب والمريض وكثرة الإهمال في المستشفيات العامة، وبروز العلاقة التجارية في المستشفيات الخاصة والأطباء الخاصين.

ويوضح عساف أن المشرع الفلسطيني والأردني وغيرهما من المشرعين العرب لم يتناولوا موضوع المسؤولية الطبية بنصوص خاصة، بل أنهم تركوها للقواعد العامة للمسؤولية المدنية، وتطبيق هذه القواعد بطريقة مجردة يؤدي إلى وجود خلافات كبيرة في وجهات النظر القانونية لطبيعة مهنة الطب.   ويشير إلى أن المسؤولية المدنية للطبيب غير واضحة وشائكة وبحاجةٍ للبحث بها من ناحية الطبيعة القانونية لمسؤولية الطبيب المدنية، وطبيعة التزامه تجاه المريض، وكذلك شروط قيام المسؤولية المدنية للطبيب، والخطأ الطبي والضرر، وعلاقة السببية بينهما، بالإضافة إلى الآثار المترتبة عن المسؤولية المدنية للطبيب، وآلية تعويض المريض.

ويبين عساف أن معظم القوانين العربية لا تتضمن نصوصاً خاصة بموضوع المسؤولية الطبية، ولا يوجد في فلسطين والأردن إلا قرارات قليلة جدًا صادرة عن المحاكم بهذا الخصوص، منوهاً إلى أن الدولة العربية الوحيدة التي يوجد بها قانون للمسؤولية الطبية هي ليبيا، وهنالك مشروع قانون للمسؤولية الطبية قيد الدراسة في الأردن.

ويطالب الباحث بضرورة توافر نظام تأمين إلزامي على الأطباء من المسؤولية الطبية، وأن يتجه المشرع الفلسطيني إلى تفعيل قانون التأمين الفلسطيني رقم (20) لسنة 2005 وخاصة المادة الثالثة الفقرة/ي/ التي تنص على التأمين ضد أخطار المهنة، سيما وأن مسألة الأخطاء الطبية زادت في المجتمع الفلسطيني وعدد القضايا المطروحة أمام المحاكم ليست بالقليلة، ولم يتم الفصل بها.

بدوره، يبين الباحث محمود دودين أن الأساس القانوني لمشروعية العمل الطبي رضاء المريض، والترخيص القانوني للطبيب، وواجب الطبيب تجاه المريض، والضرورة التي يستدعيها التدخل الطبي، موضحاً طبيعة التكيف القانوني للمسؤولية المدنية للطبيب، والانحياز للرأي السائد، والذي يتبنى كون المسؤولية في الأساس عقدية، والاستثناء تقصيرية.

وفيما يتعلق بالتعويض، ذكر الباحث بحق المضرور بالتعويض عن الأضرار التي لحقت به جراء الخطأ، منوهاً إلى أن تقدير مبلغ التعويض يكون بناءً على الحالة التي يكون عليها المضرور وقت صدور الحكم. ويقترح دودين أن يكون نظام التأمين الطبي إجبارياً، وأن تنشأ صناديق الضمان ليمتد نطاقها لتشمل الأخطاء الطبية، بحيث تعمل هذه الصناديق بموجب قواعد وشروط كتلك التي تعمل بها مؤسسات، وهيئات المعاشات، والتأمينات الاجتماعية،  وأن تكون مواردها من اشتراكات الأطباء والمستشفيات والمرضى، وأن تكون هي المسؤولة عن التعويض عن الضرر الذي يلحق بالمضرور.

قانون بلا أنياب!

لا زال قانون العقوبات الأردني رقم 74 لسنة 1936 هو المعمول به في قطاع غزة، بينما في الضفة الغربية فإن قانون العقوبات الأردني رقم 16 لسنة 1960 هو الذي يطبق في هذا الخصوص. هذا من جهة التطبيق، أما بشأن العقوبة والجزاء فإن المشرع الأردني لم يعاقب على كل نتيجة تسببَت عن الخطأ الطبي، ولكنه تخير بعض النتائج التي هي على درجة الجسامة وعاقب عليها . وقد حصرت المادة (343) من قانون العقوبات الأردني صور الخطأ في: 1. الإهمال: ويقصد به التفريط والتقصير وعدم الانتباه. ومن صور الإهمال أن يكلف شخص بالعناية بمريض أو طفل صغير، فيهمل في العناية به حتى يموت. أو ينسى الطبيب قطعة شاش أو آلة داخل جسم المريض. 2. قلة الاحتراز: ويُقصد به عدم التقدير على نحو سليم للآثار الضارة لفعله، فضلاً عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة.

وبخصوص العقوبة التي وضعها قانون العقوبات الأردني على القتل غير المقصود سواء أكان من طبيب أم كان غيره، فقد تمثلت وفق ما نصت عليه المادة (343)"من سبب موت احد عن إهمال أو قلة احتراز أو عن عدم مراعاة القوانين والأنظمة عوقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات". وان لم ينجم عن الخطأ قتل، فقد نصت المادة (344) من قانون العقوبات المذكور على:

أ.(إذا لم ينجم عن خطأ الشخص إلا الإيذاء كان العقاب بالحبس من شهر إلى سنة أو بغرامة من خمسة دنانير إلى خمسين ديناراً).ب.(يعاقب كل إيذاء غير مقصود بالحبس لمدة لا تتجاوز ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز عشرة دنانير).

هذه العقوبات يراها البعض بأنها كافية كالدكتور محمد أمين التيجاني، حيث يقول: "إن العقوبة المنصوص عليها قانونياً بشأن الخطأ الطبي معقولة، فيستحيل على أي طبيب أن يسمح لنفسه بأن يؤذي أو يضر مريضه، وإلا فقد تحول ذلك الفعل إلى جريمة جنائية، وهذا لم يحدث مطلقا في مشافينا".مقابل هذا الرأي نجد من يعارض حجم العقوبة، مطالباً بتشديدها أكثر، وضرورة تطبيقها كالدكتور أحمد حنيحن، حيث يوضح أن كل طبيب يعبث بمصير أي مريض بسبب جهله بتخصصه أو جشعة لحصد مبالغ طائلة من المال يجب أن تكون عقوبته شديدة حتى لا يتجرأ المزيد من السير على خطاه.

الضحايا تتكلم!

(ن. ك) أُجريت لها عملية استئصال مرارة في مستشفى بنابلس، وذلك بعد إقناعها بأن حالتها تستدعي الاستعجال في إجراء العملية، وأن المركز هو الوحيد في هذه المدينة القادر على إجراء ذلك. أثناء إجراء العملية تبين أن المركز غير مؤهل لإجراء مثل هذا النوع من العمليات، ولم يتمكن الأطباء الموجودون في المركز من التعامل مع المضاعفات، فتم استدعاء طبيب من مشفى آخر، فوجئ فور وصوله بعدم توفر جهاز تدليك للقلب. وبعد أن ساءت أوضاع المريضة، تم نقلها إلى مشفى آخر، حيث توفيت فيه. في أعقاب ذلك قامت وزارة الصحة بالتحقيق في القضية، واتخذت قرارا بإغلاق المركز لمدة شهر حتى يتم تقديم المستندات والوثائق التي تؤكد الالتزام بالقوانين والأنظمة المعمول بها في الوزارة.

بتاريخ 30/9/2010 حضر المرحوم صلاح الدين إبراهيم عبد الجواد أبو حلتم من بلدة ترقوميا إلى مستشفى الخليل الحكومي من اجل إجراء عملية للعين اليمنى ( انحراف ) . وفي " بداية العملية. 

ـ وحسب رواية طبيب العيون ـ تم إعطاء إشارة من قبل الممرض الذي قام بتخديره ويدعى ( م. ج) إلى طبيب العيون بإيقاف العملية فورا وذلك بسبب توقف القلب عن العمل، وفعلا استجاب الطبيب لأمر ممرض التخدير وبعد ذلك أفادنا طبيب العيون ويدعى( أ. ص) بأن ممرض التخدير قام بعملية إنعاش للقلب وعاد القلب لعمله بعد أكثر من خمس دقائق حسب اعتراف ممرض التخدير؛ علماً بأن هذه الفترة التي توقف فيها القلب أدت إلى نقص كمية كبيرة من الأكسجين على الدماغ؛ الأمر الذي أدى لأن يدخل المرحوم في غيبوبة كاملة وتم نقله إلى غرفة العناية المركزة وقد مكث فيها ستة أيام دون أن يطرأ أي تحسن ملموس على حالته الصحية رغم مطالبتنا لمدير المستشفى بتحويله إلى مستشفى ذو كفاءة عالية ".

ويقول شقيق المرحوم :" في مساء اليوم السادس وبعد إلحاحنا على مدير المستشفى طيلة هذه الأيام استجاب لنا وبصعوبة من اجل تحويله إلى الخارج للعلاج وفعلا تم تحويله إلى المستشفى التخصصي في عمان ومكث فيها قرابة ( 50 ) يوما في غرفة العناية المركزة وتم إعطاؤه العلاج اللازم وبعد ذلك تم الضغط علينا من قبل مندوب السلطة الوطنية في المستشفى التخصصي الدكتور ( محمد منصور ) بإعادة المرحوم إلى الضفة الغربية وفعلاً قمنا بإعادته إلى مستشفى الخليل الحكومي يوم الخميس 25/11/2010  ومكث فيها حتى وفاته في يوم السبت بتاريخ  18/12/2010  وبعد رفض مدير المستشفى إعطائنا تقرير طبي بالخطأ الذي حصل علماً بأنه اعترف هو وأكثر من طبيب لنا شفهياً انه حصل خطأ طبي . اضطررنا لعمل تشريح للجثة وأثبت التشريح انه ليس هناك أي جلطات أو أي مضاعفات طبيعية أدت لتوقف القلب، الامر الذي يثبت بأن هناك خطأ واضح . وأوصى تقرير التشريح بعمل لجنة تحقيق من ( د. طب شرعي د. تخدير د. عيون د. من نقابة الأطباء) إلا أن وزارة الصحة تماطل في هذا الطلب من تاريخ إصدار تقرير التشريح في 6/3/2011  وحتى الآن. ويضيف :"  الوزارة قامت بتشكيل لجنة باشرت عملها في 17/3/2011 والى اليوم يماطلون و يرفضون تسليم تقرير اللجنة لنا أو للنيابة العامة وهكذا يتعاملون كأنهم فوق القانون ومر على الوفاة أكثر من عام دون أي تقدم يذكر" .

ويتابع شقيق الضحية قائلاً: في يوم وفاة المرحوم 18/12/2010  رفض مدير المستشفى أن يأتي لإعطائنا تقرير طبي بالخطأ الذي حصل، حيث قمنا بالذهاب إلى منزله في بلدة بني نعيم إلا أن زوجته قالت لنا بأنه غير موجود ورجعنا للمستشفى فرفضنا إخراج المرحوم من المستشفى حتى يأتي وان يعطينا تقرير وبعدها اتصلوا عليه الشرطة وأتى وقال لنا: نعم ابنكم حصل معه خطأ طبي ولكن لا استطيع إعطاؤكم تقرير بالخطأ لأن الخطأ لا اعرفه و بعد جدال معه توصلنا إلى عمل تشريح وثبت لنا في تقرير التشريح أن ليس هناك أي جلطات أو أي مضاعفات طبيعية أدت إلى الشلل ومن ثم إلى الوفاة . هذا ما يؤكد لنا انه هناك خطأ وقال لي طبيب الطب الشرعي في هذه الحالة الدلائل تشير أنه قد حصل خطأ في التخدير ولكن لا استطيع أ، أصرح في تقرير التشريح لأن التخدير بعد هذه الفترة ( 80) يوم يكون قد خرج من الجسم . هذا ما يؤكد أن المشكلة كانت في التخدير وتابعنا مع النيابة إلى هذا اليوم ولم نتقدم في أي شيء" .

ويختم شقيق المرحوم أبو حلتم هذه القصة الأليمة ليؤكد :" إن من قام بتخديره ممرض تخدير لا يرقى إلى فني التخدير. وعندما تمت مقابلة وزير الصحة السابق د. فتحي أبو مغلي شرحت له قصة شقيقي فقال: أنا استغرب من هذا الذي حصل؛ يعنى أقر بالخطأ ضمنياً؛ علماً أن مسؤول الشكاوى في وزارة الصحة ذكر " أن الوزير لم يقتنع بتقرير لجنة الوزارة وقرر أن يعمل لجنة جديدة وبعدها قال لي إن الوزير ألغى قراره  ونحن لا ندري ماذا نعمل".  

(م.ف) سقطت أثناء قطفها الزيتون، توجهت إلى مختبر أشعة لتصوير ساقها. طُلب منها فني المختبر التوجه إلى إحدى الأطباء المختصين بالعظام الذي يعمل بمستشفى (م)، وبمجرد أن شاهد هذا الطبيب الصور قال: "إنها تحتاج إلى عملية فورية لزرع جهاز، وذلك لإصابتها بأكثر من كسر في الحوض، وحدد لها موعداً للعملية، لكن زوجها قرر عدم إجراء العملية لعدم توفر المال، ولأن الوضع الصحي لزوجته لا يسمح، في حين كان الطبيب مصمم على إجرائها، وبعد رفضها ومغادرتها المشفى على مسؤوليتها الخاصة، توجهت إلى مركز لتصوير الأشعة، حيث تبين أنها لا تعاني من كسر في الحوض، ولا تحتاج إلى أي عملية، ولو أجرتها لربما تصاب بالشلل، أو أضرار لا يحمد عقباها وفق ما ذكر موظف الأشعة.

(س.ح) تبلغ من العمر 28 سنة، دخلت مستشفى (هـ. ح) بسبب صداع ليس بالشديد، بحيث أعطاها طبيب الطوارئ حقنة تخدير ودواء مسكن (diazepam) ما أدى إلى نوم عميق لها طال مدة أربع ساعات، وبعدها نقلت إلى البيت في حالة دوخان شديد دون أن يعلل الطبيب مثل هذه الحالة سوى بأنها مجرد صداع، وسيختفي قريباً. في البيت لم تتحمل(س) شدة الألم، فنقلت إلى مشفى (ش . ز) فتوفيت بعد ساعة من وصولها، وفي يوم عيدها.

دخلت (ع. م)مشفى (ه.ح) لإزالة حصوة في المرارة. أزيلت المرارة لتبقى (ع) تعاني من ألم شديد جداً طيلة 12 يوماً. وعندما كان زوج المريضة يسأل الطبيب الذي أجرى العملية يجيبه بأن حال زوجته سيتحسن. نقلت المريضة إلى مستشفى المطلع بالقدس ليجد الأطباء هناك أن جرح العملية لم يُغلق. المؤشرات على خطأ الطبيب عديدة، أهمها: إنهاء عمل الطبيب في المشفى عقب الحادثة بأيام لينتقل إلى مشفى حكومي، وجود الطبيب في المشفى التي نقلت إليه المريضة ومتابعة حالتها دون أن يطلب منه، طرح الطبيب على زوج المريضة استعداده بدفع ما يترتب على مكوث زوجته وعلاجها في مشفى (ه. ح) على نفقته، إلى جانب أن طبيباً مشاركاً له في عيادة طبية خاصة قد تركه، وأكد لذوي المريضة أن زميله قد أخطأ في علاجه لها.