ساتيا .. السفينة المجهولة في بحر غزة

ساتيا .. السفينة المجهولة في بحر غزة
خاص دنيا الوطن - أمجد عرفات

يخفي بحر غزة بأعماقه وشواطئه وأمواجه خفايا وأسراراً تروي حكايات الأمم التي سكنت مدينته، فأثبت عبر ما تم الاستخراج من قيعانه عبر سنوات عدة بأن هناك يونانيين ورمانيين وأتراك وبريطانيين، قد تعاقبوا على احتلال الأرض الفلسطينية، ولكن هناك جسم غريب بالكاد يكون ظاهراً على سطح البحر قبالة معسكر الشاطئ غربي المدينة يقال إنها لسفينة غرقت قبل أربعة عقود، فكان لابد لـ (دنيا الوطن) أن تسلط الضوء على هذا الأمر المجهول لعلها تكشف عن شيء يستحق الحديث عنه أو تساهم من خلاله بتعريف الغزيين عن بعض الأمور الغامضة بمدينتهمٍ.

أحد سكان المعسكر الحاج صبري عوض، الذي يبلغ من العمر (74 عاماً) والذي كان ممن عاصر حادثة غرق هذه السفينة، وشارك في عملية الإنقاذ لركابها، يبين أن هذا الجزء الظاهر هو عبارة عن بقايا لسفينة ساتيا الباكستانية، حيث كانت تقوم بشحن بضائع أوروبية وكانت تفرغ حمولتها في ميناء غزة، مشيراً إلى أن هذه البضائع كانت تشتمل في الغالب على مواد بناء، وكانت تخص فقط سلطات الاحتلال الإسرائيلي حينما كان مسيطراً على قطاع غزة في تلك الفترة.

وأوضح أنه في يوم من أيام الشتاء في السبعينات، ضرب إعصار جوي قوي، كان بمقدوره أن يفقد الأشخاص توازنهم عن سطح الأرض بل ويحملهم ويلقي بهم إلى مكان بعيد، وكان رواد هذه السفينة في حالة عدم استفاقة ذهنية، جراء إكثارهم من شرب الخمور، فكانت العاصفة تدفع بسفينتهم دون أن يشعروا بما هم عليه من خطر، إلى أن تم اصطدامها بصخرة كبيرة متواجدة في عرض البحر، مما أدى إلى انقسامها لنصفين.

وأردف لـ (دنيا الوطن) عندما شاهد أهل المعسكر هذا المشهد هبوا لنجدة راكبي السفينة بالسباحة نحوهم، ولكن واجهتنا بعض المشاكل في عملية الإنقاذ بسبب تسرب أطنان الإسمنت الذي كانت تحمله السفينة على مياه البحر، فكان يغطي الوجوه ويدخل في العينين، فأشار لنا أحد الأصدقاء بربط حبل متين من أعلى السفينة حتى أسفل نخلة كانت مزروعة على شاطئ البحر قبل أن يتم اقتلاعها، فكان الحبل بمثابة عملية إنزال من فوق لأعلى كما يفعل نخبة جنود القوات الخاصة في أي دولة".

 وأشار إلى أنه بهذه الطريقة تم إنقاذ 47 شخصا من جنسيات مختلفة وتم عمل حفلة لهم احتفاء بسلامتهم، مضيفاً " قمنا باستضافتهم في بيوتنا لمدة أربعة أيام قبل أن يغادروا إلى أوطانهم بعد إخبار سفارات بلادهم بأمرهم".

هذا ما أكده الحاج خالد البرعي، أحد المشاركين في عملية الإنقاذ أيضاً، مشيراً إلى أنه في تلك الفترة كانت ترافقها سفينة أخرى، وعندما استحال تعامل قبطانها مع الموقف بسبب قوة الرياح، هرع بسفينته إلى مدينة أسدود المحتلة، وقد نالت تلك السفينة ما نالته أختها في بحر غزة، مما أدى لغرق كافة ركابها، ما عدا اثنين من ركابها.

وقال: "على الرغم من الإمكانيات الضخمة التي تتمتع بها بحرية الاحتلال إلا أنهم فشلوا في إنقاذ أفراد السفينة التي كانوا يأتون لهم ليدعموا احتلالهم للأراضي العربية، ولكننا نحن أبناء إحدى هذه الدول المحتلة، قمنا بإمكانيتنا المتواضعة والبسيطة بإنقاذهم جميعاً، فضلاً عن الضيافة والمعاملة الحسنة التي متعناهم بها"، مشيراً إلى أن هذه السفينة كانت تحمل مواد بناء يتم شحنها من اليونان وتركيا لتحصين خط "بارليف" الذي أنشأته إسرائيل على الضفة الشرقية لقناة السويس.

ويذكر، أن خط "بارليف" الذي أنشأته إسرائيل لتحصين حدودها من الجيوش العربية، كان قد وصف بأنه أقوى خط هجومي في العالم، وكانت إسرائيل قد اكتسبت من خلاله لفظ الجيش الذي لا يقهر، ومما قيل عنه أيضا بأنه لو اجتمع الجيش الأمريكي والبريطاني لخرق هذا الخط لما استطاعوا، إلا أن الجيش المصري بمساعدة قوات منظمة التحرير الفلسطينية، استطاع اختراق هذا الخط في غضون 6 ساعات.

وأشار الرباعي إلى أن هذه السفينة خلفت حوادث بعد غرقها وقد جلبت لهم الحزن، حيث تسببت بوفاة السيد أبو ريالة، وهو أحد سكان المعسكر، حيث كان يذهب إلى السفينة ويقص بعض أجزاء من معادنها ليسترزق منها، بالإضافة إلى خضر أبو عبيد، الذي صعد إليها في إحدى الأيام صباحاً لكي يستمتع بتناول فطوره وسط البحر، فغمرته المياه، مما أدى إلى وفاته، كما تم العثور على جثة الصياد شعبان أبو عودة، الذي كان يلقب بأبي الجميز، الذي فقده رفاقه قبل شهر من العثور على جثته في قلب السفينة.

أما عن قصة أبو الجميز، فيبين الرباعي أنه كانت تمر عليهم ثلاث نوات سنوياً، وهي نوة المكينسي والميلاد والغطاس، والنوة هي هيجان البحر، بالإضافة إلى أن هناك نوة رابعة تأتي بشكل فجائي، حيث كانت من نصيب أبو الجميز، عندما سحبه تيار الماء لمكان مجهول أثناء قيامه باصطياد السمك، لافتاً إلى أنه تم العثور على جثته بعد شهر كامل ملقاة على سطح سفينة ساتيا، وبناء على هذا تم تسمية هذه النوة باسم أبو الجميز.