عطا الله حنا: المسيحيون في مشرقنا العربي لن يتخلوا عن أصالتهم الإيمانية والروحية والانسانية والوطنية

رام الله - دنيا الوطن
قال المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس في كلمة القاها حول تحديات الحضور المسيحي في المشرق العربي وذلك امام نيافة كاردينال سانتياغو ورؤساء وممثلي الكنائس المسيحية التشيلية .

حيث قال في محاضرته التي تم بثها عبر عدد من وسائل الاعلام التشيلية لا سيما الاعلام الكنسي : قال بأن المسيحية في المشرق العربي وفي فلسطين الارض المقدسة بنوع خاص انما هي اصيلة ولها تاريخها وجذورها وارتباطها الوثيق بهذه الارض المقدسة ، فالمسيحية لم تأتي الى فلسطين من الغرب وانما من فلسطين انتقلت الى الغرب والى كافة ارجاء العالم ، والسيد المسيح ولد في فلسطين في قرية متواضعة في ذلك الحين اسمها " بيت لحم " والعالم المسيحي الذي يعيد لعيد الميلاد المجيد بعد شهرين يتذكر هذا الحدث الخلاصي الذي تم في مغارة الميلاد في بيت لحم المقدسة وفي هذه البقعة الطاهرة من العالم التي اسمها فلسطين ، والمسيح من مهده الى لحده عاش في فلسطين وقدم كل ما قدمه للانسانية في هذه الارض المقدسة ، وبعد صعوده الى السماء كانت العنصرة حيث اجتمع التلاميذ في العلية فتحولوا بنعمة الروح القدس الى كارزين ومعلمين ومبشرين برسالة الانجيل في مشارق الارض ومغاربها .

المسيحيون المشرقيون في فلسطين وفي سائر ارجاء منطقتنا العربية يفتخرون بانتماءهم لهذه الارض التي منها انطلق نور المسيحية الى مشارق الارض ومغاربها مبددا ظلمات هذا العالم وباعثا الامل والرجاء في القلوب وناقلا البشرية بأسرها الى حقبة جديدة هي حقبة الانتقال من مرحلة الظلام والخطيئة والفساد والموت الى مرحلة الخلاص والبركة والنعمة والنور .

من يتحدثون عن المسيحية في عالمنا يجب ان يلتفتوا الى مشرقنا العزيز على قلوبنا جميعا ، يجب ان يلتفتوا الى فلسطين الارض المقدسة ، فكنيسة القدس وانطاكية والاسكندرية هي من اقدم واعرق الكنائس في عالمنا والحضور المسيحي في مشرقنا العربي هو حضور اصيل جذوره عميقة في هذه الديار ، فالمسيحية لم تأتي الى بلادنا مع اي نوع من الحملات الاستعمارية او التقلبات السياسية ، المسيحيون في بلادنا ليسوا من مخلفات حملات الفرنجة كما يظن البعض وليسوا بضاعة مستوردة أوتي بها من هنا او من هناك ، فالجماعة المسيحية القائمة اليوم في بلادنا هو امتداد تاريخي وطبيعي للحضور المسيحي الاول وللجماعة المسيحية الاولى التي عاشت في هذه الديار قبل اكثر من الفي عام .

لقد تراجعت اعداد المسيحيين في منطقتنا العربية بسبب الاضطهادات والظروف التي مر بها اهل هذه الديار وهنالك اعداد كبيرة من المسيحيين الذين غادروا اوطانهم في اواخر القرن الثامن عشر بسبب الاضطهاد العثماني وتوجهوا الى دول عالمية وفي مقدمتها امريكا الجنوبية اللاتينية .

الملايين من المسيحيين العرب المشرقيين يعيشون اليوم في دول امريكا الجنوبية في تشيلي والارجنتين والبرازيل وغيرها من الدول ، المسيحيون الفلسطينيون الذين يقطنون تشيلي منذ اكثر من 100 عام هم اكثر بكثير من المسيحيين الذين ما زالوا في فلسطين ولكن وبالرغم من كل ذلك نرى ان التشيليين الذين هم من اصول فلسطينية ينتمون لبلدهم الام وهم محافظون على انتماءهم الروحي وهم مصدر افتخار واعتزاز لنا ، لان وجودهم في بلاد الاغتراب وبعدهم الجغرافي عن فلسطين لم يجعلهم يتخلون عن هويتهم وتاريخهم واصالتهم وتراثهم .

ان نكبة الشعب الفلسطيني عام 48 ونكسته ادت الى اقتلاع شعبنا من موطنه الاصلي وانتشر الفلسطينيون المنكوبون والمشردون في مخيمات اللجوء وفي سائر ارجاء الدول العالمية التي استقبلتهم ورحبت بهم .

ان ما حل بشعبنا من نكبات ونكسات ادى الى تشريد هذا الشعب بمسيحييه ومسلميه ، وما اكثر النكبات والنكسات التي حلت بشعبنا والتي ما زال شعبنا حتى اليوم يعيش تبعاتها ونتائجها في ظل الاحتلال الممارس عليه والسياسات الظالمة التي يتعرض لها.

اما النزيف السوري فهو نزيفنا جميعا وما حل بسوريا خلال السنوات الاخيرة يكاد يكون اكثر بشاعة مما حدث مع شعبنا الفلسطيني عام 48 ، الملايين من السوريين الذين تم تشريدهم ناهيك عن الدماء الزكية التي سفكت والدمار الهائل الذي حل بهذا البلد والارهاب الذي تعرضت له سوريا استهدف المسيحيين وغيرهم من المواطنين ، وما حدث في سوريا يحدث في العراق وفي اكثر من مكان عربي .

في فلسطين نسبة المسيحيين اليوم هي 1% وفي سوريا هنالك اكثر من نصف مليون مسيحي الذين تركوا بلدهم بسبب الارهاب وفي العراق هنالك اكثر من مليون مسيحي الذين تركوا وطنهم الام بسبب ما حل ببلدهم والنزيف مستمر ومتواصل .

من هو المستفيد الحقيقي من افراغ منطقتنا العربية من المسيحيين ؟ من هو المستفيد من هذا الدمار والخراب الذي حل بمنطقتنا ؟ ولماذا يغدق المال والسلاح بغزارة على الارهابيين لكي يقوموا باعمالهم الاجرامية التي تستهدف شعوبنا ومنطقتنا ؟ .

ان اختفاء الحضور المسيحي من مشرقنا العربي لهي انتكاسة بكافة المقاييس ليس فقط للمسيحيين وانما لكافة مكونات منطقتنا العربية .

ان القضية الفلسطينية هي مفتاح السلام في منطقتنا ، ارفعوا اصواتكم عاليا مطالبين بتحقيق العدالة والسلام في فلسطين ونصرة الشعب الفلسطيني المظلوم ، ارفعوا اصواتكم عاليا مطالبين بأن يتوقف هذا الارهاب الذي يعصف بمنطقتنا ويحرق الاخضر واليابس ويستهدف كافة مكونات هذه المنطقة تاريخيا وحضاريا وانسانيا ووطنيا ، يجب ان نحافظ على الحضور المسيحي في منطقة الشرق الاوسط ومصير المسيحيين مرتبط بمستقبل هذه المنطقة ، لا يمكن ان نتحدث عن مصير المسيحيين ومستقبلهم بمعزل عن مستقبل هذه المنطقة وكافة مكوناتها وشعوبها ، فلتتوقف الحروب وليتوقف الارهاب والعنف ولتتوقف ثقافة الموت والرعب التي يسعى الاعداء لادخالها الى مجتمعاتنا العربية ، كفانا حروبا وقتلا وموتا واستهدافا للكرامة الانسانية ، نريد ان نحيا بسلام  في مشرقنا وسلام منطقتنا هو سلامنا .

" الله محبة " وكل الحروب التي تمت بإسم الله ، الله منها براء ، انها حروب بإسم المصالح البشرية والدين يُستغل فيها لاغراض سياسية واستعمارية ، انها حروب يصنعها الانسان ولم يصنعها الله لان الله محبة ورحمة بالانسانية ، علينا ان نكرس جهودنا من اجل التقارب بين الاديان والثقافات المتعددة ، فلا نريد حروبا تحمل طابعا دينيا ، نحن لا نؤمن بصراع الاديان والحضارات والثقافات ، فالاديان لا تتصارع فيما بينها ولكنها تتفاعل خدمة للانسانية وتكريسا للقيم