مصائب ترجمة "جوجل"

مصائب ترجمة "جوجل"
رام الله - دنيا الوطن
في زمن ليس ببعيد تغنى أمير الشعراء أحمد شوقي في جماليات وبلاغة اللغة العربية: “هي الفصحى وهل لغةٌ سِواها.. لَدَى التِّبيانِ تبلغُ مُنتهاهــــا.. لقد وضحتْ بأحرفِها المعـاني.. كمثلِ الشَّمْسِ تسطعُ في ضُحاها” لكن اللغة العربية اليوم تعيش تحت وطأة تحديات جمة، يساهم فيها جهل متزايد بقواعدها وتدني معدلات القراءة.

تحديات ساهمت التكنولوجيا في التخفيف من حدتها مع انتشار برامج الترجمة وتعلم اللغة، لكن في المقابل الاعتماد بشكل كبير على الترجمات الأوتوماتيكية مضافا إليه الجهل باللغة صنع كوراث لغوية لا تغتفر.

وفي محاولة لمجابهة هذه الكوارث، ظهرت عدة مبادرات حكومية ومؤسسة تعني بحماية اللغة وطبعاً أبرزها مبادرة “عام القراءة” التي أقرها مجلس الوزراء الإماراتي وأصدر توجيهاته لإعداد إطار وطني متكامل لتخريج جيل قارئ وترسيخ الدولة عاصمة للمحتوى والثقافة والمعرفة، ومبادرة فردية اتخذت من مواقع التواصل الاجتماعي مسرحاً لها، منها صفحة “رفقا باللغة العربية” على الموقع الاجتماعي فيسبوك، التي لجأت إلى الإضاءة على مشكلة اللغة العربية بطريقة مختلفة، حيث قامت برصد توثيق أخطاء الترجمة من وإلى العربية المنتشرة في عالمنا العربي من خلال صور تثير الضحك والاستياء في آن واحد.

الصفحة تم تأسيسها مذ 3 سنوات تقريباً، وتتضمن الآن أكثر من 4 آلاف عضو، وتعنى بالأساس بأخطاء ترجمة اللغات المختلفة حين تحولها إلى اللغة العربية. ويتم ارتكاب هذه الأخطاء الفادحة من قبل الأشخاص الناطقين للعربية أو غير الناطقين بها في أحيان كثيرة، وتوكل إليهم مهام صنع اليافطات واللوائح الإعلانية، ليكون سبيلهم أثناء تنفيذ مهامهم الوظيفية برامج الترجمات الإلكترونية وهو ما يترتب عليه معان مشوهة للإعلانات واليافطات وأسماء المحال التجارية وقوائم الطعام وصولا إلى بعض المواقع الإلكترونية للشركات وغيرها…

بتصفح محتوى الصفحة تتعرض لعدد كبير من أخطاء اللغة الموثقة بالصورة المدمرة للمعنى، لتجد الأعضاء قد تناولوا هذا المضمون الخاطئ بأساليب طريفة وتعليقات تهكمية ساخرة وهو ما تحدث عنه صاحب الفكرة ومؤسس الصفحة باسم زين لـ “العين”، إذ يلفت إلى أن “الفكرة بدأت على سبيل المزاح حينما كنت متواجدا مع بعض المترجمين في شركة للعلاقات العامة ونتناقش حول أخطاء الترجمة المضحكة المبكية، ووقتها أخذنا نتناول بعضا من تلك الصور على سبيل الدعابة، من هنا نبعت الفكرة في إطلاق محتوى معني بالحفاظ على سلامة اللغة العربية من الغبث”.

امتلاك زين لعدد كبير من الصور التوثيقة لتلك الجرائم اللغوية كان خطوته الأولى لتأسيس صفحته المعنية بحامية لغة الضاد، فيقول “كنت أعكف دائما على حفظ والتقاط الصور للأخطاء المنتشرة على يافطات الطرق، فحينما كنت أسير بسيارتي وأرى أي من تلك الأخطاء أتوقف وأترجل من السيارة وأصور تلك اليافطة، ومن خلال هذه الصور تمكنت من إطلاق الصفحة ونشرها على موقع فيس بوك ودعوة الأصدقاء للانضمام إليها وبدورهم دعوا مزيدا من الأشخاص ليصل عدد متابعيها الآن إلى ما يربو على 4600 مشترك”.

ومن أخطاء الترجمة لغير الناطقين بالعربية إلى أخطاء العرب ومتحدثي العربية توسعت منشورات الأعضاء على الصفحة، فشملت صورا لأخطاء إملائية وطباعية لشرائط عناوين الأخبار ونشرات رأس الساعة المتلفزة، وتضمنت التعليقات الساخرة كذلك انتقاد لكتابة العربية بحروف الإنجليزية، وصولا إلى ركاكة التعبير والتراكيب والنطق الذي يؤثر على كتابة العربية على مواقع التواصل الاجتماعي، وجميعها أمور تنطوي تحت راية الإهمال والاستخفاف باللغة.

يحاول أعضاء “رفقا باللغة العربية” ولو من خلال المزاح تسليط الضوء على هذه الإشكالية ونشر الوعي حول قضية حماية اللغة وعدم العبث والاستخفاف بها، حتى وصل الأمر إلى التبرع من قبل مؤسس الصفحة وبعض النشطاء عليها إلى مراجعة بعض الترجمات بشكل مجاني للراغبين من التأكد من سلامة محتوى نصوصهم العربية، فزين يقول إن “الصفحة لا تهدف إلى تعليم اللغة العربية، بل فقط لفت النظر إلى مسألة جرائم الترجمة والإملاء، ولو أرادت أي من المؤسسات التأكد من صحة ترجمتها فنحن كأعضاء نتبرع بشكل مجاني بتدقيق المحتوى المترجم ليخرج بشكل لائق غير مشوه، حتى لا نبقى في هذه الدوامة التي تطيح بلغتنا، أنا أب وأريد حين يقرأ أولادي اليافطات في الشوارع والمحال يقومون بقراءتها بشكلها الصحيح”.

الاعتماد على الترجمة الإلكترونية من خلال برامج الترجمة يفقد النص مضمونة ومحتواه في أغلب الأوقات، وقد ساهمت الصفحة في تعديل بعض الأخطاء التي وردت فيها من خلال نشر أسماء المؤسسات والأماكن لتلافي تكرار المشكلة، وقد استجابت بعض هذه المؤسسات وتم تعديل الخطأ، وهو ما يشجع على نشر التجربة والمضي قدما في زيادة وتوسعة نطاق هذه التجربة على مستوى أكبر.


نقلا عن الرأي اليوم 












التعليقات